نميلً لأحكام القلب.. ونخطئ.. ونحتكم للعقل كثيراً.. نصيب حيناً وقد لا نصيب.. وسؤال حائر.. وعلامات استفهام كثيرة تتعالي.. تتهاوي أمام الأعين الحائرة والقلوب التائهة والعقول البائسة والباحثة أبداً عن مفر.. ولا مفر.. أحكام القلب وميوله أم حسابات العقل وهيمنته.. علام نرتكز؟؟ وكيف نقرر؟؟ ومن الأصوب على الوصول بالحائر الي قرار.. وأين الصواب؟؟شفافية المشاعر والأحاسيس أم قوة ورجاحة العقل وصلابته وشدة عناده في الوصول للهدف.. حجة القلب.. دقاته وانفعالاته وميوله العاطفية الفياضة.. وبأس العقل في منطقه وحساباته وكلاهما قد يخطئ.. وكلاهما أيضاً ليس دوماً مصيب.
وللحق، فالاعتماد علي القلب وحده في تقدير الأمور خطأ فادح، لكأنك تشطر الصورة نصفين بحيث تري فقط الصورة وأحداثها كما تود أن تراها لا كما هي بالفعل.. لكأنك ترسم الأفعال ومردودها بالشكل الذي ترغب فيه لا كما يجب -حقاً- أن تكون.. وتنسج فصول القصة كما تود أن تصل بها للنهاية التى تتوق إليها وليست تلك الخاتمة التى فيها الصالح والأفضل وربما المنطقى. وليس العكس بالأفضل حالاً فالعقل أيضاً بحساباته المجردة ومشاعره الجوفاء وانفعالاته العقلانية البحتة قد يخطئ بتجاهله شطراً آخر من القصة وجزءاً ثانياً من الحكاية إذ يرسم اللوحة بلا روح متجاهلاً ذلك العنصر الإنساني والبعد الآدمي ومسقطاً إياهما أو كليهما من الحسبان، فتمسي الصورة باهتة والحسابات غير مكتملة والنتيجة النهائية غير مضمونة والمغامرة غير محسوبة بالفعل، إذ لم تكن أبداً من قبل.
والحل.. قد نعرفه جميعاً ولا نحبذه كفكرة أو قد نستصعب تطبيقه فى كثير من الأحوال.. ندرك فائدته وأهميته وجدواه ولا نطبقه بأية صورة من الصور.. وكما القول يفوق الفعل سهولة ويسراً، فالحلم بالشيء أعذب بكثير من العمل علي تحقيقه.. والمعاناة التي يجدها الفرد في تطبيق أفضل النظريات وأقصرها للوصول للهدف هي ما يجعل الأمر أشد تعقيداً وصعوبة. تخيل نفسك في حالة عطش شديد بعد يوم طويل مضنى.. أمامك الموز واللبن والخلاط.. تعلم أن المزج بينهما ينتج عنه عصيراً شهياً يروي عطشك ويضيف إليك -فى الوقت ذاته- كثير من الفوائد الصحية والقيمة الغذائية العالية.. والثمن لتحقيقه، قليل من الصبر حتى يمتزج العصير ويصبح جاهزاً شهياً.. تتصارع بداخلك المتناقضات.. من جهة، اندفاع شديد وراء سد الحاجة الوقتى.. وعلى الصعيد الآخر، تفكير متروى بعيد المدى.. تتعارك بداخلك المعطيات لتنتصر الرؤية السهلة السريعة وتتفوق رغبتك الشديدة في سد حاجتك بأسرع وأقل التكاليف الأمر الذى يجعلك تحتسي اللبن سريعاً وقد تأكل الموز فيما بعد أو قد تشبع ملياً فلا تأكله.. خسرت إذن نصف الفائدة أو حرمت نفسك من متعة تذوق ميكس لطيف ومنعش ومغذي أيضاً.. والسبب.. العجلة والكسل والتخاذل عن انتظار دقيقة أو دقيقتين حتي ينتهي الخلاط من مزج العصير وخلط السكر بالموز واللبن.
أرانى تفلسفت قليلاً أو ربما أكثر مما يجب.. موز ولبن وخلاط.. ما شأن ذلك بقرارات مصيرية وحياة.. ما دخل ذلك الخليط بتغيير العمل أو اختيار الزوجة وربما قرار الهجرة وغيرها من تلك القرارات المصيرية التى تغير مجرى الأحداث وتعيد تشكيل فصول الزمن وترتيب أوراقه وصفحاته المتناثرة.. معذرة وصبراً.. فحال الموز واللبن هو حالنا جميعاً.. نستعجل النتائج فلا نتروي.. نندفع وراء العقل حيناً.. والقلب في كثير من الأحيان.. فنتخبط ونتقلب ونبدو كريشة هشة في مهب الريح.. تتلقفها.. تتقاذفها.. تحملها يميناً لتلقي بها يساراً.. تحمل لها الأمل حيناً وفى جعبته كل الشقاء.. تارة تفك لنا الشفرة السحرية وسر السعادة الأبدى.. وفى أحيان أخرى كثيراً من اليأس والثورة والعناء.. الاندفاع سهل والأسهل منه التمادي فيه.. والتروي باهظ الثمن.. والتعقل غال لا يؤتي ثمنه إلا الصابرون.. ومن يصبر.. والحالمون.. ومن يكظم غيظه ويمزج ما بين عقله بحساباته المجردة وقلبه بمشاعره الشفافة الصادقة فيصنع في النهاية لوحة مكتملة لهدف بعيد واستراتيجية سليمة للوصول إليه.. وقد تصل.. وقد لا تصل.. لا يهم.. فالأصل فيه قدر ونصيب ومكتوب.. والقدر نافذة أحكامه شئنا أم أبينا.. رضخنا أم تمردنا.. تسوقنا عقولنا حين تعجز مشاعرنا عن الوصول للهدف.. ونختار -بكامل إرادتنا- قلوبنا بأهوائها المتشعبة لنلعب علي أوتار المشاعر والأحاسيس.. ودوماً نخطئ وأبداً لا نصيب!!
لا أدعي خبرة عريضة في الحياة، ولا رأيت من فصولها إلا النذر القليل.. لكن ما أجمل أن يستعيد الإنسان شريط حياته مهما قصر فيستلهم من صفحات الماضي فصول الغد.. ويستوحي من لحن مضي ألحاناً أخري كثيرة قادمة لا محال.. فالعبرة تكمن دوماً في ذلك الدرس المستفاد وأبداً لا نتعلمه.. ودوماً نعيد الكرة وتسقط الدورس السالفة من ذاكرة ترفض الاحتفاظ بها، إذ هى لم تستقر بها أبداً من قبل.. ننسي.. أو نتناسى.. فالأصل فى الحاضر ذكرى الأمس قريباً أو بعيداً.. والأصل فى الذكرى طيفاً يعبر الخيال ولحناً خافتاً تتذكره القلوب وتنساه العقول.. ولأن الإنسان من النسيان، ننسى.. ولأن القلب من التقلب، نتقلب.. وكلاهما وجهان لعملة واحدة.. ويبرز لنا العقل بسطوته وجبروته.. سلاحاً ذو حدين نسنه فقط عند الحاجة.. والمشاعر أنشودة نعزفها كما نحب، لا كما تقضي النوتة الموسيقية الخاصة بها.. فنعيش الأيام لحناً متنافراً، متهلهلاً. ممزقاً.. قد نستعذبه حيناً.. ودوماً ننفر منه فور فشلنا فى تحقيق ما نريد.. نعقد كل الآمال فى اكتمال الصورة التى نود.. وننسى القدر وما قد يحمله لنا من صور أجمل وأبهى وأكثر اشراقاً وربما أوفر خيراً وسعادة وهناء.. وماذا نريد.. سؤال بلا اجابة.. نتحدى فيه إرادتنا وأهوائنا.. تتغير أهدافنا مع تبدل فصول العام وألوانه.. وننسي.. تتبدل بداخلنا المعاني وتتناقض.. ما يشقينا اليوم، يسعدنا غداً.. والعكس صحيح.. وما يحمل لنا بين طياته الحياة، يمسى سماً قاتلاً وغمامة سوداء قاتمة مع اختلاف الأهداف.. خلقنا لنشقى بأنفسنا.. نفرح لنهتم.. ونبكى لنضحك دوماً فى نهاية الأمر.. ولماذا لا نبدأ اليوم.. الآن.. في تلك اللحظة بعينها.. لماذا لا نقرر مزج الخليط.. وإحكام تعاليم العقل والقلب معاً لاستخدامها سوياً في تحقيق الهدف.. نقرأ فصول الماضي لنستلهم منها وحياً، درساً.. ربما عبرة وربما حياة جديدة أو قل حياة تتجدد كل يوم.. وتبقى الحقيقة راسخة أبدية.. الماضي لا يعود.. أو قد يعود.. إنه القدر وحده يرسم الفصول ويكتب السطور ويحدد البدايات والخواتيم.. ولربما ما كتبته في كتاب الأمس يكون بداية لصفحة الغد.