من كم السفر وكثرة الترحال وسرعة الإنطلاق نحو آفاق بعيدة.. كثير من المرح.. كثير من الألم وسعى دائم خلف مجهول ىشدك لمزيد من الركض والإنطلاق وصوت يناديك أينما ذهبت. وعند نقطة ما، قد تأتى سريعة، أو يأخذك الزمن سنوات وسنوات.

نجيد وضع الخطة عند المعركة.. نحدد الهدف بدقة.. نركز علي البدائل.. نستثمر الوقت والجهد والزمن في البحث والتنقيب في كافة التفاصيل -صغيرها وكبيرها- ومراجعة أجزاء الصورة متصلة ومنفصلة.. تلهمنا الحرب أهدافاً وراء أهداف ولا تتوه الاستراتيجية الموضوعة سلفاً والخطة المحكمة.. ونعجز وقت السلم عما نبرع فيه حين يأتى وقت المعركة.. يتوه منا الهدف أحياناً ويغيب عن أذهاننا المتوهجة الفكر الاستراتيجي والتخطيط الدقيق.. والنتيجة مزيد من التخبط وكثير من الدوران والنهاية إلي اللاشيء.. ومزيد من علامات الاستفهام.. أو الاستعجاب.. أو قل مزيداً من اللاشيء!!

 

يحدث كثيراً أن تقرر اتخاذ موقف.. ثم تجد نفسك أمام الاختيار الصعب.. المعادلة المستحيلة.. إرضاء نفسك.. إشباع غرورك وكبريائك.. أم إرضاء قلبك ومشاعرك والرضوخ لصوت النفس الخافت، الصارخ فى صمت فى مواجهة أحكام العقل وحساباته.. يختلف العقل مع القلب حيناً.. بل قل فى معظم الأحيان.. وتجد نفسك دوماً أمام ذلك الاختيار الصعب ما بين عقلانية الحسابات وروحانية المشاعر..

 

الآن أتذكر جدتي وقصصها الطويلة عن الحياة ودروسها وتراكم التجارب وتكرار الصور التي ترسم حصيلة ما نحمله بداخلنا من دروس مستفادة وأحداث توجه لأحداث أخرى وضرورة الانغماس في الشىء لاستيعاب الدروس المستفادة منه والخلاصة التي علينا حملها مع مشوار قد يقصر أو يطول. كانت -رحمها الله- مخزناً متنقلاً للنصائح والحكم والإرشادات.

من كم السفر وكثرة الترحال وسرعة الإنطلاق نحو آفاق بعيدة.. كثير من المرح.. كثير من الألم وسعى دائم خلف مجهول ىشدك لمزيد من الركض والإنطلاق وصوت يناديك أينما ذهبت. وعند نقطة ما، قد تأتى سريعة، أو يأخذك الزمن سنوات وسنوات، تبدو علامة صغيرة.. بصيص وميض خافت.. حادث يستوقفك.. علم من أعلام الطريق.. عرض طارئ أو حدث عابر.. فعل قدر مفاجىء أو تخطيط مسبق.. جميلاً.. قبيحاً.. لا يهم.. ثرياً أم فقيراً.. لا يفيد.. فالأصل كونك لم تره أبداً من قبل، سرعة الركض حالت دون استمتاعك بتفاصيل الرحلة من حولك وشدة الضجىج علت على أصوات العصافير تغرد وألوان الورود تتفتح وطىف الربيع يزهو مرحاً على الأبواب.. حقاً ما أحلى الحياة ومتى أدركناها؟ وما أبهى تفاصيلها ومتى فهمنا مغزاها؟ وما أعذب السعادة  ومتى تذوقناها؟ وما أبهى البدايات، ومتى تذكرناها!!

 

معذرة كوكب الشرق.. الرائعة أم كلثوم.. كلماتك أفضل ما نقتبس وأثمن ما نحمل.. حدوتة بسيطة.. مفتاحها الصبر عليها.. ومتي صبرنا.. ومتي سكن بداخلنا صوت القلق والحيرة والدهشة والخوف من الغد.. اذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.. رددوها علي مسامعنا حتي اعتنقناها وآمنا بها.. أصبحت اليوم من حكم الزمن وأشهر أقواله المأثورة وأقاويله الدارجة.. نسير عليها ونطبقها في شتي أمور الحياة ومختلف وجوهها.. في العمل، اطلب من رئيسك ما يقوي عليه ووجه مرءوسك لما تحققه امكاناته وقدراته المنطقية.. لا تلعب في دائرة المستحيل.. في المنزل، لا تسعي للكمال المطلق فالكمال لله وحده والمثالية لخالقها.. وما يقوي ابن آدم علي ما جبل للخالق وحده.. في الحب، لا تحير الحبيب.. لا تعجزه أما نفسه والعالم من حوله.. رفقاً به من شروط قاسية ومطالب مستحيلة.. فالحب في الاصل قرار وبمطلق الحرية اختيار.. صعب القرار والأصعب منه عدمه.. وعدم اتخاذ الخطوة والاقبال علبه.. قرار صعب.. والوقوع فيه قرار أصعب.. والبعد عنه نيران تكوي والحياه به صعبة وبدونه أشبه بالمحال.

 

دقت الأجراس وأضيئت القاعة وأسدل الستار لينبئ بنهاية العرض ويتعالي هتاف جمهور اندمج وانفعل مع حبكة درامية فبكي وغضب وثار لتنبئ مشاعره المتضاربة بنجاح القصة وروعة المشاهد وعبقرية الأداء.. وانسحبت بطلة الرواية وسط هتاف المشاهدين بابتسامة ساحرة علي شفتيها وغصة مريرة في قلبها لتعود أدراجها لغرفتها الصغيرة بالمسرح الكبير تتلقي باقات الورود ورسائل الإعجاب وتهاني المعجبين وتخرج وحيدة من ألم الذكري ومرارة قصة جسدتها علي المسرح وعاشتها فصلاً كاملاً متكاملاً في كتاب الحياة!!

 

نقع جميعاً في الحب.. بارادتنا ورغماً عنا.. تجتاحنا تلك المشاعر الفياضة والأحساسيس المتدفقة.. نقع في الحب.. نحب.. نغرق في الحب.. نتفاني في الحبيب.. نخلص.. نعشق.. نهوي.. وأبداً نحب.. تملؤ عيوننا الفرحة في قرب الحبيب ويغشانا الصقيع في البعد عنه.. ونحب.. ومزيد من الحب.. وكثير من الحب.. وعند نقطة ما، تتفاوت في قربها وبعدها.. تنتهي القصة ويموت الحب ويسقط صريعاً تذروه الرياح.. ونفيق علي الأسي والألم والقسوة ولوعة الفراق وجليد يغلف أيامنا لا تذيب برودته حرارة الدمع المنساب في حرقة ومرارة من القلوب الممزقة والعيون الغائرة.. وتمر بنا جميعاً أيام طوال وساعات بطيئة.. ومع دقات كل منتصف ليل، تبدأ أيام جديدة.. تحمل فى بدايتها المرارة والحنق واليأس وتنتهي بنا دوماً الي النسيان.. يلتئم الجرح ويندمل ونلملم شتات النفس الهائمة وجروح القلب المكلوم.. ننسي.. ننطلق ونعدو من جديد لنسقط أبداً في الحب!!