تطالبه بكل الوقت وتتجاهله حين يأتي إليها لتبحث عنه دوماً حين يغيب!! تسأله المشورة ولا تعنيها آراءه ولا تأخذ بها فى كل الأحوال.. تدعى البحث الدائم عن راحته وسعادته وهنائه فترهقه بمطالب لا تنتهى ليل نهار..

ترفع شعار الثقة المتبادلة وتطارده طوال الوقت.. تأسره بمشاعرها فتتمرد عليه.. ترضيه بخضوعها لتخنقه بانطلاقاتها وشطحاتها وحديثها السلبي طوال الوقت.. تتهمه بالثورة الدائمة وهو الهادىء.. بكل العنف وهو اللين.. بمنتهى القسوة وهو المحب.. بالخيانة وهو أوفى الأوفياء.. وحين يمضى قدماً، تذرف الدمع وتنهار.. لتعود دوماً وتبحث عنه!!

سنوات طويلة مضت على مشاعر جمعت بينهما وحلم استقرار أبدى وحياة طويلة المدى تمتد أمام الأعين الباسمة.. فلا فرار من الارتباط ولا جرأة كافية من كليهما معاً على تحديد المصير واتخاذ القرار.. أيام تمضى بلا قدرة حقيقية على المواصلة فى رحلة أنهكت كليهما بقدر ما أسعدتهما ولا سبيل للانفصال!! فكثير من الحب ألف شتات القلوب ومشاعر فياضة فرضت علي العقل سياجاً غليظاً من رغبة أكيدة فى التواصل.. برغم البعد والتقارب، شئ ما يجمعهما معاً ولا زالا على الوعد والعهد والقرار. تتعبه بترددها الدائم.. تخنقه بعنفها المستمر.. تثير حفيظته بانفعالاتها غير المحسوبة.. تغضبه بعندها غير المبرر.. تبعده بتقلباتها وتؤرقه بغموضها لتعيده مشاعره دوماً إليها ومزيد من الأرق والتوتر والقلق وقرار الارتباط يلوح فى الأفق وشبح الزواج على الأبواب!! ودائماً، شكوى من جانبها وقلق وحيرة من عقله المضطرب وإلحاح شديد بتغيير المصير.. حقها بلا جدال وحقه أيضاً فى التمرد إذ لم ير قط ما يذهب الحيرة ويريح النفس ويطمئن العقل الحائر بين المتناقضات!! فرضت عليه كغيرها كل التردد والتقلب والحيرة وربما القسوة والعناد. وعند النهاية.. تسأله كغيرها أيضاً لماذا لا تتزوج؟ يا معشر الرجال.. لماذا لا تتزوجون؟؟

وللحق، سؤالها ليس حدثاً عابراً بل تيمة سائدة وتساؤل ملح يفرض نفسه يومياً على النساء وكل الرجال.. لماذا لا يتزوجون؟؟ لماذا يعزف الرجال كلية وجزئياً عن فكرة الزواج؟ سنه مناسبة للارتباط.. شوطاً طويلاً قطعه فى تحقيق الذات وسنوات من العمل المضنى حققت توازناً واستقراراً ملحوظاً.. إمكانيات مادية مرضية والغد يحمل المزيد.. واستعداد معنوى لا شك فيه.. إجمالاً، يشترك مع الغالبية فى ترديد سيمفونية الاستقرار والبيت والأولاد وحلم الأسرة والسكينة المنشود فى سنة بديهية للكون وامتداد طبيعى لسير الحياة. وعند القرار، يتردد.. ولا يتزوج.. كلهم يترددون وأبداً لا يتزوجون.. وتعانى النساء.. ويتهم جنس الرجال بأسره باللهو والهلس واللامبالاة وغياب الجدية والمسئولية فتتبدل الصور ويمسى الكائن المحب وحشاً كاسراً يذبح قلوب المحبين ويضنى النفوس ويشل قدرة العقل الواعى على التفكير.. لماذا لا يتزوجون؟؟ سؤال تطرحه النساء وينفر منه الرجال.. دراما حية تتوه بين مشاهدها امرأة حائرة ورجل متردد.. مقبل مدبر فى بادىء الأمر ومكر مفر فى نهايته.. عازفاً عن الزواج، جاعلاً من ذلك الرباط المقدس هدفاً تسعى وراءه امرأة مستميتة ومصيدة يهرب منها كل الرجال!!

والأجدى أن نتساءل، لماذا يتزوج الرجل فى محاولة لتحديد الأسباب المنطقية وراء عزفه الحالى عن الزواج.. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.. بيت صغير يضم العاشقين.. أطفال يمرحون فى الفناء الرحب.. عالم يجمعنا.. تفاصيل دقيقة تقارب بين الغرباء فتجعل من البعيد أقرب الأقربين وحياة تمتد بسنوات العمر.. بحلوها ومرها، بذكرى عذبة وأمل متجدد وكثير من الصور المتناثرة تكتمل يوماً بعد يوم. جاءت حواء من ضلع آدم وخلق فى الأصل لها.. ومن رغبة مشتركة فى التواصل، جاء البشر وولدت الإنسانية من لحظة لقاء. واليوم، ما عاد البيت سكناً يجمعنا وما عاد الأطفال حلماً مشتركاً وما عادت السكينة تخيم على القلوب بل أمسى الصراع والضياع وكثير من العنف سمة حياة يومية نتقاسمها معاً.. اختلفت جذرياً تلك الصورة المقدسة للأسرة والبيت وأجيال متتالية، تتصارع، تتلاحق وتتكاثر يوماً بعد يوم.. انطلقت سيدة المنزل خارجه فناطحت الرجال مستحوذة على قدر وافر من الفرص ومحققة طموحات مرضية يشهد لها المحيطون وانبرى خلفها أطفالها صغاراً وشباباً فى مقتبل العمر.. يفدون علي ذلك الفندق المجانى حيث يمضون الليل ليأتى النهار ومزيد من الانطلاق خارج الجدران.. فلا حديث مشترك ولا كلمات متبادلة سوى الرغبات والطلبات وكثير من الانتقادات!! فالأم حاضرة غائبة والأب مجرد دفتر شيكات!! وللحق، سعد الرجل بدوره كوزير للمالية والمسئول الأول عن تمويل الأسرة بكل الأساسيات والكماليات وقنع بالدور الثانوى كوسيلة شرعية لحياة مترفة تاركاً خلفه أعباء ومسئوليات ترهق بقدر ما تثمر ضارباً المثل لذويه فى مزايا الزواج على الطريقة الحديثة وبناء أسرة عصرية مكتملة الأركان. وسط ذلك الخضم الهائل من التضارب، تعود المرأة بجبروت مستكين لتكرر على مسامعه تلك العبارة التقليدية وضرورة الزواج.. تتساءل باستغراب ويجيب باستنكار.. وأين الزواج؟ في امرأة تطاردك ليل نهار مطالبة إياك بما لا تطيق.. وأين الزواج؟ في أبناء يهجرونك مع سنوات العمر الأولى وطلبات منزل لا تنتهى وأعباء مالية تتراكم.. والتزامات خانقة تميتك يومياً بأكثر مما تحييك!!

ولأن الرجل بطبيعته مخلوق بريء وأنانى، أقرب للسذاجة وربما الجبن رغم ادعائه قمة الصلابة والإرادة ومنتهى القوة، يهرب.. ولعجزه الدائم عن رؤية الأبعاد الحقيقية للصورة والإمساك بتلابيب الأمور، يفر إذ تشل سرعة المرأة ولهفتها وملاحقتها وإلحاحها رغبته فى التفكير الهادىء والتروى المطلوب والحسابات العقلانية الدقيقة.. يهرب منها فتطارده، يختفى عن أنظارها فتلاحقه، ويمل من فراره منها ليسقط صريعاً وفريسة صعبة أو سهلة فى نهاية الأمر!! وقديماً قالوا «المرأة الذكية لا تطارد رجلاً فالمصيدة لا تطارد فأراً» فتكنيك الوصول لقلب الهدف بعيد تماماً عن استراتيجية امرأة اليوم وخطتها للفوز فى معركتها الأبدية مع الرجل.. دلليه لتأسريه.. أريحيه لتتعبيه.. لينى أمامه لتكشرى عن أنيابك فيما بعد.. عامليه برفق لينسى قسوتك الدائمة.. أطعميه شهداً ليغفر أيام غيابك الطويلة.. أشهرى فى وجهه السيوف ودعيه يعلن المعركة.. انهزمى أمامه لتكسبي الجولة وستكسبينها لا محال فلا حياة له بدونك وإن عشت بدونه.. ولا فرار منك وإن غبت عن أنظاره.. فأنت القصة الأبدية لابد وأن تكتمل وأنت الحرف التائه فى سطر يكتبه والحلم الغائب فى أوراق حياته المبعثرة بدونك.. أنت له المنى.. كل المنى.. ولا فرار من قفصك المحبب وسجنك اللذيذ!! فقط.. قليل من الصبر وكثير من الحنكة والذكاء فى التعامل مع مخلوق عنيد وطفل مدلل وفطنة سليمة للإيقاع بالهدف.. لا تلحى فهو أكثر إلحاحاً.. لا تندفعى فاندفاعه أشد.. لا تستعجلى الأمور فالنهاية قادمة لا محال.. لا تزعجيه بمطالبك ولا تخنقيه بتقلباتك ولا تثيريه بعنادك.. فقط تروى وادخليه القفص الذهبى واجعليه يستقر بداخله.. عندها، لن يستطيع الفكاك وسيستحيل عليه الفرار!! اجعليه يطاردك.. فالرجل صياد ماهر يهوى اقتناص الفريسة الصعبة المنال.. افسحى له الطريق بحاجتك الدائمة إليه.. أشعريه بقوته باستكانتك وإن كانت ظاهرية وضعفك وإن كان غشاء رقيقاً يخفى خلفه منتهى القوة.. اعلمى عنه دوماً حقيقته التى يخفيها ونقاط ضعفه التى يهرب منها.. عامليه طفلاً صغيراً مدللاً يعشق المغامرة ويندفع وراء المجهول.. اصنعى له ذلك المجهول ودعيه يركض سعياً وراء الوهم الخادع وسراب المعركة.. اخفى عقلك قليلاً فسيحتاجه حتماً فيما بعد. أما اليوم، فدعيه يلمس رقتك ووداعتك وعذوبة صوتك وقوة مشاعرك.. فقناع الوداعة يفيد ولا يضر والحاجة دوماً أم الاختراع!! دعيه يرى فيك الأم الحانية التي يعشق والحبيبة التى يتمنى وتذكرى دوماً كيف كانت جدتك وحياة كاملة تسير فى فلكها دون أدنى عناء منها وكيف كان الجد المهيب يعود إليها دوماً طالباً المشورة والسكن والراحة.. عندها فقط، سيلهث وراءك ابن آدم خاطباً ودك.. وطالباً رضاك.. عندها فقط.. تدللى قليلاً.. لا تتعجلى الموافقة.. فالنتيجة حتمية لصالحك فلا داعى للقلق.. والأفضل أن تدعيه يقلق بدوره ويتعذب قليلاً فى انتظار جوابك النهائى.. عندها فقط، ستتبدل الغيوم بداخله لتسطع شمس منيرة، صافية.. عندها فقط، سيقبل عليك أضعافاً وسيهفو قلبه طرباً لصوتك العذب حاملاً كل الشكوي وسيتوق دوماً لتواجدك الملح بين طيات أيامه رغم كل ما يسببه له من عناء.. وعندها أيضاً، سيتلاشى السؤال وسيتزوج الرجال وستنتهى الحدوتة لتبدأ دوماً من جديد!!

إقرأ أيضاً