نسأل الله.. ونمعن في السؤال.. ولا نقنع حين يجيب.. نعاتب القدر.. ولا نفرح حين يلين.. ونشقي أبداً بعناده.. ودوماً ألا من مزيد!! وحلقة مفرغة من أسئلة بلا إجابة،

وصور بلا مضمون وتطلعات بلا نهاية.. تأتي الصحة فنذكر المال.. ويأتي المال فنطوق شوقاً للبنين.. ويأتي الولد فنطلب السعادة.. وحين تأتي لا نراها.. إذ لم نحددها أبداً من قبل..!! تتقاذف أحلامنا الأيام.. مشروعة أو مستحيلة.. يتحقق جزء منها ويبقي دوماً وهم الحلم الغائب والصورة الناقصة، والأمل المستحيل.. ونقطة صغيرة تطفو علي السطح.. سؤال يجيب عنه القدر أو لا يجيب.. وأمل أبداً لا يتحقق.. وحرف تائه وسطر غير مكتمل.. وهم ذلك الحلم الكاذب.. ينسينا نعمة الحياة.. ومتعة الأيام.. والغد الذي سيأتي دوماً وحتماً بالجديد. وما الجديد.. ؟! في كل ما نراه، ما الجديد.. في عالم ترامت أطرافه، وتشعبت لتعجز عن استيعاب مطامع نفس بشرية عنيدة لا تكل.. ولا تمل.. ولا تقنع.. وأبداً لا تشبع.. في كون عجز -علي اتساعه- عن إشباع رغبات لا تنتهي لكائن لا يهدأ.. ولا يحمد.. الشكر لديه الحاضر الغائب.. والقناعة كنز لا يدرك ماهيته إنسان لا يدري -منذ البداية- ما يريد.. يريد كل شيء.. نعم، كل شيء.. وأي شيء.. الصحة.. الجاه.. النفوذ.. المال.. البنين.. الراحة والعمل.. الهدوء والضجيج.. السعادة والأمان.. كافة المتناقضات.. كافة الصور.. كل الأشياء وسر الحياة.. كلمة صغيرة لا يدرك كنهها ولا يعلم فحواها.. ولا يفك شفرتها.. ولا يدرك مغزاها.. حروفها السحرية فيها مفتاح السعادة.. وسر الوجود.. وأصل الحكاية البعيد.. ومن يدري -فى ذلك الكون- سر الحياة!!


يلتقي الغريبان.. فتقارب بينهما الأيام.. يجد في أحدهما الآخر ضالته المنشودة وروحه الغائبة.. وتبدأ الحكاية لينقلب الحلم إلي كابوس.. والأمل إلي يأس قاتم.. ويمسي حلم السعادة وهماً غائباً نبحث عنه جميعاً بين صفحات الكتاب.. فلا نجده.. إذ أننا منذ البداية لم نرسم له خريطة الطريق.. ودوماً تتراءى لنا تلك النقطة الغائبة والحرف المفقود.. والسطر الضائع.. ويلمع نصف الكوب الفارغ.. فيغشي عينيك.. ويصم أذنيك.. ويصمت لسانك.. فلا ترى جمال ما حولك.. ولا تقنع بما في يديك.. ودوماً ألا من مزيد.. تدرس فتتفوق.. تعمل وتكد وتنجح.. فيعلو نجمك ساطعاً.. ترتقي الدرجات فترى المال الوفير في يد الغير والمنصب الأعلى يزداد بريقه يوماً بعد يوم.. ويرى غيرك صحتك وأولادك وثراءك وترفك.. وينسى دوماً ما لديه.. وندور جميعاً في حلقة مفرغة حروفها تائهة.. وحلقاتها لا تتصل.. وكيف تتواصل.. وكيف تتفاعل لتكتمل الصورة التي لا يراها أحد والحلم الذي ندرك -فقط في النهاية- أنه لم يكن سوى الأمل المستحيل..!!

تلهث بنا الحياة.. نعلو درجاتها فتتباعد المسافات.. نركض بين أرجائها فيتسع المكان، وتزداد التفاصيل.. ولا نرى جمال الكون.. صفاء السماء.. حقيقة الأشياء.. ورود تتفتح من حولنا.. نجوم تضيء لنا.. أشياء صغيرة.. تفاصيل دقيقة.. هي لنا قصة العمر وكل الحياة..!! ومتى قنع ابن آدم.. ومتى رضي.. ومتى سلم بالقدر.. ومتى شكر.. ومتى رأي الحلم الغائب في واقع يحياه.. ومتى نسي ما يريد ليستمتع حقاً بما يملك.. نعمة القدر في عطائه.. ومتي أدركنا عطاءه.. ومتي حمدنا نعمته.. واستكثرنا عطاءه أو قل قبلنا به، وقنعنا بقسمته ونصيبنا منه.. لهث آدم -مع بداية الخلق- وراء ما لا يملك فشقي أبناؤه من بعده بحثاً عن المفقود والمستحيل وطواحين الهواء.. لم ير الجنة من حوله فهبط منها.. وهبطت معه أجيال وأجيال من أولئك الباحثين عن ذلك السر المفقود والكينونة التائهة والصورة المكتملة بين حزمة الصور الناقصة والألوان الباهتة.. وتلك الجنة البعيدة.. الصعبة المنال.. هاك الأمل المستحيل.. وتلك الحقيقة الغائبة..
خلقنا لنسعى ونسعد.. ففرحنا بالسعادة ونسينا أنها وليدة جهد وتعب وعناء وشقاء.. أردنا الكل فلم نر أجزاء كثيرة تشكل -أخيراً- الصورة كاملة قناعتنا دوماً في سعينا الدائم وراء الجهود.. وبحثنا المستميت عن المستحيل.. أربع وعشرون قيراطاً مكتملة.. يملكها كل منا ولا نراها.. وزعها القدر بالتساوى ولم ندرك عدله.. ولم ندرك حكمته.. ولم نبذل جهداً في استيعاب فلسفته وإدراك ماهية الكون علي حقيقتها وسر الحياة علي أصولها وعدالة السماء علي أسسها. ولا نتنازل.. ولا ترضى الأقدار إلا بما قسمت.. ولا نكل من الشكوى، فيعلو صراخنا عويلاً صامتاً لا يسمعه قدر قدم فلا أحد شكر ولا مخلوق استجاب ولا نفس ابتسمت، ولا قلب تسامح، ولا عقل قنع.. وتمضي بنا الأيام قدماً.. فما من شاكر، وما من قانع.. وما من مجيب.. والثمن ندفعه من سنوات عمر تنطوي فلا نراها.. تلهث بحلوها ومرها.. وفقط عند مرورها، نرى آخر الخيط ضوءاً مشعاً وبريقاً أخاذاً.. رباه.. أين كان هذا الجمال من قبل..!!

وعند النهاية، تبدو لنا الحقيقة عاريةً.. لندرك بعد فوات الأوان جمال عمر لم نعشه.. وصفاء سماء تلبدت بغيوم الشكوى والضجر وكثير من القنوط والملل.. وفقط علي أعتاب الخريف.. ندرك كم كان الربيع جميلاً بوروده الزاهية.. وكم كان الصيف حلواً بانطلاقاته ومرحه وساعات نهاره ولياليه الطويلة.. وكم كان شتاؤنا رقيقاً، عذباً علي قسوته.. ومع تساقط آخر أوراق الخريف، تبدو القناعة أملاً بعيداً لتصبح -لنا بحق- الحلم المستحيل!! قليلاً منا من يدرك حقاً أن القناعة كنز لا يفني.. مقولة نرددها دون وعي منا أو استيعاب لمفهومها الحق ومغزاها الفعلي.. كلمة نتناقلها دون إلمام ببالغ أثرها وعظيم مدلولها.. فيها سر الخلود وأصل الحكاية.. ومن يدري يصبر ليدرك حقاً سر الكون والأصل وراء رحلة الحياة وسطورها المتتالية.. اقنع بما لديك.. أو استبدله بغيره إن استطعت.. فامتلاك الكون كله من المحال.. اقنع بما قسم لك القدر.. فعدله بالغ.. وحكمته ندركها -فقط- مع نهاية الرحلة.. وكان بوسعنا الاستمتاع بها منذ البداية.. استمتع بجمال الربيع قبل أن يزول.. وانطلق مع نسمات صيف لن يأتي بعده.. واشهد على دفء شتاء المدينة قبل أن تلحظ صقيعه وثلوجه وقسوته.. فالحياة فصول لاتتكرر والسطر الذي يمحى لا يكتب من جديد.. اقنع..!! ليست نصيحةً بل رجاءً.. تسول.. ليست مطلباً بل صرخة نداء وطوق نجاة.. فاليوم الذي يمضي لا يعود أدراجه.. والفصل الذي ينطوي أبداً لا يتجدد.. والعمر هو تلك القصة التى تحياها.. رواية قصيرة -على طولها- هي منك وإليك.. ومكتوب هو لك كل الحياة..!! وما الحياة..؟؟ سؤال هل تعلم إجابته.. ما الحياة؟؟ لماذا كنا وأبداً سنكون ويكون الكثيرون من بعدنا؟؟ لماذا خلقنا وما السر الخفي وراء تلاحق الأحكام والصور؟؟ لماذا نشقى لنسعد.. نفرح لنهتم.. نبدأ لنتهي؟؟

رحلة نمضي فيها.. أو تمضي بنا.. نحياها كما هي.. وتسير بنا كما كان أبداً قدرها في الدوران والسير.. ماضيها ذكرى جميلة مضت وولت بكل الأمس قريباً كان أو بعيداً.. وغدها أجمل حلم قد يتحقق.. أو لا يتحقق.. لا يهم.. فالأصل فيه الحلم ومتعة التمنى.. وحاضرها.. ذلك الحاضر الذي ننسى في رحلة النبش بين طيات الماضي، وترقب المستقبل بفصوله القادمة.. حاضرها واقع استمتع به ليأتي لك بغد أكثر إشراقاً.. وشمس ستسطع دوماً.. بأمل يتجدد علك تراه فتدرك معه سر الكون، ومتعة التمني وفلسفة القناعة.. ومعها يتفتح أمامك بهاء أيامك.. وجمال الحياة!

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام