قدراته العقلية ليست محدودة بالمرة فقد صنعت منه قائداً ومحارباً وعبقرياً وفناناً المساحة المخصصة لديه للفهم والإدراك متسعة لاستيعاب كثير من الحسابات المعقدة والعمليات الشديدة التداخل والخطوط المتشابكة فتراه طبيباً ماهراً ومهندساً فذاً وكميائياً من الطراز الأول..

طموحاته اللامحدودة جعلت منه في أغلب الأحيان صاحب رؤية شمولية ثاقبة واستراتيجية طويلة المدي لا تنظر لظواهر الأمور فحسب، بل لبواطنها الخفية وكينونتها الحقيقية ومعانيها الغير مرئية في كثير من الأحوال.. وللحق، تدهشنا كثيراً قدرته على الاحتواء حين يريد.. والحب حين يأتي.. وكثير من الحنان والعطف والمثابرة والتواصل حين يلزم الأمر.. وتتعجب ملياً من تحوله لكائن عطوف، شفوق، محب، رومانسي، حالم وهو الصارم، القوي، الشديد البأس والعنفوان.. ونتساءل باستغراب أقرب للاستنكار وربما السخرية من عجز ذلك الكائن العبقري الفذ صاحب القدرات والصولات والجولات عن استيعاب ذلك الكائن البريء، البسيط،الذى يدعي المرأة!! يحل رموز أعقد الشفرات ويعجز عن فك الرموز البسيطة المكونة لعقل امرأة ويعجز عن تصور ردود أفعالها في مواقف يراها تتكرر وأحياناً بحذافيرها أمامه يوماً بعد يوم.

وللحق المرأة ليست صورة مطلقة للبراءة واليسر واللين والهوادة لكنها أيضاً ليست على هذه الدرجة من الصعوبة والقسوة فقط حين لا يفهمها الرجل. ودائماً ذلك الصراع الأبدي بين كائن كثير الكلام والمطالب والشكاوى وطرف أصم لا يري من الواقع سوى صورة ضحلة جامدة محفورة في ذهنه ولا يسمع سوى صدى صوته ولا تستوعب خلاياه العقلية العالم من حوله سوي بقدر ما يتطلب الأمر من وجهة نظره والتى تأتى قاصرة في أغلب الأحيان!! وتتفاقم المشكلة وتتراكم الهموم وتتصاعد الخلافات وتبقى المعركة الأزلية بين المرأة والرجل.. الجاني فيها ضعيف والمنتصر فيها هو المجني عليه فالرياح تأتي عادة بما لا تشتهي السفن والنتيجة النهائية تخذل كلا الطرفين أو تنصرهما معاً في معركة تتشابك فيها كل الصور وتبذل فيها كافة الجهود الممكنة للنيل من الطرف الآخر فى محاولات مستديمة لإقناع الذات أولاً والطرف المقابل فى مرحلة تالية بأنك دوماً على صواب في مقابل الأخطاء المستديمة والمستفزة للطرف الآخر.

ولأنني امرأة فأنا أفهم بالفطرة سيكولوجية المرأة وهي الأشبه بالعمليات الحسابية التي درسناها صغاراً في الفصل الدراسي.. تبدو معقدة بل أحياناً شديدة التعقيد وما أن تدرس القاعدة السليمة لحلها حتي تتحول رؤيتك لها تحولاً جذرياً فتراها سهلة بل شديدة السهولة.. إنها واحدة من تلك الأسئلة التي نفرح بوجودها ضمن ورقة الامتحان إذ نضمن بها أعلي الدرجات والنتائج.. ربما يختلط علي الرجل الأمر قليلاً أمام تقلباتها في بعض الأحيان أو ربما تبرجله عند عدم قدرتها علي التعبير عن متطلباتها بوضوح وصراحة لاجئة فى ذلك لأسلوب «التلميح دون التصريح» الأمر الذي يجهله تماماً الرجل ويعجز عن استيعابه أياً كانت درجة وضوحه وبساطته!! وإحقاقاً للحق، للرجل هنا عذره فقدراته التحليلية محدودة وخياله في الأساس ضحل وربما قاصر علي قراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل القريب أو البعيد الأمر الذي يتطلب من المرأة مجهوداً أكبر في الإيضاح والاسترسال فتبدأ في سرد القصص وضرب الأمثلة بشكل أكثر تفصيلاً إسهاباً عله يفهم ويدرك ويستوعب.. فما يكون منه إلا أن يصم أذنيه حيال ما يعتبره شكوي مستمرة وتذمراً دائماً وقصصاً لا تنتهي وحواديت مكررة لا تمل المرأة من تداولها وتكرارها بشكل استفزازي وهجومي!! وتزداد شكوى المرأة وتذمر الرجل.. تلاحقه فيفر منها.. وتهرب منه فيعود دوماً باحثاً عنها ليعيد الكرة دوماً من جديد.. كر وفر بطول العمر وحكاية لا تنتهي ودوماً تشكو المرأة وأبداً لا يهتم الرجل. ولأن الأمر برمته يتعلق بمستقبل البشرية ككل، فهو ليس بهذه السهولة كي نتقبله علي علته غير عابئين بإصلاحه أو ترميم ما تصدع منه في محاولة جادة لإعادة الصورة إلي ما يجب عليه أن تكون فالكون مهدد بالانقراض والأيام تدق ناقوس الخطر.. خطر زوال الجنس البشري ما إذا استمرت بؤرة الخلاف بين الكتلتين المتصارعتين في الاتساع.. تلك الهوة السحيقة الآخذة في الازدياد مزيلة كل جسور التواصل والتفاهم بين طرفين يشكل التحامهما معاً تعمير الكرة الأرضية بأسرها!! تصور معي الكون لو خلا من ارتباط الرجل والمرأة معاً.. تصور معي الكون وقد توقف عند جيل واحد نشأ عنه جيل آخر رفض أطرافه التواصل لاستمرار سلسلة التعمير.. وأخذ  كل منهما علي عاتقه السير منفرداً علي درب الحياة وربما الاستعانة برفيق من حين لآخر متجاهلين الأساس وراء خلق البشر وميلاد كل من المرأة والرجل.. تخيل معي الكون وقد توقف عند جيل الأحفاد وخلا ممن يليهم فكبر الأحفاد وشاخ الصغار وخلت البشرية من الدماء الجديدة.. فاندثر الكون وانتهت البشرية!!

ولو فهم الرجل ولو استوعب تلك الفلسفة البسيطة لوجوده وكينونة شريكه وسر تواصلهما معاً.. لو أدرك الرجل ما يقع عليه من عبء ومسئولية وما علي عاتق المرأة من التزامات وواجبات وما لكليهما من حقوق ومطالب.. تبحث المرأة عن الاستقرار فيعتبره الرجل حصاراً.. تبحث عن الدفء والأمان فيعتبره  الرجل رتابة وملل.. توفر له السكينة وتنصاع له فيكيل إليها سهام الاتهام بالتخاذل والتراجع والدونية.. تقوي عليه فيتهمها بالندية.. تطيعه فيصفها بالعجز.. تكرس له أيامها فيحثها علي تحقيق الذات .. ومتي بحثت عن ذاتها، انهال عليها باللوم لهجر المنزل وترك الأولاد وإلقاء مسئوليات الحياة وكيل  لها سهام الأنانية والذاتية.. وشعارات كثيرة لاذعة يخنقها بها فلا تركها آمنة ولا ساندها في درب الحياة!! ولو فهم الرجل وقلما يفهم أن وجوده المحوري في الحياة أساسي لتوازن الكون واستقراره ولو أدرك أهمية تقسيم الأدوار واستيعاب الطرف الآخر كما هو لا كما يجب أن يكون. فالأصل دوماً رغبة مستديمة في تغيير الطرف الآخر بما يجعلك عاجزاً عن رؤية مواطنه الجمالية ومحاسنه وإن عظمت ومميزاته أياً كانت..إذ جعلت رغبتك الدائمة  في « تفصيل » الشريك  علي مقاسك أن  تتجاهل الكثير من مقاييسه الحقيقية متجاهلاً حقيقة أخري أنك شخصياً في حالة تغير دائم ومقياسك الحالي ليس هو مقياس الأمس ولا الغد.. الأمر الذي يجعل من سعيك للتغيير يأتى في غير موضعه ومعركة جدالية بلا نهاية واضحة إذ لم يوجد لها في الأصل بداية محددة علي الإطلاق!! وتدور الحلقة المفرغة ويصم الرجل أذنيه ويغمض عينيه ويتعالي صراخ المرأة وتتوالي مطالبها وتعجز عن التواصل مع ذلك المخلوق الأصم فتزداد الهوة اتساعاً وتزداد المسافات تباعداً وتستمر الخلافات تصاعداً وترفض الأطراف  التلاقي وتأتي النهاية سريعة أم بطيئة لا يهم.. فالأصل فيها نهاية حتمية من حالة دائمة من عدم التواصل والتفاهم وكثير من التقلب والتخبط!!

وللحق، مطالب المرأة بسيطة محددة ومشروعة.. تبحث عن الأمان في كنف الوليف والاستقرار خلف جدران هادئة والأمل في أطفال صغار وعمل يحقق النجاح وأصدقاء لتلافى الوحدة ومال لضمان المستقبل.. مطالبها المحدودة لا تتعدي الحب والحنان والعاطفة والمال والسعادة والهناء والاستقرار والنجاح المهني وطبعاً الشخصي والزوج المتفهم والحبيب العاشق والأسرة السعيدة والطموح اللا نهائي.. إنها ببساطة تريد كل شيء. وعلي النقيض الآخر، يبحث الرجل أيضاً عن المستحيل باجتماع كافة المتناقضات فى امرأة واحدة واجتماع كافة الصور في لوحة فنية متجانسة متجاهلاً استحالة اجتماع كافة الألوان في لون واحد.. وكافة الخطوط في خط مستقيم!! ولأنه عماد الأسرة وعمودها الفقري، عليه أن يفهم أولاً العبء الكبير الذى يحمله بضرورة التروي والتعقل والاستيعاب المطلق لكل ما حوله والبداية بنفسه.. أن يحاول مثلاً فهمها ويفك رموزها ويحل شفرتها.

عندها فقط سيري الصورة الكاملة أوضح وأبسط وأسهل.. فليتعامل مع متناقضاته التي تعجز المرأة عن التعامل معها.. وليهدئ من روحه الثائرة وهدوئه المصطنع وليبدو علي طبيعته الفطرية الأولي لتتمكن حواء من رؤية آدم كما رأته أول مرة وكما تواصلت معه بسهولة ويسر فى بدء الخلق وقبل ميلاد الكون.. ولتاخذه حواء بالهوادة والصبر واللين فلتعطيه مساحة ليشرد فحتما سيعود ولتتركه ينطلق فسيكل من سرعة الركض ويهدأ ولتستمع له بما لا تجب فيأتيها بما تتمنى وكل ما تريد.. فليهدأ الاثنان من روعهما ولينحيا خلافات اليوم جانباً فالغد قادم بالمزيد.. فليتحدا على هدف واحد هو من الآساس سبب وجودهما معاً والسر وراء امتداد رحلة الكون وخلق البشر.. عندها فقط، سيريان الحقيقة عارية.. سيرى آدم حواء التى ادعى يوماً أنها أخرجته من الجنة وسترى حواء جمال الحياة مع شريك هو لها من الأساس كل الحياة.

إقرأ أيضاً