نقطة فاصلة بينها كل المتناثرات.. هي البداية والنهاية معاً.. تبدأ الحدوتة بكلمة وتنتهي بكلمة.. تبدأ الفصل بحرف ينهيه في نهاية السطر حرف آخر.. تبدأ الحياة بصرخة لتكتب صرخة أخري نهايتها وتبدأ العلاقات وتنتهي من حيث بدأت لتبدأ أبداً من جديد.. صورة وراء صورة.. فصل وراء فصل.. حكاية وراء حكاية وابداً لا نعتير وأبداً لا نتوب!!

ندور في فلك رحي أيام تعتصرنا.. نكرر نفس الخطأ التقليدي ونتجاهل ظروف تتكرر أمام أعيننا شريطاً مستهلكاً مللنا رؤيته من تكرار صوره وتداخل مشاهده وتناثر الوانه بنفس الاتجاهات وتسير أبداً علي نفس المنوال.. نفرح.. نفس الفرح.. ونبكي.. الدموع ذاتها تنسال.. ونحزن.. نفس قدر الهم بل أكثر.. وتنتهي القصة.. فنتألم ونصبر ونشكو وتقوي شكيمتنا لتبدأ قصة أخري بل قل القصة ذاتها من جديد.. ولا نتعلم ولا نيأس وتملؤنا الثقة.. كثير من الثقة.. مع كل فجر جديد وبزوغ الشمس من جديد، أمل جديد يتجدد..  قصص الصديقات تتوالي وحكايات الأصدقاء أكثر والجميع حائرون.. تائهون.. مسيرون لأقدار يختارونها وتبدو قدر أو اختيار.. لا يهم.. فالأصل فيها واقع اليم يحياه الجميع وسؤال ساخر يتهادي في نظرات العيون الغائرة ودموع القلب الصامت. والسعادة.. شبح بعيد يطاردنا.. نركض خلفه فيفل.. نزوغ منه فيزداد ركضاً خلفنا.. يبدو الماضي أطياف حلم بعيد يتراءي في الأفق وخيال الحالم.. ومن بعيد، يلوح لنا المستقبل بغد جديد وأفق ممتد وسماء رحبة وأرض واسعة.. شاسعة.. تتراءي لنا من بعيد. وعلي مرمي البصر، يلوح لنا شبح القصة ذاتها من جديد.

تواردت تلك الخواطر وغيرها مع دموع صديقتي الحائرة.. لماذا افترقنا؟؟ سؤال تطرحه أهات قلبها المكلوم.. صرخات تشق جوف الصمت وتتردي بين الضلوع.. تشعر بها علي صمتها وتكوينا جميعاً بنارها.. تبكي الحبيبة وما حيلة لي قبالها.. أتبكي حالها بدونه أم أيامها معه؟ أتبكي سنوات أضاعتها في حلم كاذب حسبته العمر وأمسي لها وهماً وسراباً وضياع أم تبكي ساعات طويلة تقضيها بدونه وساعات أخري ستمتد بدونه.. لا أفهمها.. لا أعيها.. لا أستوعبها.. فقط أتعاطف معها.. أشقي لشقاءها وأتمني البكاء لبكاءها.. نفس القصة التقليدية الأبدية تتكرر أمامي من جديد.. تقابلوا علي غير موعد.. غريبان علي درب الحياة.. جمعتهم رغبة واحدة في التواصل والتقوا علي أمل.. مرت الساعات اياماً طوال.. بدت أحلام السعادة الأبدية المنشودة تلوح بالأفق البعيد.. تعاهدوا علي غد آت لا محالة فالحب جمع قلبي المحبين علي وثاق أبدي وسياج حديدي.. استقروا علي بناء حياة واحتفلوا سوياً بوضع حجر الأساس في بناية العمر ورحلة الحياة.. وتوالت الحياة بحلوها ومرها.. بشقاءها وهناءها.. واقترب الحلم من الحقيقة.. تداخلت الصور.. اختلطت المعاني والأشكال وتلاحم الغريبان في كيان واحد.. انصهر الرفيقان في قالب جمعهما معاً. ومع اقتراب النقطة الفاصلة، غشي الفتور نيران الحب الملتهبة والرغبة وكل الأمل وعم الصقيع أرجاء المكان.. تباعد عنها فازدادت رغبة في الاقتراب. ومع نفوره المتزايد، نمت رغبتها الصادقة في المزيد من وهم الحفاظ عليه وحياتها معها لتأتي النهاية ونقطة فاصلة هدمت أساس لم يكتمل.. مضي يركض بعيداً.. وحيداً.. مشرداً.. تائهاً.. أكان يبكي لوعة الفراق أم تعلو شفاهه ابتسامة النصر.. أكانت نصرة أم هزيمة وانكسار.. لا يهم.. فالأصل في الحدوتة نهاية ونقطة فاصلة وصمت جدار علي سياجه فافترق المحبون وحرف أخير وضع خاتمة علاقة لم تكتمل وقصة لم تتم.

الحدوتة ذاتها تتكرر.. نفس الصور.. دراما من قلب الحياة تعيد نفسها المرة تلو الأخري.. يختلف الأبطال وتتكرر المشاهد.. كلاكيت ألف مرة بل قل مليون بعد المليون.. بعمر البشر وسنوات الحياة. وانشطر شقي الرحي وانفصل الرفيقان ومضي كلاهما علي درب الحياة بحثاً عن سعادة زائفة ووهم كاذب.. هو يبكيها.. يندم.. يتحسر.. كانت يوماً بين يديه فأضاعها.. كانت تسكن حنايا الصدر فتمرد عليها وعاد ليبحث عنها بعدما شرخ الصحن وهدم الإطار وسد كل خطوط الرجعة فما عادت هي وما كان هو وما صارت الحياة!!

والسؤال ذاته يتكرر.. لماذا يقف الانسان عند نقطة ما فيري ما يريد ولا يري ما تراه عيناه بالفعل.. يتفلسف فيقنع نفسع بتلك الفلسفة الفارغة ولا يري سوي نصف الكوب الفارغ يزداد فراغاً والهوة تتسع والأيام تزداد فراغاً. ومع شدة وطأة الفلسفة الكاذية، تلوح القرارات التي تبدو صائبة وحكيمة ورشيدة.. كل الصواب وكل العقل ومنتهي القوة. يقسو.. ومن قسوته، تلوح له قوته الزائفة.. تختلط الأوراق.. يري الذهب نحاساً ويلمع بريق الماس زجاجاً شفافاً لامعاً فيبيع الغالي بالرخيص ويري فيه كل الثراء.. يمسك بثري الأرض فيحسبه كنز الكنوز وتزداد قبضته عليه. وبمرور الزمن، يندمل الجرح ويدرك الثمن الباهظ الذي دفعه في قرارات بدت له كل الصواب وكل الراحة ومنتهي القوة!!

وتتضح الصورة وتكتمل.. كم كانت رؤيته قاصرة وبصيرته مشوشة وحكمته زائفة.. يركض بحثاً عن ماض ولي والماضي أبداً لا يعود.. ينبش عن الفرصة الضائعة والفرصة أبداً لا تتكرر.. يعاود مطالعة صفحات الكتاب ذاته ليدرك حقيقة الأمور وبواطمها الغائرة. كم كانت النهاية بوسعها الاختلاف؟ كم كان حكم الاعدام قاسياً لذاته قبل الآخرين؟ وأبداً لا يعود الأمس وأبداً لا تتكرر الصورة ذاتها.. وأبداً لا تعود القصة لبريقها. ما حسبه بالأمس رجاحة عقل كان هواناً وما رأي فيه منتهي القوة كان هواناً وتخاذلاً وانكساراً فالماضي لا يعود.. أبداً لا يعود لكنه يصنع المستقبل ولربما كتبته في صفحة الأمس يكون بداية لكتاب الغد.. ومع الغد، تبدأ قصة جديدة أو قل قصة قديمة تتجدد.

واسيت الصديقة وواسيت نفسي معها.. فحالها من حالي وحالنا جميعاً.. نضيع الفرصة وهي بين أيدينا ونبحث عنها حين تفل.. وكم من فرصة أضعناها وكم من وهم حسبناه حقيقة وكم من سراب رأينا فيه النور وكم من موقف اختلقناه انري فيه قوتنا الزائفة وندلل به علي بأسنا وشدتنا فما كان لنا سوي مزيد من الوهن والضعف وكثير من الانكسار!! والنهاية.. راحت لحالها.. اعتبرها قصة وراحت لحالها.. حدوتة وانتهت.. فصل وانقضي.. نهاية لكتاب وبداية لآخر.. بأيدينا صنعناها وبأيدينا نهدمها لنصنع غيرها.. ونتوه بين الحكايات وجميعها لا تكتمل.. وأبداً نشقي.. ودوماً نعيش لتبدأ في حياتنا فصولاً أخري تتكرر بتكرار فصول العام وتشابه كل الأعوام. وفقط القوي من يدرك حقيقة الأمر وبعده وكينونته الحقيقية.. فقط القوي لا ينبش بين القبور ويبكي علي الأطلال.. لم نضيع العمر في قصة لا تكتمل وبناء لا يتم؟ لم نضيع الجهد والطاقة فيما لا يفيد وننرك ما يحقق السعادة والاستقرار الحقيقي؟ لم نضيع الأيام نحيباً علي الأطلال وننسي الغد المشرق المتجدد؟ ما مضي قد مضي.. وما ولي ما كان فيه النصيب أو قل الخير والسعادة.. كان قدراً وعبرة وعظة.. فلنعتبر ولنشقي لنسعد.. ولنبكي لنضحك ولتمضي بنا الحياة ومزيد من الدفعات للأمام.. ومزيد من القوة.. بلا نظرة للخلف.. بلا بحث في ماضي ولي.. بلا نبش بين القبور.. فالزمن لا يتوقف والعمر ماض لا محالة والقطار يتوقف فقط عند النهاية ومحطته الأخيرة المكتوبة مع بداية الخلق وما دون محطاته مجرد انتظار!! واذا كتب علينا الفراق، سنفترق.. وقد نعاود اللقاء وقد يكون الي زوال وفراق جديد وألم جديد وحزن غائر يلتئم أو لا يلتئم. ومن شدة الآلام، نقوي علي الصعاب.. ونصبر.. ومزيد من الصبر.. يشتد بأسنا وتقوي عزيمتنا.. ونفرح.. يوماً ما سنفرح.. فالغد قادم لا محال والأمل فيه لا يكل ولا يمل ولا يفل. كتبت علينا الحياة، بحلوها مرها.. كتبت علينا سطور نري فيها اختيارنا وهي في الأصل قدر نخطها بأيدينا وهي مكتوبة في الأصل.

والحل، كثير من الثقة والأمل والتفاؤل.. كثير من البأس والصبر والشدة.. فلنرشف رحيق الطبيعة الصامتة من حولنا.. فلتغترف السعادة في حينها ولنصبر علي الشقاء حين يتراءي لنا.. فمن حلكة الليل، ستبدو حتماً خيوط الفجر الأولي.. ومن شدة الظلمة، سيلوح من بعيد بصيص النور وبريق الأمل ومن قلب السكون، ستعلو ضحكة تشق جوف الظلام.. وتسقط الأقنعة.. كل الأقنعة.. ونستيقظ علي فجر نهار جديد.. حلم جديد وأمل قديم يتجدد.. اسخر من أحزانك قبل أن تسخر منك.. اصنع قدرك أو شارك في صنعه قبل أن يتوه منك.. وتحلي بالقوة الحقيقية لتضع الأمور في نصابها الحقيقي.. قوة النفس والصراحة معها.. اختر ما تريد قبل أن يفرض عليك ما لا تريد.. اصنع مصيرك قبل أن يشكلك علي هواه واختر نقطة البداية كما تراها والنهاية كما ترتضيها قبل أن تأخذك الرحي في بدايات لا تستهويك ونهايات لا تقوي عليها وحجر أساس في بناء أبداً لا يكتمل. اعتبرها فقط قصة وراحت لحالها.. فصل وانتهي.. مسرحية ونزل عليها الستار.. فالعمر ماض لا محالة والقطار لن يتوقف والأيام راكضة بلا نهاية.. حالمة لمن يهوي.. قاسية حين نقسو.. شديدة حين نلين.. عتيدة حين نصبر.. رئيفة حين نعند.. وسعيدة أبداً لمن يحب.

إقرأ أيضاً