سؤال يطرحه الكثيرون والإجابة دوماً تائهة بين الفريقين أو قل الخصمين المتضادين.. الرجل يكيل للمرأة كل الاتهامات في حين تمطره هي بوابل من البراهين التى تفسر وتدلل وتثبت بالدليل القاطع أن «النكد» وهو ما يتضح بالفعل من طبيعته النحوية وكونه علماً مذكراً وليس هناك قطعاً خلاف علي ذلك أن أصله بالتأكيد «رجاااالى»، وعلي الرغم أنه -بحكم تكوينى وميلى الفطرى- أنتمي للفريق الحريمي، إلا أنني أحب أن أعتبر نفسى من أولئك الموضوعيات اللواتى يبحثن ويدرسن ويتمحصن قبل إصدار التصريحات.. لذا أختلف مع الكثيرات فى القاء التهم جزافاً واعتبار الرجل بشكل مطلق مصدر النكد الوحيد واعتبار النكد الحريمي -على ندرته إن وجد مجرد رد فعل طبيعى وتلقائى لتصرفات ذلك المخلوق النكدي بالفطرة ويدعي «الرجل».

 

خدعوك فقالوا «اجمد وخليك راجل».. عشنا سنوات طويلة في خدعة صنعها الرجل وآمنت بها النساء وتوارثتها كل الأجيال.. الصلابة.. القوة.. البأس والحزم من شيم الرجال.. إحساس رفيع بالمسئولية وتقدير كامل لكل الأمور.. صفات أساسية يتوارثها الرجال جيلاً بعد جيل.. من الأب لابنه ومن الأخ لأخيه ومن الجد لأصغر الأحفاد. وللحق.. صدقنا الوهم وعشنا الأكذوبة وآمنا بها إيماناً مطلقاً.. شاهدنا «سي السيد» قولاً وفعلاً.. في دار الخيالة وعلي أرض الواقع.. آمراً، ناهياً.. شديد البأس والعنف وصوته الجهوري يملأ أرجاء المكان.. آراؤه صائبة.. أقواله مأثورة.. أحلامه أوامر نافذة.. حضوره يشار إليه بالبنان.. قروناً طويلة أقنع فيها آدم حواء بأنه الملاذ والملجأ.. سيد الموقف وحكيم زمانه.. وآمنت حواء.. وبناتها من بعدها.. فانصاعت وانقادت وسلمت زمام أمورها لكائن هو في الأصل مجرد رجل!!

 

نحاول كثيراَ التحلي بصبر تحول بيننا وبينه تصرفات وسلوكيات المحيطين ممن يتفنون فن استثارة الغضب والوصول بحالة الهدنة النسبية أو السلام الظاهري لمعركة دامية وانفجار مدوي يمسون أول ضحاياه والسبب كما أراه يكمن في كثير من الجهل بكيفية إدارة الأزمة مع قلة خبرة بالأشخاص أو المواقف وربما أحياناً العناد والكبر وكثير من اللامبالاه في أغلب الأحيان علي خلفية الجملة الشهيرة «متقدرش».

 

لسنوات طويلة وعقود متتالية، سيطر الرجل وفرض هيمنته التامة علي الكون.. قاد العالم، فكانت الحروب.. غزا الفضاء فخرم الأوزون.. غاص بأعماق البحار فأزعج الكائنات الحية وكذا البشرية من قاطني البسيطة.. أجري التجارب فأفسد فطرة الطبيعة.. حرث الأرض فجرفها.. شيد المباني فاندكت علي ساكنيها.. عالج المرضي فأباد نصفهم.. أرسي العدالة فكانت الجريمة والفوضي وكان الخراب!!

 

وأخيراً صرخ الرجل.. وأخيراً أدرك خطورة الموقف وفداحة الثمن وعظم المأساة وحقيقة مرة صنعتها يداه.. وأخيراً خرج المارد من قمقم ظل حبيسه لسنوات طوال.. حطم إطاراً بالياً سجن ذاته بداخله عقوداً وعقوداً ليتمرد.. ليصرخ.. ليحطم.. ليعلن الثورة وكل العصيان.. مرآة أمامه وامرأة هادئة جالسة قبالته.. ساكنة، رزينة تتأمله.. نظرة خاطفة في المرآة.. سنوات مرت بخياله كلمح البصر.. بركان الغضب يغلى بداخله.. وثورة.. كل الثورة بانفعال وجبروت المارد بداخله. وبغتة، استدار للخلف بعنف صارخاً كالثور الهائج.. عايز حقى..

 

قدراته العقلية ليست محدودة بالمرة فقد صنعت منه قائداً ومحارباً وعبقرياً وفناناً المساحة المخصصة لديه للفهم والإدراك متسعة لاستيعاب كثير من الحسابات المعقدة والعمليات الشديدة التداخل والخطوط المتشابكة فتراه طبيباً ماهراً ومهندساً فذاً وكميائياً من الطراز الأول..

 

كريمون عند الحاجة.. أطيب المخلوقات عندما يرغبون.. جدعان حين يودون.. وأشجع الشجعان فقط حين يبدأون.. تحسبهم كل البأس من تلك القوة البادية في الأعين والصلابة الكامنة بين حنايا الأضلع الجسورة تخفي ذاك القلب الحنون والعقل الكبير الواعي.. تراهم عند الحاجة يتوسلون وهم الأقوياء.. دموعهم قريبة برغم الجلد الواضح.. عزيمتهم صلبة برغم المحن الشديدة.. ودوماً تحت الأمر عند الطلب..

 

خلقنا الله أحراراً وبأيدينا صنعنا السجون، خلق الله الأرض رحبة فصنع أبناء آدم سدوداً وحواجزاً تحُد الإنطلاق وتعوق الرؤية. كفل الله للإنسان حريته فتفنن في إبداع قيود بالية من موروثات سجنته بجدران نفسه وحالت دون تواصل البشر فجعلت من العالم جُملة زنانين تضم أعداد غفيرة تسير مُغمضة الأعين، مُوصدة القلوب تُغلق عقولها وتعوق مرمي البصر وتمنع ضوء الحق من البزوغ وتقف حائلاً بإنتظار من يفتح الباب ويفك الأسر ويحل طلاسم الشفرة المُبهمة.