دقت الأجراس وأضيئت القاعة وأسدل الستار لينبئ بنهاية العرض ويتعالي هتاف جمهور اندمج وانفعل مع حبكة درامية فبكي وغضب وثار لتنبئ مشاعره المتضاربة بنجاح القصة وروعة المشاهد وعبقرية الأداء.. وانسحبت بطلة الرواية وسط هتاف المشاهدين بابتسامة ساحرة علي شفتيها وغصة مريرة في قلبها لتعود أدراجها لغرفتها الصغيرة بالمسرح الكبير تتلقي باقات الورود ورسائل الإعجاب وتهاني المعجبين وتخرج وحيدة من ألم الذكري ومرارة قصة جسدتها علي المسرح وعاشتها فصلاً كاملاً متكاملاً في كتاب الحياة!!

تعود بذاكرتها إلي الوراء.. كم مر من عمر الزمان.. يوماً.. شهراً.. عاماً.. نعم رأته عندما التقته بعين المحب وعين المحب خادعة.. مرآة تظهر لك فقط ما تود أن تراه فتندفع في أحاسيس تأخذك بعيداً لحالة قلما عرفها قلب يتوق للحب والسلوي ونفس تهفو لحبيب طال انتظاره وقصة عشق هي لنا جميعاً كل المراد!! شريط من الذكريات يمتد نصب عينيها.. تأخذها الذكري بعيداً لنقطة بداية باتت بعيدة علي قربها.. إنها نفس تلك القصة التقليدية القديمة تتكرر أحداث سطورها وفصولها كل يوم.. قصتها معه.. امرأة ورجل.. آدم وحواء.. منذ البداية.. فصل يتكرر لكل رجل وقصة هي حكاية كل النساء!! حواء الحالمة، الباحثة عن الحب وآدم الثائر، المتمرد دائماً.. الساخط أبداً.. الشارد دوماً في دروب الحياة والباحث أيضاً عن السكينة والهدوء والراحة في كنف من يهفو لها قلبه الثائر المتمرد ونفسه التائهة الحائرة.

تقابلا علي غير موعد وافترقا علي ميعاد.. دق قلبان فى آن واحد وتعانقت عيون غريبة تآلفت وعقول بعيدة تلاحمت وأفئدة تبحث عن الحب والسلوى ودقات السعادة ونبض الحياة.. وجد في أحدهما الآخر أملاً ورغبة وشوقاً وحياة وانسابت الساعات بينهما تفرقهما لتجمعهما أبداً من جديد. وتوالت الأيام وتداخلت الصور وفصول الرواية تكتمل والقصة تنمو والعهد يكبر يوماً بعد يوم ليصبح أمنية حب ووعداً أبدياً علي رباط يجمع بينهما حتي آخر العمر. أعطته فأجزلت العطاء.. أعادت له روحه الغائبة ليسلبها روحها.. ردت له حياة مضت ليضيع منها يوماً تحياه وغداً تحلم به.. وكلما زاد عطاؤها، زاد جحوده.. وكلما نمت مشاعرها، علت معها همومها معه وأشواقها إليه ورغبة دائمة في التعلق به.. وللحق، أحبها.. نعم أحبها.. بكل جوارحه.. بدقات قلبه المهموم وروحه الشاردة.. امتدت لقاءاتهما ليمتد معها عذابها وحصيلة ذكريات تشكل لها اليوم ذكري تأمل ألا تعود وجرحاً هو لها كل الجروح وشوقاً أمسي سكيناً ينخر في أعماقها فتؤلم القلب وتقتل الروح وتدمى الوجدان.. أحبها واكتفي بامتلاكها.. زاد ضغطه عليها وتسامحها معه.

شوق يتجدد مع كل لقاء وغصة في القلب تنمو يوماً بعد يوم.. انشغلت به عن الحياة فانشغل عنها بدقات ساعات يومه الطويل بدونها.. أمست له مرفأ تحط عليه سفينته متي بحث عن الراحة فأصبح لها دوامة تأخذها فتتقاذفها أمواجه العاتية ومشاعره المتصارعة المتضاربة ورغبته الدائمة في الامتلاك. شأنها شأن كل حواء وهو آدم أو قل كل الرجال.. مكر.. مفر علي درب الحياة.. يهرب منها فتعود دوماً إليه.. يتوه عنها فتبحث دائماً عنه.. يشتاق إليها ويجدها أبداً ودوماً في الانتظار!

وحانت الساعة.. وثارت الهادئة وتمرد الملاك الصغير وكسر العصفور قضبان القفص فلا وجد الحرية ولا ظل ينعم بالأمان في صمته الهادئ وسكينته المغلفة بمرارة الهجر وقسوة الانتظار.. تمردت أحاسيسها فثارت نفسها علي واقع تحياه ومرارة تتجرعها ويأس قاتم غشي أيامها وسحابة سوداء غلفت أحاسيسها ومشاعرها ونبض قلبها  الحائر بدونه.. ثارت الصغيرة الكامنة وتمخضت عن ثورتها ريحاً عاتية اشتدت حدتها وتعالي صراخها لتهدم معبداً بنته بأحلامها ورعته بنفس صادقة  وقلب متهافت ووجدان امتلأ بحبه ونما بعشقه كان لها عشق الحياة!

ومع سقوط الأقنعة رأت الحقيقة عارية.. إنها مجرد أنثي.. وهو.. كل الرجال..!! إنها القصة ذاتها تتكررفصولها مع كل صباح وتختلط أوراقها لتتشابك وتتصارع وتتعالي لتخمد معها أسطورة كانت لها يوماً أصل الحكاية وسر الكون ويعلو الندم وتتعالي علامات الاستفهام.. ألف سؤال بلا إجابة.. علامات تعجب بدون نهاية وأمل خبا ليستيقظ من جديد.. حرة، وحيدة، هادئة.. تري الصورة بدون زيف الأقنعة وكذب الأمل.. وبمرارة الذكري، يجلس هو وحيداً.. يذكرها فيبحث عنها.. يشتاق إليها.. يأخذه الحنين وتعصف به ذكريات أيام مضت ولن تعود.. يطاردها فينتهي دوماً إلي سراب.. ينعي أيامه معها وذكريات كانت له يوماً كل الحياة!!

آدم وحواء وذلك الصراع الأبدي.. قصة لا تكتمل.. خاتمة لا نرضاها.. فصل تتكرر أدوارنا في كتابته ونهاية لا ندري أننا بدأناها بأيدينا وقدناها بمشاعر لم نقدرها وأحاسيس لم نوليها حقها. وفقط عند النهاية نبحث عن نقطة البداية البعيدة.. عن ذلك السطر التائه الذي شكل لنا يوماً كل السعادة والأمل والراحة وكان لنا دوماً سر الخلود ولحن الأمان وماضياً لا يعود. حقاً، فالماضي لا يعود ولكنه صنع المستقبل ولربما ما كتبته في صفحة الأمس يكون بداية لقصة الغد وعندما يأتي الغد نبتسم.. وننسي الماضي.. لتبدأ القصة دوماً من جديد!

إقرأ أيضاً