يهوى ملاحقتها وتلهث خلفه للإيقاع به، يبذل كل الجهد للفت انتباهها وتستميت في محاولات مضنية لنسج شباكها في نية صادقة لدفعه للقفص الذهبي، تصيب محاولاته وتخيب آمالها، يجعل منها معشوقته وتفشل في جعله زوجها، يراوغها كلما حاولت الإمساك به، فلفصته الأبدية تثير حفيظتها والنتيجة صفر- صفر فلا اكتفت بدور الولهانة ولا راق له طلب يدها للزواح. نفس الصورة ذاتها تتكرر فهي أنا وأنت وبنات حواء وهو ما هو سوي كل الرجال!! 

 

نعتقد فيها وننكرها، نؤمن بها ونحاربها، نراها فنفر منها، نعبث بها فتسخر منا، نحاربها فتطاردنا، نعدو بعيداً لتحطينا شباكها ونقع أسرى الحبكة الدرامية المحيطة والشباك المتداخلة، تلك المصيدة الشفافة البراقة الشديدة الإحكام وميضها نار تدمي القلوب وسحرها سم أسود في قطرات العسل المر ونحسبه حلو المذاق، يكوينا اللهيب فنحترق، تتصاعد أدخنة الضباب وتتعالي صيحات الإستغاثة من وطأة عذاب لا ينتهي وأمل لا يتحقق ونهاية لا تأتي.

 

بدأت القصة على رمال بيانكي، شاطيء العجمي الشهير وأشهر ما فيه حواديته الصيفية وقصصه الملتهبة، نفس الحدوتة الصيفية المكررة، مللناها من فرط تكرارها لكننا أبداً نعيش تفاصيلها كل موسم. المهم، تقابلا على غير موعد، صدفة عابرة على الشاطيء المكتظ برواده، نفس الشخوص والصور ذاتها كل عام، 

 

«ما حدش له عندى حاجة، هو ده النظام، أيوة عانس وبمزاجي وإن لم أتعد بعد السن القانونية للزواج، عانس وإن لم أستوف جميع الشروط اللازمة لحمل اللقب، عشمى فى لجنة الرأفة كبير، عانس بإرادتي الكاملة وحريتى المطلقة وحق تقرير المصير الذى يكفله لى الدستور والقانون والشريعة والعرف وكل الأديان. قررت أن أكون عانساً وليذهب المجتمع وكل الرجال إلى حيث يشاءون ولا أريد حتى من باب الفضول معرفة وجهتهم وإلى أين يتجهون»،


ظلوا يرددون على مسامعنا تلك المقولة التي من شدة الإصرارعلى تكرارها أصبحت عنوان العصر وتعريفه، العالم بين يديك، البعيد أمسى قريباً بفضل تطور التكنولوجيا الحديثة، الوصول للصين أسهل من اختراق الطريق للجانب الآخر والتخاطب مع النصف الآخر من الكرة الأرضية أسرع من التحدث مع صديق عبر المحمول المحلي. نعم، أصبح العالم اليوم قرية صغيرة، مدينة واحدة تربطها خيوط رفيعة تحيط بكرتنا الأرضية وتجعلنا جميعاً -علي تباعد المسافات- بإتصال دائم وتواصل مستمر.


تتعدد الطرق، تتنوع الوسائل، تتباين الدروب، تتشابك الصور، تتشعب التفاصيل، تتراءي أمامنا، تتباعد المسافات وتتراكم أميالها وتبقي اللحظة فاصلة نهاية حاسمة أو بداية من جديد. لحظة يأس قاتم أو أمل يتجدد، لحظة فراق وقتية أو بقاء وتواصل إلى الأبد، لحظة الموت أو قطرة الحياة،  نقطة صغيرة تباعد بين المتناقضات وتفرق بين المعانى المتشابهة فتقرب البعيد وتجعل من القريب بعيد المنال، لحظة فارقة بين العوالم والدني، إنها لحظة الإختيار الصعب.

 

أرضها كرامة وسماؤها عزة وشعبها مفخرة وجيشُها خير أجناد الأرض، وُلد التاريخ علي أرضها وصفق العالم لأمجادها ووقفت البشرية تقديراً وإعتزازاً وإعترافاً بعظمتها وجسارة شعبها. إنها مصر، أرض الكنانة ومقبرة الغزاة وقاهرة الطغاة وأصل التاريخ ومهد الحضارات وفجر البشرية وصمام الأمان ورمانة ميزان العالم بأسره.

 

ظللنا نكررها علي مسامعنا حتي صارت حقيقة واقعة لونت أيامنا وغلفتها بسياج من الحيطة والحذر، الريبة حيناً والترقب في كثير من الأحيان. الفرصة تأتي مرة واحدة، انتهزها، اقتنصها، حارب للحفاظ عليها فلن تتكرر ولن تعود أدراجها ولن تأتي أبداً من جديد. الفرصة امرأة جميلة تمضي وتترك خلفها الندم والحسرة علي ضياعها أو قل حادثاً عابراً يعبر بك أو تعبر به فيغير أيامك ويحيلها واقعاً جديداً تاركاً خلفه سطوراً سوداء من الألم لضياع فرصة لن تتكرر والأصل في الرواية رؤية تشاؤمية للعالم من حولنا فنري الصور فرادي والأحداث منفردة والحلقات منفرطة و الكادر الناقص لا يكتمل.

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام