يظل الرسم ملكة وتعبير تشكيلي برؤية خاصة وبخطوط وألوان بسيطة، فأفكار الفنانيين قد تصبح مجنونة عند سماعها وتلقى إعجاباً عند عرضها. لتحول الرسم الإبداعي لصورة مليئة بالحياة وهو ما قامت به 14 فتاة من الفرقة الخامسة لكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، قررن أن تكون حصة التربية العملية خارج الحرم الجامعي لإبداع رسومات وبورتريهات بحديقة الحيوان بالجيزة بهدف تجميل أسوار الحديقة وإسعاد الأطفال .

عن البداية، قالت الطالبة إسراء الشيمي بشعبة التثقيف بالفن «تحت إشراف د. تغريد يحيي، بدأت الفكرة بمستشفي 57357 حيث كنا نرسم مع الأطفال ونعلمهم وعندما قررنا تكرار التجربة لم تتناسب المواعيد مع أوقات المحاضرات لذا بحثنا بالنوادي والمؤسسات الثقافية وبالفعل بدأنا بمؤسسة ثقافية ولم نستمر حتي إقترحت جدة صديقة علينا حديقة الحيوان لنرسم مع الأطفال». وأضافت الطالبة هدي أحمد «قمنا بمشاركة الأطفال بعض الأنشطة والرسومات إلا أننا شعرنا أننا نريد ترك بصمة جمالية بشكل مشرف وهنا قررنا رسم جداريات كبيرة بالحديقة. وبرغم صعوبة القرار،

شجعتنا أستاذتنا د. تغريد يحيي وتعاون معنا كلاً من د. رشاد رحيم واللواء محمد رجائي المسئولين عن الحديقة ورحبوا بالفكرة وبدأت خطة العمل علي الفور». نبعت الفكرة من جدة الطالبة هدي الله محمد التي قالت «جدتي دائمة التردد علي الحديقة وكانت كثيراً ما تنتقد الحالة السيئة التي وصلت إليها وتصفها بالقبح، وللحق هي من أوحي لنا بالمشروع لزيادة الوعي البصري لدي الزوار ومن ثم توجهنا إلي د. تغريد يحيي مدرس مناهج وطرق تدريس التي دعمتنا وأرسلتنا بخطاب لإدارة الحديقة التي رحبت بالفكرة وبدأ تصميم أول جدارية أمام قفص الشامبانزي. أما عن خطوات العمل، أوضحت الطالبة مها عمر "أخبرنا د. محمد رجائي عن رغبته في أن نقوم بطلاء حائط بجانب قفص الشمبانزي علي سبيل التجربة وقمنا بالفعل بإحضار الأدوات والألوان علي حسابنا الخاص وبعد اليوم الأول ظهرت نتيجة أبهرت إدارة الحديقة فتولوا بعدها جميع التكاليف .

التحديات كانت بالغة كما توضح الطالبة ميرنا سمير قائلة «لم يكن بالحديقة جداريات كثيرة فأكثرها أماكن مفتوحة وأقفاص للحيونات، لذا نزلنا أكتر من مرة لنري السور الرابط بكل بوابات الحديقة وتجولنا بالحديقة لتقييم الأماكن الصالحة للرسم، وبالفعل إستخرجنا جواب من الكلية وتقدمنا بطلب لمجلس إدارة الحديقة وحصلنا علي الموافقة. ومنذ بداية العام الدراسى، كنا نزور الحديقة كل يوم سبت وقت تطبيق المادة ورسمنا أكتر من 14 رسمة على جدران الحديقة أبرزها جدارية الشمبانزي». أوضحت أيضاً الطالبة رانيا محمود أنه «من الصعوبات التي واجهتنا كانت العمل علي الصقالات ولكن إدارة الحديقة وفرت لنا السلالم وكنا لأول مرة نعمل عليها وكان تحدياً كبيراً لنا وخاصة أننا بنات ولكن إصرارنا حفزنا علي الإستمرار بالإضافة لتعاون د. تغريد التي كانت معنا خطوة بخطوة فنحن 14 فتاة لكل منا فكر مختلف وهي التي وحدت الأفكار وكانت تدعمنا بشدة فأحياناً كان العمل يستمر حتي العاشرة مساء،

بدأ العمل جماعي ثم بدأ تقسيم المهام كما توضح كلاً من سمر القمحاوي ومنة الله سعيد «شاركنا جميعاً بالجدراية الأولي وبعد ذلك قسمنا المهام وفقاً لرغبة كل منا فكان هناك متخصصة في رسم الزرع وأخري لرسم وجوه الحيوانات والعيون وهناك من تتابع الرسم وهكذا وكنا نساعد بعض فمن صغرنا لنا جميعاً ذكريات مع حديقة الحيوان لذا كنا نريد ترك بصمة علي جدران الحديقة بعملنا الجماعي ولا زال العمل مستمراً وسنستكمل رسومات أخري ولكن لا زلنا في مرحلة وضع إستراتيجية لإستكمال سير العمل لنصبح مؤثرين كالمرحلة الأولي». هذا ومن ضمن المواد التي تدرس بالكلية التدريب الميداني كما توضح الطالبة ريم أحمد قائلة "من فكرة المادة إنطلقت فكرة تنفيذ المشروع وما نقدمه حالياً هو رسالة وقدوة للكبير والصغير فالعديد لم يكن يعرف بوجود كلية تربية فنية لذا عملنا صفحة علي الفيسبوك لعرض مشروعاتنا والتثقيف بالفن".

النتيجة جاءت مفاجأة كما توضح كلاً من نعمة الدنش ونانسي علام «لم نتوقع لها هذا النجاح لتخوفنا من مضايقات الزائرين ولأننا لم نشارك من قبل إلا بمعارض بالكلية وساقية الصاوي لكن ردود أفعال الناس كانت عكس توقعاتنا فإعتدنا الرسم أمام الجمهور الذي كان يطلب منا إلتقاط الصور التذكارية وإستمرت التجربة الناجحة وتم تعميمها. نتمني أن يلقي شباب الفنانين الدعم اللازم لتوفير الخامات والأدوات اللازمة». نفس الحوار تؤكده سمر محمد قائلة "ردود الأفعال شجعتنا كثيراً وأغرب موقف كان مكافأة أب لإبنته الصغيرة بأن تأتي لتشاهدنا ونحن نرسم وسمعنا الأب يتمني أن تصبح إبنته مثلنا وهو ما أشعرنا بمردود تعبنا الكبير".

الشعور بالفخر كان القاسم المشترك حيث أوضحت أمل حامد «شعرنا بالفخر لأننا أصبحنا قدوة وأصبحت فكرتنا وسيلة لتجميل الأماكن العامة لنرجع الجمال للشارع المصري وشعرنا بالفرح بإسعاد الأطفال، التجربة كانت ممتازة فلا زالت أعمارنا صغيرة لكننا نفذنا أشياء كتبت لنا بمستقبلنا. وبرغم عدم ثقتنا في البداية من أنفسنا تشجعنا وكان هدفنا أن نصبح جميعاً مؤهلين للعمل بمجالات متعلقة بالرسم لنثبت أن الفتاة قادرة علي العمل تحت أية ضغوط». وأضافت منة الله القلعاوي «هناك كثير من المدن الإستكشافية طلبت منا العمل ولكننا مرتبطين بالحديقة، نتمني رسم جداريات في كل مكان بمصر، لقد شجعت خطوتنا الكثيرين ممن لديهم ملكة الرسم للعودة للفن كما شجعت أخرون علي تعليم أبنائهم الفنون.

        

وأخيراً تتحدث د. تغريد يحيي، مدرس المناهج وطرق التدريس بكلية التربية الفنية جامعة حلوان والمشرفة علي المشروع قائلة «لجأنا لكثير من المؤسسات وقوبلنا بالرفض لأننا نعمل كنوع من المشاركة المجتمعية بدون مقابل، لم ننيأس وذهبنا لجهة أخري وقوبلنا بالرفض أيضاً لأن لديهم متخصصين في الرسم والديكور وبرغم محاولاتي المستميتة رفضوا تماماً. أمضينا أكثر من شهر ونصف نبحث عن مكان مناسب حتي إقترحت جدة هبة حديقة الحيوان وبالفعل بدأنا العمل وكنا في البداية نريد العمل مع المترددين علي الحديقة حتي إقترح علينا د. رشاد رحيم مدير حدائق الحيوان بمصر رسم الجدارية. وبرغم مخاوف الفتيات، بدأ التنفيذ وكنا نقوم بدراسة أنواع الحيوانات المقرر رسمها علي الحوائط وفقاً للفصائل المتواجدة وقمنا بتقسيم فرق العمل لتنفيذ 9 جداريات علي الأسوار من الداخل بمقاسات مختلفة. وللعلم، جميع التصميمات من وحي الحيوانات لتلائم أجواء الحديقة بمشاركة 14 طالبة وعقب تنفيذ جدارية الشمبانزي بإعتبارها أولي التجارب أمدتنا إدارة الحديقة بالخامات والأدوات لإتمام المشروع بجانب الرسوم الإرشادية لجذب الزوار وأطفال المدارس». هذا وإختتمت حديثها مؤكدة علي أن تدريس أخلاقيات العمل والمشاركة المجتمعية والفنية والتربوية يجب أن تأتي قبل أي شئ فيجب أن نعلم الطلاب كيفية خلق روح الجماعة «كنت أوحد صفوفهم وأبث بينهم روح التعاون والمثابرة برغم التكدس الهائل للزائرين وخاصة أننا كنا نعمل أثناء إجازة نصف العام ونحن في النهاية فخورين جداً بفتيات نجحوا في تحقيق هدفهم بإعادة مكانة الحديقة لعهدها السابق ورفع الذوق الجمالية والوعي البصري.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام