سؤال يطرحه الكثيرون والإجابة دوماً تائهة بين الفريقين أو قل الخصمين المتضادين.. الرجل يكيل للمرأة كل الاتهامات في حين تمطره هي بوابل من البراهين التى تفسر وتدلل وتثبت بالدليل القاطع أن «النكد» وهو ما يتضح بالفعل من طبيعته النحوية وكونه علماً مذكراً وليس هناك قطعاً خلاف علي ذلك أن أصله بالتأكيد «رجاااالى»، وعلي الرغم أنه -بحكم تكوينى وميلى الفطرى- أنتمي للفريق الحريمي، إلا أنني أحب أن أعتبر نفسى من أولئك الموضوعيات اللواتى يبحثن ويدرسن ويتمحصن قبل إصدار التصريحات.. لذا أختلف مع الكثيرات فى القاء التهم جزافاً واعتبار الرجل بشكل مطلق مصدر النكد الوحيد واعتبار النكد الحريمي -على ندرته إن وجد مجرد رد فعل طبيعى وتلقائى لتصرفات ذلك المخلوق النكدي بالفطرة ويدعي «الرجل».

وقبل التسرع فى إصدار الحكم النهائى، علينا أولاً بتحديد ماهية النكد وفنونه وسماته الرئيسية. الأصل فى النكد حالة ذهنية ونفسية وعصبية تصيب الفرد وتسيطر عليه وتصبح جزءاً لا يتجزأ  منه حتي ليكاد من طول العشرة لا يشعر بها ولا يدرك وجودها وتفرض عليه حالة من الكآبة الدائمة والتقلص الشديد بعضلات الوجه لتصبح دائمة العبوس ومطبوعاً عليها تلك «التكشيرة» المحببة التي تتلاحم وملامح الوجه ليصبحا بمرور الزمن كتلة واحدة.. قد تصاحبها أحياناً حالات من الصراخ أو العراك بسبب أو بدون، وقد تمتد فى أحيان أخرى للتنابذ بالألفاظ أو تتطور للتشابك بالأيدي، تلك الحالة تختلف بالطبع عن حالة  «التنكيد» والتي يقوم فيها المجني عليه بمحاولة التعامل مع النكد بسياسة «لكل فعل رد فعل» وهنا يأتي التنغيص والتنكيد كرد فعل طبيعى من المجني عليه فى محاولة لرد العدوان والتنفيس عن الذات والتخلص من الاضطهاد والشعور الكريه بالقهر.

ولعل من أهم سمات النكد قدرته الفائقة على تحويل الحياة لسواد دائم.. لا مجال لسعادة ولا وسيلة للفرار من اليأس والقنوط والملل بل المزيد من التوتر والاضطراب والقلق والنتيجة النهائية كآبة تخيم علي الأجواء.. يأس قاتل وقدر وافر من التعاسة والأسي يجعل من النهار ليلاً قاتماً ومن نور الشمس أسياخاً محرقة ونيراناً ملتهبة تحرق العقل والقلب والوجدان. وللنكد أنواع ودرجات متباينة، هناك «النكد الصباحي» الذي يبدأ بتكشيرة مع الساعات الأولي من الصباح الباكر، لتجعل من بداية اليوم مأساة حقيقية كأن تصحو من النوم عبوساً مكفهراً لا يفك تكشيرتك أية محاولات مهما بلغت قوتها لفرد «السحنة» وإزالة الاكفهرار، وهو مختلف بالطبع عن «النكد المسائي» الذي يدفعك لمراجعة أوراق حياتك بصورة يومية، والتحسر علي أيامك الضائعة وسنوات عمرك البالية، و لا تنسى بالطبع تذكر الماضي بصوره الجميلة علي اعتبار أن الحاضر أسود داكن والمستقبل أشد سواداً.

هناك أيضاً «النكد اليومي» ومن أعراضه التذمر الدائم من الواقع بخلاف «النكد الموسمي» الذي تختلق فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة معارك وصراعات تضطرك آسفاً للفرار الدائم من المنزل والانطلاق مع الأصدقاء بدعوي محاولة الحفاظ علي ما تبقي من حياتك الزوجية ولا سيما في المناسبات والأعياد الرسمية وأيام العطلات، أما عن درجات النكد وألوانه فعديدة ومتنوعة منها «البارد» ويظهر فى تلك المحاولة المستميتة لاستفزاز الطرف الآخر وكسب الجولات على طريقة الحرب الباردة وتحتاج لمحترفين، ومنها «الساخن» أو حرب الهواة حيث الاشتباكات الحامية المتواصلة بين كلا الطرفين بدون هدنة ويبدو الاثنان كقنبلة زمنية دائماً علي وشك الانفجار، وأحياناً كثيرة تنفجر بالفعل وطبعاً ليس الهدف من استعراض أنواع النكد وألوانه التوصل لحل نهائي في مسألة التصنيف، لكن الهدف سرد الحقائق بدون زيف أو أقنعة ومحاولة الوصول للحقيقة من أقصر الطرق.

ولأننى امرأة فطبيعى أن أقف فى صف بنات حواء والسؤال لكم يا معشر الرجال.. تكيلون لنا الاتهامات جزافاً.. تشيرون إلينا بأصابع الاتهام.. وتنسون أنكم أصحاب القضية.. نعم «ننكد» ونمعن في «التنكيد» لكنه رد فعل طبيعي للنكد الذي نعيشه معكم ونتجرعه بمرارة يوماً بعد يوم، فماذا تنتظر -زوجى العزيز- بعد صباح ملبد بالغيوم ومساء مفعم بالعراك والشجار وسلسلة من الاشتباكات اللانهائية وهجران دائم للمنزل، وشكوي وتذمر بلا نهاية.. تقلبات غير محسوبة.. انفعالات مرضية.. وكثير من العنف، وأزمات منتصف العمر تتكرر معك كل يوم.. ماذا تنتظر؟ ابتسامة ساحرة مع عودتك يومياً مع خيوط الفجر الأولي أم قبلة حانية مع صوت صراخك يعلو بدون توقف!! ولو قبعت يوماً من باب التعب وليس الالتزام فى المنزل لحولته لجحيم بشكواك الدائمة وتذمرك المستمر وانتقاداتك اللاذعة.

لا داعي للتصنيف ولا داعي للتنكيل ولا داعي للبحث بين المفردات لإيجاد الأسباب المنطقية للفرار خارج المنزل. وللعلم.. اعتبروا النكد «حريمي» كما تريدون، اعتبروه صناعة نسائىة مائة بالمائة، فأنت عزيزي الرجل تجيد اختلاق الأكاذيب وتصديقها.. تجيد إحكام القصة وروايتها وتجيد قلب الحقائق ونسج الافتراءات الكاذبة.. لا داعى للتعب، فأنت أصل المشكلة والجانى والمجنى عليه.. نعم.. ننكد ونمعن فى التنكيد.. لكن، هل حاولت الالتزام قليلاً وتغيير ذلك الروتين اليومى الخانق وتلك العادات السلبية ولم تجد استجابة؟ قف مع نفسك دقيقة..  خذ نفساً عميقاً.. كن صادقاً.. وحاول -ولمرة واحدة- التحلى بالنزاهة والأمانة.. وجاوب عن هذا السؤال الصعب.

إقرأ أيضاً