نقع جميعاً في الحب.. بارادتنا ورغماً عنا.. تجتاحنا تلك المشاعر الفياضة والأحساسيس المتدفقة.. نقع في الحب.. نحب.. نغرق في الحب.. نتفاني في الحبيب.. نخلص.. نعشق.. نهوي.. وأبداً نحب.. تملؤ عيوننا الفرحة في قرب الحبيب ويغشانا الصقيع في البعد عنه.. ونحب.. ومزيد من الحب.. وكثير من الحب.. وعند نقطة ما، تتفاوت في قربها وبعدها.. تنتهي القصة ويموت الحب ويسقط صريعاً تذروه الرياح.. ونفيق علي الأسي والألم والقسوة ولوعة الفراق وجليد يغلف أيامنا لا تذيب برودته حرارة الدمع المنساب في حرقة ومرارة من القلوب الممزقة والعيون الغائرة.. وتمر بنا جميعاً أيام طوال وساعات بطيئة.. ومع دقات كل منتصف ليل، تبدأ أيام جديدة.. تحمل فى بدايتها المرارة والحنق واليأس وتنتهي بنا دوماً الي النسيان.. يلتئم الجرح ويندمل ونلملم شتات النفس الهائمة وجروح القلب المكلوم.. ننسي.. ننطلق ونعدو من جديد لنسقط أبداً في الحب!!
قصة مكررة يحياها الرجال وتعيشها كل النساء.. فصولها واحدة علي اختلاف الأبطال وأحداثها مكررة علي تباين المشاهد والصور وجميعها في الأغلب تختلف في البدايات وتتشابه عند النهاية.. ولا تقف عند الخاتمة بل تبدأ السطر دوماً من جديد.. لا نتساءل ولا نبحث ولا نحلل.. بل نعيش!! تبدأ القصة فتنتهي لتبدأ من جديد لتكتب نهايتها بداية مجددة وحلقة فارغة لا تكتمل وعجلة لا تف عن الدوران.. لا تكل ولا تمل ولا تهدأ ثوراتها المتتالية ولا تخمد أفراحها المنشودة.. لا نكل من نهاياتها الواحدة تلو الأخري وسؤال دائم.. لماذا نفترق؟؟ وكان الأجدي بنا أن نتساءل لماذا اللقاء قبل الفراق؟؟ فالفراق نتيجة واللقاء قدر.. النهاية مكتوب والبداية نصيب والقدر حكمه نافذ ولا هروب من سطوته وأحكامه مهماً قست ولانت وعندت وثارت!!
ولأننا بشر، ننسي وفي النسيان نعمة.. نتجاهل وفي التجاهل سلوي.. نحب وفي الحب كل الحياة!! وننسي الحدوتة التقليدية التي تتكرر مشاهدها أمام أعيننا كل يوم.. ومن جديد، ننطلق لمشاعرنا العنان.. ومن جديد.. نحب.. ومع بداية الحب، ننسي أننا كائنان قادمان من أراض بعيدة وسمارات متفاوتة.. نبحث عن تشابه يجمعنا.. هوايات واحدة.. أفكار متقاربة.. هدف مشترك وننسي أن الاختلاف أساس التقارب والتفاوت أساس الرغبة في الدنو ومزيد من التواصل.. ننسي أن الكون فصوله الأربع متباينة.. واليوم لا يمضي علي وتيرة واحدة ودقات الساعة تتباين فيما بينها.. فكيف اذن بابن آدم مع اختلاف الثقافات وتباين الحضارات وتضارب الخبرات وحصيلة عبر الحياة ودروسها المستفادة؟؟
يلتقي آدم وحواء فيقعا في الحب.. تأخذهما المشاعر والأحاسيس التي طالما راودتهما وهفا القلب اليها.. وتباعد بينهما أحكام العقل وحساباته وتفاصيل أيام تجمعهما.. تحب الهدوء وأعشق الصخب.. تقدس النظام وأري في فوضتي سحراً خاصاً.. تمضي ساعات فراغك في الرياضة والسباحة والعدو وأعشق قهوتي والموسيقي والضوء الخافت وكتاب أطالعه وتوهة محببة بين الطرقات.. ليلك سكن وليلي انطلاق.. نهارك ملل ونهاري يوم جديد.. اختلاف جذري بيننا في تفاصيل حياة عاش فصولها كلاً منا بعيداً عن الآخر.. أبحث فيك عن كل الرجال وتري في نساء الكون مجتمعين.. أريدك بكل المتناقضات وتطاردك أوهام الكمال المكتمل بوجهي الهاديء حيناً، الثائر في كثير من الأحيان.. ولو أدركنا نعمة الاختلاف!! ولو اتسعت عقولنا القاصرة عن استيعاب الهدف من لقاء الغرباء وشطر الرحي!!
نعم.. نختلف.. ككل ما حولنا.. وفي اختلافنا مزيد من التلاحم والتقارب والتلاقي.. نعم.. تتباين تفاصيل أيامنا وفي تباينها تكامل وتلاحم أبدي لمن يهوي ورباط مقدس لمن يحب.. يقوي الاختلاف من أواصر علاقة تنمو بيننا يوماً بعد يوم فاختلافنا حياة تخط خطوطها أقدار ألفت القلوب المتباعدة ولملمت شتات النفوس الشاردة.. ولو خبر آدم ولو أدركت حواء ولو التقا شقي الرحي علي المكتوب، لهدأت الأفئدة وراقت الألباب وسعد الغرباء بلقاء عابر الأصل فيه اختلاف وليس تشابه والأساس في العلاقة تلك الرغبة الدفينة في استمرارها والعمل علي اكتمالها وليس استمرارها بقوة الدفع الذاتي والانطلاق التلقائي والمغزي في الاختيار.. في لحظة اتخاذ القرار.. ولا فرار.. بمفردك بما تهوي النفس وكثير من القنوط والملل أو بالتضحية بما قد تحب للقاء من تحب.. ولأن لكل شيء ثمن، يهون الثمن ويغلي بقيمة ما تقدم وقيمة ما تحصل عليه.. نشتري الهواء ونقول تكييف.. نشتري الماء في زجاجة معدنية.. حتي أبسط الأشياء الصغيرة والعالم من حولنا له ثمن وفقط البالي الزائف يقدم مجاناً علي قارعة الطريق.. ونريد النتيجة بلا ثمن.. ونطلب الكل بدون أدني استعداد للتضحية بالجزء وان كان زهيداً وبسيطاً ومتواضعاً!! وشبح الفراق يلوح في الأفق ويدق الأبواب المغاقة.. الرجل كائن بطبيعته عقلاني مهماً بلغت مشاعره.. والمرأة علي فطرتها الأولي ومشاعرها التلقائية وعاطفيتها المفرطة مهماً بدت قوتها وصلابتها ونظرتها العملية لأمور الحياة ومعالجتها لها وكلاهما في رحلة بحث دائمة عن الكمال المطلق والشريك التفصيل والظروف الملائمة وصفقة العمر بلا ثمن!! ويضل الطريق ويخطيء الشريك ويأتي الفارق نهاية حتمية لعلاقة باهتة نرها كالحة في نهايتها اذ لم نلحظ بريقها ورونقها أبداً من قبل!!
ينبش الرجل في الشريك عن روح الأم وقلب الحبيبة وعقل الشريكة وأنفاس المحبة ووله العشيقة وطاعة الابنة ومشاركة الصديقة وبراءة الطفلة ونضوج البالغة وجمال الملاك الحالم وبأس القوية العتيدة الصلبة.. يريد أي شيء وكل شيء.. ثائرة حين يهدأ.. صامتة حين يثور.. عاقلة متي اجتاحه الجنون.. وصاخبة حين يهفو للضوضاء.. محبة عند الحاجة ورفيقة دوماً تحت الطلب ومتلونة في كل الأحوال.. خدمة ممتازة علي مدار اليوم وقائمة لا تنتهي من كل المتناقضات!! يريدها الناجحة الشهيرة يشار اليها بالبنان.. صاحبة الشخصية المستقلة القادرة علي إدارة أمور الحياة لتدع له مزيد من الفرص للتراخي والانطلاق.. يريدها العاقلة الرشيدة الحكيمة صاحبة النظريات التي ترضي عقله وغروره وتهدأ من روعه وتردده ويبحث عنها خانعة.. خاضعة.. ضعيفة.. مستكينة.. هادئة.. قطة وديعة وملاك حارس وفتاة العشرين علي مشارف الأربعين.. ينسي أو يتناسي سنوات العمر الطويلة ودروسها وخبراتها وعبرها وتشكيلها للشخصية علي نحو مختلف وصورة متجددة.. يتفلسف ويفلسف لنفسه قبل الآخرين ويشكل مطالبه المستحيلة بكونها الحد الأدني المتاح والمقبول والطبيعي في كل الأحوال.. يرسم فقط الصورة التي يود رؤيتها وتسقط المرأة صريعة تذبذبه وتشتته وتقلباته وانحرافاته فنتتهي قصة وتبدأ قصة وأبداً عجلة تدور بلا حركة واحدة للأمام بل نقطة غائرة تتكرر كل يوم.
وبدورها، لا تقل عنه المرأة اضطراباً.. تبحث فيه عن الأب بحنكة سنوات العمر الطويلة والأخ بحنان رباني والصديق بوفاء ذكريات طويلة جمعتهما معاً.. تريد فيه الحبيب المدله والزوج المحب والعاشق المدلل والصديق الوفي والمستمع الجيد تحت الطلب.. كريماً عند الحاجة.. آمراً ناهياً وعطوفاً حنوناً.. شقياً وقوياً.. ساعات يومه انطلاق في سجنها العذب ومتعبداً جيداً في محرابها المحكم اغلاقه عليه من كل الاتجاهات.. تريده ضعيفاً في مشاعره، قوياً في شكيمته وتطالبه باحتواءها في كل الأحوال.. سعيداً كان أم شقياً.. متفرغاً كان أو مكبل بأعباء مطالبها التي لا تنتهي.. تخلق له سجناً محبباً وتطلب منه التحليق بحرية بين الجدران!! تبحث بجدية عن سي السيد طبعة الألفية الجديدة.. وأين سي السيد وأين الرجل المعجزة في زمن اللامعجزات!! أين الشرقي المتفتح في تزمت والغيور في عقلانية والعقلاني بحنكة وتروي.
ويدور الطرفان في رحلة بحث لا تنتهي وينسي كلاهما معاً أن الصورة أبداً لا تكتمل واللحن يظل ناقصاً والسيمفونية ما بلغت أوج التألق والعبقرية متي كتب لها الكمال!! وتبقي دوماً النهايات المفتوحة مصدر الوحي والالهام.. يفترق الرفيقان بعد لقاء ويمضي كلا منهما في سبيله منطلقاً علي دربه وحيداً يعاود البحث من جديد وقصة جديدة علي الأبواب. ومع بداية الاختلاف، تأتي النهاية من جديد وأبداً بداية لا تكتمل وقصة لا تتم. وفقط، عند النهاية، نذكر الماضي بفصوله البعيدة وحوادثه المتداخلة مع واقع نعيشه.. نبكي أو نضحك.. لا يهم.. ندهش أو نأسف.. لا يهم.. فالقصة ولت بأحداثها وأبطالها وفصولها ومشاهدها وحبكتها الدرامية التي لم ندركهها في حينها.. نعاود اللهث وأبداً نركض ودوماً لا نصل ولا نهدأ ولا نبدأ بل هي نقطة بداية دائمة ونهاية بعيدة لا يصل اليها أطراف اكتفوا من البناء بوضع حجر الأساس!!
في اختلافنا رباط قوي يشد كلانا الي الآخر.. في تباين تفاصيل أيامنا أرضاً مشتركة جديدة تنمو وتزدهر وفي تشابهنا المطلق مللاً حاداً وقنوطاً يجعل للأيام رتابة وسأماً قاتلاً.. ولأننا لا ننظر للخلف، فلنمضي قدماً بعبء الماضي لاكتمال البناء فأبداً لن تكتمل الصورة ولن يتم اللحن.. ولو تم، لنضب الإلهام وجفت كل المعاني بداخله. وأبداً، سيبقي ذلك الصراع الأبدي بين كائن هو آدم وحواء هي كل النساء!! ورحلة بحث دائمة لكمال هو في الأساس وهم خادع وسراب قاتل يقبع في هدوء –فقط- في ذهن مريديه. أحبني كما أنا لا كما تتمني أن أكون أو ابتعد عني من الأساس إن لم أرق لك عند البداية.. تقبل عيوبي فأمامها ميزات وعبرات وحكم ولأحبك أنا أيضاً وأقبلك كما أنت لا كما تمليه صورة في خيالي وحلم في قلبي.. تهبنا الحياة دوماً فرصة الاختيار وأبداً لا يأتي الاختيار دون عناء اذ لا يأتي أبداً علي هوي مريديه بل بالكاد يهبنا نصف ما نأمل.. تقبل نصفي الملائم لك وشكل نصفي الآخر علي شاكلتك فبداخلي رغبة دفينة في اسعادك والوصول اليك.. تنازل معي لأتنازل معك فالأصل في اجتماعنا تضحية يقدمها كلاً منا للآخر.. احملني معك بدلاً من إلقائي علي قارعة الطريق ولأحملك بداخلي نوراً وأملاً وبريقاً. ومتي التقينا، فلنبدأ.. لننمي تلك الأرض الصلبة لتنمو عليها علاقة وطيدة عوضاً عن المزيد من حجر أساس في بناء لا يكتمل فيمضي العمر ولا نمضي وتسير الأيام فتحملنا معها.. فلا بدأنا ولا انتهينا.. ولا سعدنا ولا شقينا.. بل حملنا العمر وما حملنا بداخلنا سوي حفنة من صور ممزقة وذكريات بالية وسلسلة فاشلة من تجارب متكررة.. وصقيع يعم أرجاء المكان. خذني معك كما أنا ولا تبدل ملامحي التي تراك كما أنت ولا أعبث بكينونتك التي هي في الأصل سبب انجذابي إليك وتعلقي بك.. تقبلني مظومة متكاملة ولا تحاول العبث بها بل خذ منها ما يروق لك ودع جانباً ما لا تطيق.
عندها فقط، سنتلاقي.. سنتفاهم.. سيتلاشي كلانا في الآخر.. ونحب.. ونغرق في الحب.. ويصبح سلاحنا عند الحاجة وزادنا علي قارعة الطريق.. وسنختلف دوماً ليعود كلانا للآخر أكثر اشراقاً وبهاءاً وقوة.. عندها فقط، سنننطلق علي درب الحياة ويصبح الصفر أرقاماً مسلسلة وسنركض سوياً.. نتلاقي لنفترق.. نتشابه لنختلف.. نثور لنهدأ وأبداً سوياً وأبداً معاً ودوماً علي لقاء.. جميل أن نحب أو نقع جميعاً في الحب والأجمل أن ينمو الحب.. طاقة نور تضيء لنا عتمة الطريق الطويل.. جميل أن ندرك بداخلنا القدرة علي الحب والقوة لمواجهة الحب والأجمل في كل الأحوال أن نعيش الحب.