معذرة كوكب الشرق.. الرائعة أم كلثوم.. كلماتك أفضل ما نقتبس وأثمن ما نحمل.. حدوتة بسيطة.. مفتاحها الصبر عليها.. ومتي صبرنا.. ومتي سكن بداخلنا صوت القلق والحيرة والدهشة والخوف من الغد.. اذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.. رددوها علي مسامعنا حتي اعتنقناها وآمنا بها.. أصبحت اليوم من حكم الزمن وأشهر أقواله المأثورة وأقاويله الدارجة.. نسير عليها ونطبقها في شتي أمور الحياة ومختلف وجوهها.. في العمل، اطلب من رئيسك ما يقوي عليه ووجه مرءوسك لما تحققه امكاناته وقدراته المنطقية.. لا تلعب في دائرة المستحيل.. في المنزل، لا تسعي للكمال المطلق فالكمال لله وحده والمثالية لخالقها.. وما يقوي ابن آدم علي ما جبل للخالق وحده.. في الحب، لا تحير الحبيب.. لا تعجزه أما نفسه والعالم من حوله.. رفقاً به من شروط قاسية ومطالب مستحيلة.. فالحب في الاصل قرار وبمطلق الحرية اختيار.. صعب القرار والأصعب منه عدمه.. وعدم اتخاذ الخطوة والاقبال علبه.. قرار صعب.. والوقوع فيه قرار أصعب.. والبعد عنه نيران تكوي والحياه به صعبة وبدونه أشبه بالمحال.

ذلك الشعور الغامض الذي يعترينا.. يداعب طيفه مخيلتنا صغاراً ونرشف من رحيق عسله شباباً لنتجرعه مرارة وأسي وحسرة عند رحيل العمر.. ذلك المارد الضغير الكامن في صمت بداخلنا.. يتحرك بين الضلوع في سكون وهدوء وصبر واحياناً تذمر وكثير من الريبة.. ينتطر الفرصة لتسنح له بالمثول علي الملأ والإعلان عن نفسه وكينونته ووجوده وحقه الشرعي في الإنطلاق والمرح والسعادة والحياة.. تلك المشاعر الحبيسة خلف الجدران ما أن تطفو علي السطح حتي تطفو معها مجموعة من الصور والقصص والموضوعات المتداخلة والمتشابكة والمتناقضة في كثير من الأحيان.. ومزيد من الجهد لإرضاء ذلك المخلوق الذي جعله وثاق القلب أقرب الأقربين.. مزيد من التواصل مع روح كانت هائمة، تائهة.. فالتحمت لتشكل وشطرها الثاني كائناً جديداً.. نبض قلبه كيان واحد منشطر في جسدين.. ويرفعنا الحب أعلي القمم وتهوي بنا المشاعر وتهزمنا أحاسيس عشقناها، حلمنا بها، تطلعنا اليها فبادلتنا بالرفض حيناً وبالإيجاب حيناً وبالتردد والحيرة في كثير من الأحيان.. شعور غائر بهزيمة نكراء.. أمام النفس قبل الغير.. وكثير من الالتزامات .. وتنازلات تشتد وطأتها وحدتها يوماً بعد يوم.. تنازلات وتضحيات تشقينا يقدر ما تسعدنا.. تبكينا بقدر ما تضحكنا.. نبكي ونفرح.. نشقي ونسعد.. ونضحي ومزيد من البذل لذلك المجهول البعيد عن العين، القريب من القلب، الساكن في الروح والوجدان.. ونتنازل.. فتكيل لنا تضحيات – تبدو لنا في حينها غاية المني- وابلاً من السهام الجارحة.. ونعشق.. ونحب.. ونتفاني في الحب.. وسؤال شارد يتردد في صخرة جوفاء تشق صمت النفوس الحائرة.. الآ من مزيد!! ومزيد من التضحيات والتنازلات ليمضي العمر ويبقي السؤال الحائر.. أصواب أم خطأ؟؟ أكان صواباً بذل كل الجهد وكل العمر أم كان خطأ أن ندع العمر يمضي بلا ثمن واضح لتنازلات جمة وبضاعة مباعة بلا ثمن؟؟ أكانت التضحية واجبة أم فرضاً وشرطاً وقيداً وصراع؟؟

وللحق، منذ الأزل، عهدنا ذلك المخلوق -ويدعي الإنسان- يضحي بما يطيق لما لا يطيق.. يتنازل عما يحب لما قد يحب وما قد تهوي النفس اليه.. يتخلي عن اليوم لغد أكثر اشراقاً..وحياة رحبة تتسع.. ومستقبل يفتح ذراعيه والأصل ليس في التنازل وقيمته المجردة وليس في التضحية وحجمها – اذ هي واردة من الأساس- بل في الهدف منها ومدي الاقتناع بفحواها وجدواها من العدم.. الاقتناع بالقدرة علي تحقيقها والسعي وراءها.. الاصل فيها أولويات تتبدل بنبدل فصول الحياة وظروفها وأحداثها.

يضحي الرجل بحريته لتحقيق حلم الأسرة ومنزل هاديء يضمه ووليف ومن يحب.. تضحي المرأة بحياتها لحياة أجيال من بعدها.. تقبع خلف الجدران لتجعل منها عشاً هادئاَ هي سيدته ومليكته واساسه الراسخ.. ليست تضحية بل هو تبدل في الألوليات وتغيير جذري في المطالب والمتطلبات.. لا نراها تضحية وجهد يبذل بل قانون طبيعة صارم يحكمنا.. تفرضه الحياة وننصاع اليه برغبتنا في استمرار الحياة!! يضحي الحبيب لمن يحب.. يضحي الأب لأبنائه وتضحي الأم لسعادة جيل بأسره.. تضحية بلا شروط.. ولا قيود.. ولا سؤال.. شعور طبيعي بناء بالتنازل عن اليوم لبناء الغد.. وغداً دوماً أكثر اشراقاً وأبهي وأزهي وأكثر جمالاً.. وبكره أحلي من النهارده.. كلمات نرددها.. نغنيها وننساها ونتوق دوماً اليها..ويأتي الرفض والعناد من الكبرياء والخيلاء والعزة الكاذبة.. ويأتي الإباء من إثارة الكرامة واذلال الذات.. فمتي يقبل الانسان المذلة والهوان؟؟ ومستقبل الفرد طواعية علي العقود المشروطة والإذعان المقنن؟؟ متي نفرح بما يفرض علينا وكان لدينا كل الطاعة والطاقة لتحقيقه وكل الرغبة في الوصول اليه؟؟ فالأصل في العرض وليس المعروض.. الأساس في أسلوب سرد الحكاية وليست الحكاية ذاتها.. وطريقة الوصول للهدف هي فقط التي تحدد السعادة والراحة والسلون المنشود.. أما العند والتعنت فلا يفضي بالمرء سوي للفناء والضياع ومزيد من اللهو الكاذب.

ولأن للصبر حدود ولأن للإنسان قدرة محدودة مهما بلغت وزادت وطفت وبدت لانهائية.. وطاقة محددة مهما طالت وامتدت.. فالأصل في المغزي وراء الأشياء والمعني وراء المرادفات وكل الأسباب وكل المعاني.. الأصل في أن تطلب ما لا يرد.. وتأمر بما يطاع.. وتبحث عن المألوف فتناله كله وتظفر بما تريد.. وكل ما تريد.. وأكثر مما تريد.. الأصل أن تدرك حدود الأشياء الطبيعية.. تتخطاها – ان أردت- فقط بقليل.. الاصل أن تعلم أن لكل مقام مقال.. ولكل عصر اذان.. ولكل زمن مقياس.. والوقت وحده كفيل بتحقيق المستحيل.. وما تتمناه اليوم، قد ترفضه غداً.. وما تسعي اليه في غدك، يمسي مع الزمن سراباً تذروه الرياح! !الأصل أن تدرك نفسك والآخرين من حولك.. أن تحدد قائمة المطالب والشروط وتتوخي بداخلك الصبر والسلوان وكثير من التروي لتحقيقها والوصول اليها.. أن تعلم أن الحياة فصول تتغير.. وخطوط تتكسر.. وصوؤ تتناثر.. وأشكال تتلاحم وتفترق لتتشت وتجتمع –أبداً- من جديد.. الاصل أن تدرك من بواطن الأشياء ماهيتها الحقيقية وفحواها الحق.. أن تدرك ماهية الكون وكينونته وفحواه ومغزاه ومعناه الحق.. الأصل أن تتحقق من كل ما حولك.. وما لديك وما عليك.. فالدنيا لا تعطي الكل.. والأحلام لا تتحقق تباعاً بدون الصبر والسلوي علي تحقيقها.. الأصل أن تدرك في نفسك بواطن القوة فتنميها.. ومواطن الضعف فتحميها.. وأصل القوة فتغرسه ومنبع الضعف فتزيله.. والأهم أن تدرك فيمن حولك ماهيتهم,, ومواطن ضعفهم وبواطن قوتهم.. فتتنازل عند العنفوان وتتسامح عند الحاجة.. وتحب.. وكثير من الحب.. والاصل دوماً أن تأمر بما يطاع وتفسح الطريق لأيام الحياة ودقات ساعاتها لتصل بك لما تريد.. وماذا تريد؟؟ وماذا نريد؟؟ حلم البشر وأصل الوجود.. الحب.. السعادة.. الراحة.. السكون.. البهجة وكل الهناء.. الأصل أن تدع أيادي القدر تشكل لك أيامك دون تدخل منك.. فتري أيادى القدر في كل ما حولك.. فكم مر عليك من محاولات تغيير الأقدار.. وباءت بالفشل.. دع القدر يشكل ملامح العالم من حولك.. دعه يتحرك في صمت.. واستمع.. وتروي.. واصبر وانتظر.. وحتماً سيواري القلق.. ويفر أدراج الرياح.. وحتماً سيتلاشي التردد والتخوف والتخبط وستختفي كل الحيرة.. فالقلق ينتهي مع بداية الايمان والحيرة تهدأ متي سعدنا بالوسطية وآمنا بالمكتوب ورضخنا للقدر وسلمنا بقانون الحياة.