ظللنا نكررها علي مسامعنا حتي صارت حقيقة واقعة لونت أيامنا وغلفتها بسياج من الحيطة والحذر، الريبة حيناً والترقب في كثير من الأحيان. الفرصة تأتي مرة واحدة، انتهزها، اقتنصها، حارب للحفاظ عليها فلن تتكرر ولن تعود أدراجها ولن تأتي أبداً من جديد. الفرصة امرأة جميلة تمضي وتترك خلفها الندم والحسرة علي ضياعها أو قل حادثاً عابراً يعبر بك أو تعبر به فيغير أيامك ويحيلها واقعاً جديداً تاركاً خلفه سطوراً سوداء من الألم لضياع فرصة لن تتكرر والأصل في الرواية رؤية تشاؤمية للعالم من حولنا فنري الصور فرادي والأحداث منفردة والحلقات منفرطة و الكادر الناقص لا يكتمل.

لن نعمم القول لكن فلسفة الكوب الفارغ تمكنت من تفاصيل أيامنا فأحالتها حالة صراع دائم مع النفس قبل الآخرين، دوائر سوداء تحيط بهالة حالكة تغلف نفساً تتوق للرحيل، ولم.. ممن.. وإلي أين؟ دقات الساعة تنبئ بمرور الوقت، ثوان بطيئة تأكل من الروح والقلب وتغشي خلايا وجدان عجز عن إدراك الجمال من حوله وكيف الفأل الحسن والعالم جمرة نار تشتعل، صرخات ترقد أعلي بركان يغلي، غيظاً وحقداً وأسفاً علي جنة زالت، حلم ضاع، أمل ولي وأيام لا تعود. الحر صيفاً وشتاءً يزداد برودة، أسوار المدينة تعلو فتخنق الروح وتضيق الأنفاس، صقيع يغشي مشاعر تنهار وأحلام تتهاوي.

ومن قلب العدم، نبحث عن نقطة بداية وسط نهايات متتالية، نركض خلف حلم تبدو طياته سراباً وسط نيران تزداد سعيراً ونأمل في النجاة، صدفة أخرى وفرصة قد لا تتكرر، عابر سبيل يحمل رسالة أو هاتفاً تدق رناته من بعيد وتأتي الفرصة ولا نقتنصها ونبكي ضياعها إذ هي أبداً لا تتكرر من جديد. العالم يشتعل من حولنا وتشتعل معه نيران قلوب حائرة ونفوس تائهة وننسي أو نتناسي حلم الشباب الضائع وأمل كان يوماً يقطن القلب والوجدان والكوب الفارغ يزداد فراغاً والحلكة تزداد سواداً والأمس يصبح غداً يتجدد والماضي يمسي كل الحياة.

ومن قلب المدينة الصامتة، تدق أجراس النداء، تتعالي الأصوات منادية، هاتفة.. رجاء، أملاً، أم رغبة، نصف الكوب الفارغ قد يمتلئ، الليل قد ينقشع والنهاية قد تبدأ من جديد. ومن يري؟ ومن يسمع؟ ومن يدرك؟ ومن يعي الأحداث من حولنا؟ فالعين لا تري والقلب أصم لا يسمع والأذن يغشاها الصقيع، نبحث في الطرقات، نجوب الوادي، نركض علي شاطئ البحر ونختبيء خلف الجدران تحت سماء رحبة أو بحجرة ضيقة، نجده أو لا نجده لا يهم فلم نره أبداً من قبل.

والأمل، تلك الفرصة الضائعة، الصدفة التى ولت، الحلم الذى تبدد والزمن الذى مضى والبداية من جديد تبدو وهماً خادعاً وصورة كاذبة. الأمل، ذلك المارد السحرى الذى جعل من الأيام فرصاً تتوالي وصنع من الكادر الناقص صورة مكتملة والكوب الفارغ يمتلئ بالفرصة تلو الأخري والحلم تلو الآخر واليوم يمضي لتليه أيام. تمضي السنوات لتعانقها مزيد من السنين بفرص جديدة تتجدد والأمل بجدران النفس فى قلب يتوق للحياة، عاشق لتفاصيلها، محب لدقاتها، متسع لتجارب تتوالي وأحلام تتهاوي وتتصدع لتعيد بناء الزمن دوماً من جديد.

من قال فرصة وولت؟ من قال إنها صدفة ومرت؟ من قال تجربة هي النهاية والفشل دائرة مغلقة والقلب كائن أحمق والعين لا تري الكون إلا مرة واحدة. تتكرر الحوادث وتتوالي السطور، تتعدد الوسائل وتتداعي المحن لتبرز طاقة نور داخل جدران النفس الحالكة وأسوار القلب الداكن. ومن حلكة الظلام وضيق المحن، تبرز طاقة النور لتضيء العالم من حولك، من قلب المدينة الصامتة والشوارع القابعة فى سكون وجوف الصقيع يغشى الطرقات، تبدو طاقة نور تخط خيوط الفجر الأولي بالنفس الحائرة ويأتي الأمل بصورة جديدة لغد أكثر إشراقاً وأملاً يتجدد وعالم جديد يولد بداخلنا ومن حولنا.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام