اختار محمد علي باشا مكاناً بعيداً ليبنى لنفسه قصراً يرتاح به بمنأي عن ضوضاء العاصمة وضجيج الحكم وكانت تلك بداية شبرا الخيمة، شهد القصر أحداثاً تاريخية هامة في تاريخ مصر الحديثة فهو في حد ذاته تحفة معمارية نادرة علي مستوي العالم إذ جمع في عمارته وفنونه بين العالمين الغربي والإسلامي ويبلغ عمره الآن أكثر من 200 عام.
قصة البداية
فى منتصف شهر يناير 1809 قبل مذبحة القلعة، اختار محمد علي باشا موقعاً على شاطئ النيل في منطقة شبرا علي مساحة 50 فداناً في متسع من الأرض يمتد حتي بركة الحاج واستولى على عدة قرى وإقطاعيات ليبدأ في بناء قصر منيف غرس فيه البساتين والأشجار ليمسي تحفة معمارية لكن حدث أن سقط سقف القصر بعد انتهاء بنائه في مايو 1809 فأعيد بناؤه وفي 1812 أنشا محمد على عدداً من السواقى لتوفير المياه للقصر والحدائق.
مولد شارع شبرا
إستمر بناء القصر قرابة 13 عاماً من عام 1808 وحتى عام 1821 وأضيفت إليه سرايا الجبلاية عام 1836 وهي مساحة مستطيلة ويتكون القصر من طابق واحد ويفتح بأواسط أضلاعه أربعة أبواب محورية يتقدم كل باب سقيفة ويشغل كل ركن من البناء حجرة تبرز من الواجهة كأنها برج ويتوسط البناء حوض تتوسطه نافورة تنخفض عن أرضية البناء. اشتهر القصر بإسم قصر الفسقية لوجود نافورة كبيرة به، وللوصول للقصر أنشأ محمد على شارع شبرا عام 1847 ليكون مكاناً للنزهة والترويح خارج العاصمة وكان هذا الشارع أعرض شوارع مصر آنذاك وأكثرها استقامة.
طراز قصور الحدائق
أشرف علي إنشاء القصر ذو الفقار كتخدا وجاءت عمارته علي نمط مبتكر لم تعرفه مصر من قبل حيث ساعدت المساحة الشاسعة للموقع الجديد علي اختيار طراز قصور الحدائق وهو طراز معماري تركي انتشر علي شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة ويعتمد علي حديقة شاسعة بها عدة مبان لكل منها صفات معمارية خاصة ومحاطة بسور ضخم تتخلله أبواب قليلة.
التصميم الداخلي
كان أول منشآت هذا القصر هو سراي الإقامة وكان تقع وسط طريق الكورنيش الحالي وملحقاً بها عدة مبان خشبية لموظفي دواوين القصر والحراسة ومرسي للمراكب علي النيل. وفي عام 1821، أضيفت سراي الفسقية لحديقة القصر ومازالت باقية حتي الآن و تتكون من مبني مستطيل(76 مترا ونصف المتر في88 مترا ونصف المتر). أما التصميم الداخلي للسراي ففريد من نوعه حيث يعتمد علي كتلة محورية عبارة عن حوض ماء كبير بعمق2,5 متر ومبطن بالرخام المرمر الأبيض, وتتوسطه نافورة كبيرة محمولة علي تماثيل لتماسيح ضخمة ينبثق الماء من أفواهها, وفي أركان الحوض أربع نافورات ركنية ويلتف حول حوض الفسقية رواق يطل علي الحوض ببواكي من أعمدة رخامية يبلغ عددها مائة عمود وقم تم إضافة سراي الجبلاية لحديقة القصر ولا زالت باقية حتي الآن.
إنفرادات القصر
شهد قصر محمد علي شبرا إدخال أول نظم الإضاءة الحديثة فقد عرفت انجلترا هذا النظام سنة 1820 علي يد م. جالوي فأمر محمد علي باستدعائه لعمل التجهيزات الخاصة بذلك في قصره فيما كان وقتها إنفراداً غير مسبوق ونقلة نوعية كبيرة كما تفرد القصر في جمعه بين الأسلوب الأوروبي في الزخارف وروح تخطيط العمارة الإسلامية فالقصر بني بروح بناء المسجد فهناك أربع ظلات تحيط بفسقية ضخمة وكأنها ساحة مسجد. أما رسوم وزخارف القصر فنفذت بأسلوب الرسوم الايطالية والفرنسية في القرن التاسع عشر حيث استعان محمد علي بفنانين فرنسيين وايطاليين ويونانيين وأرمن لزخرفة قصره و من الروائع التي ضمها القصر لوحات أثرية لمحمد علي باشا وأفراد أسرته. وهناك أيضاً برج الساقية الذي تتمثل روعته في كون المهندس الذي انشأه بناه علي ارتفاع كبير ليحقق بفارق المنسوب قوة اندفاع للمياه بما يكفي لتشغيل نافورة الفسقية وكان يسحب مياه النيل عبر نفق ليصب بعد مروره في الساقية في 4 أحواض يتم تنقية المياه خلالها قبل مرورها في حوض الفسقية نقية لتخرج مرة أخري عبر قنوات للري.
الترميم وإعادة الإفتتاح
خضع القصر لمشروع تؤميم شمل الترميم الإنشائي والمعماري وترميم الزخارف وتنسيق الموقع العام وكان لكل جزء مشاكله الخاصة فمثلاً قصر الفسقية كان متداعياً والفسقية تم فك رخامها عند محاولة ترميمها أوائل ثمانينيات القرن الماضي وإنقاذ الجمالون الحامل لزخارف سقف الفسقية كانت مهمة شاقة وكذلك انقاذ الزخارف فقد كانت من نوع لم يألفه المرممون المصريون وأغلب الرسوم نفذت بأسلوب الرسوم الايطالية والفرنسية في القرن التاسع عشر لذا تم استدعاء 15 خبيراً في ترميم النقوش والرسومات بطوله لفك لوغارتم الزخارف التي تزين القصر وإزالة أي ترميم خاطيء تم عليها وإعادتها لأصلها ثم ترميمها علي هذا الاصل. إفتتح قصر محمد على باشا بشبرا الخيمة عام 2005 بعد انتهاء وزارة الثقافة من ترميمه وتطويره بتكلفة 50 مليون جنيه ليصبح مزاراً سياحياً ومركزاً عالمياً لإستضافة المؤتمرات وكبار الزوار.