الصحة النفسية قوام أي سلوك إنساني سوي، ويؤثر معدل وجودها سلبا أو إيجابا على إتزان الفرد العقلي والجسدي، لذلك كان لنا حوار مع أخصائي الطب النفسي الدكتور زياد يانس للحديث حول الصحة النفسية وسبل المحافظة عليها.

بداية ما هو مفهوم الصحة النفسية؟
الصحة النفسية هي الشعور بالسعادة والرضا وتحقيق الذات، مع القدرة على الأداء بما يوازي هذه الأحاسيس، وترتبط الصحة النفسية للإنسان بعدة وظائف، ويرتبط إستقرارها طرديا مع إستقرار صحتنا النفسية من عدمها، سواء في علاقتنا المباشرة مع الأخرين، أو علاقتنا مع بيئتنا المحيطة، يتحقق ذلك من خلال تواصل عدة عوامل أولا الوظيفة العاطفية الحسية والشعورية، والقدرات العقلية والإدراك والمحاكمة الذهنية، مع السلوك والطبيعة الإنسانية في الحياة اليومية، والتواصل النفسي والروحي مع المحيط، كل ذلك مع المقدرة على إستخدام الحواس الخمس.

هل حقيقي أن هناك واحدا من كل أربعة أشخاص، عانى أو سيعاني اضطرابات نفسية خلال حياته؟
نعم لأن المعاناة النفسية في حد ذاتها متدرجة، تختلف بإختلاف الحالة المرضية التي تصيب إحدى الوظائف سابقة الذكر، إذا نظرنا إلى عدد تلك الوظائف مجتمعة، ثم راقبنا ما يحدث عند إضطراب أحدها، سنجد أن الرقم ليس كبيرا إطلاقا، فغياب إحدى وظائف الصحة النفسية يؤدي إلى نشوء المرض، ما يجعلنا نتصرف بطريقة لا تتناسب مع بيئتنا المحيطة، عاجزين عن قراءة الواقع، كونها ترتبط بشكل أساسي في مدى قدرتنا على التواصل الإجتماعي والذهني والنفسي، كما لا يغيب عن بالنا، أن بعض العلل يزول بسرعة، فيما يتطلب بعضها الأخر وقتا طويلا للشفاء، أو علاجا مستمرا مدى الحياة، ناهيكي عن ببعض العلل المنتكسة التي تعاود أصحابها مجددا بعد شفائها.

كيف تؤثر الأمراض النفسية على الصحة الجسدية؟
أولا كلما كانت الأمراض مزمنة ومؤثرة على الوظائف العقلية أكثر، زاد تأثيرها على الوظائف الجسدية بشكل أكبر، فالأنفعال النفسي يؤثر بشكل كبير علي مناعة الجسم، فمريض الفصام مثلا تقل قدرته على إدراك الواقع ويعيش داخل عالمه التخيلي الخاص، مما يؤدي إلى قلة إهتمامه بصحته الجسدية من الناحية الغذائية وبالتالي ضعف عام للجسد ومناعته، ناهيكي عن بعض مرضى الفصام الذين لا يرون حاجة في الذهاب إلى الطبيب لإعتقادهم أن الأعراض التي يمرون بها ناجمة عن أحداث عالمهم الخاص لا بسبب المرض، ثانيا تدفع الأمراض النفسية المصابين للإتيان بسلوكيات غير صحية، مثل عدم التغذية السليمة، وعدم ممارسة التمارين الرياضية، الإمتناع عن تناول الطعام لفترات طويلة والتقليل أو الإفراط في النوم، التي تؤدي لاحقا إلى خطر الإصابة بالأمراض العصبية، والقلبية الوعائية وداء السكري، ثالثا جميع أدوية الأمراض النفسية لها أعراض جانبية تسبب الأمراض  مثل داء السكري، وتصلب الشرايين.

متى تبدأ االمشاكل النفسية عند الأطفال؟
تبدأ نصف أنواع المشكلات النفسية عند الأطفال في سن مبكرة ، وتتطور بشكل بطيء نفسيا وروحيا وحركيا، على سبيل المثال مرض التوحد، الذي يمكن أن تظهر أعراضه على الأطفال، قبل سن الثالثة، مسببة عجزا في قراءة الإشارات وتحديد السلوك بما يتناسب مع سلوك الأخرين، أما النصف الأخر من المشكلات فتبدو أعراضها على المراهقين بعد سن الرابعة عشر، مؤدية إلى عجز الانفصال عن المجتمع البالغ نتيجة إنعدام شعورهم بالاطمئنان، ما يصيبهم بحالات من الاكتئاب والقلق، إلا أن أغلب مشكلات الأطفال غير مزمنة وقابلة للشفاء بالأدوية والعلاج التدريبي، فيما يمكن تخفيف آثار الأمراض المزمنة منها مثل التوحد، عن طريق مساعدة الطفل على التعاطي مع محيطه، ولكن المشكلة تكمن في رفض بعض الأهالي عرض أبنائهم على أطباء نفسيين، بدعوى أن مشاكلهم ستزول تلقائيا مع مرورالوقت.

بماذا تنصحهم الأباء ؟
ليس من السهل أبدا على الوالدين، التمييز بين نضج الأطفال ومرض نقص الأداء لديهم، مثلا حين يبدأ طفل ما بالذهاب إلى المدرسة، يلاحظ المعلم أنه يعاني نقصا في التركيز أثناء دروسه، وأداء الفروض التي تطلبها منه، غالبا سيعتقد ذاك المعلم كما الوالدين، أن المشكلة عابرة، تزول بنضج الطفل مع مرور الأيام، بل أنه لن يستطيع أيضا تمييز ما إذا كانت مشكلة نقص التركيز لدى الطفل ثانوية نتيجة انشغاله بأشياء أخرى، أم أولية بسبب سلوك مختلف ونقص تركيز ناتج عن عجزه ضبط إيقاعه مع محيطه، هنا يلزم على المعلم أو الوالدين، اللجوء إلى مساعدة طبيب نفسي مختص، لتقييم حالته ومعرفة ما إذا كانت المشكلة مرتبطة بنقص التركيز وفرط النشاط أم غير ذلك، بدلا من ابقاءه دون رعاية صحية، ليزداد مرضه تفاقما.

                                                                        
ما السبب وراء إكتئاب الكثيرين نتيجة الأجواء فصل الشتاء؟
تؤكد جميع الدراسات العلمية، أن النور أحد أسباب الصحة النفسية، بينما يؤدي الظلام إلى المرض، ذلك لأننا نمتلك في أجسامنا هورمونات معينة يقل إنتاجها في الظلام، على سبيل المثال، لو وضعنا امرأة داخل كهف مظلم، مدة ثلاثة أشهر يفقد جسدها قدرته على تمييز الليل من النهار فينقطع عنها الطمث، أيضا حين نعرض شخصا ما إلى نور الشمس يتغير لون بشرته نتيجة إفرازها صبغ الميلانين، أما إذا جعلنا شخصا أخر ينام طوال النهار ويستيقظ طوال الليل، يتغير إنتاج دماغه من هورمون الميلاتونين المنظم للنوم، كذلك الحال في الشتاء، كما أن ارتداء الملابس الغامقة الألوان نهارا، يسبب امتصاصا للنور والإضاءة من حولنا ويصيبنا بالكآبة، لذا أنصح هؤلاء الأشخاص بممارسة الأنشطة الإيجابية التي تؤدي إلى ارتفاع منسوب النشاط، مثل الأنشطة الاجتماعية، الرياضية الذهنية والثقافية، التي تؤدي إلى تفعيل الجسد، ذهنيا وعصبيا وعقليا، لمقاومة حالة الاكتئاب، والتعرض لأكبر قدر ممكن ومتاح من أشعة الشمس.

بماذا تنصح المرضى الذين يتحرجون من زيارة الطبيب النفسي؟
الطب النفسي مرتبط عند أكثر الناس بكلمة الجنون والحقيقة أنه لا فصل بين الكلمتين كليا، فالصحة النفسية ترتبط بعدة وظائف، ينتج عند إضطراب أحدها مرضا نفسيا، سواء كان اكتئابا، أو وسواس قهري، أو هوس اكتئابي، أو قلق وتوتر، أو أية أعراض نفسية ناتجة عن مرض نفسي يهدد الحياة، لذا أنصح بعدم الخجل من زيارة الطبيب أو الأخصائي النفسي عند التعرض لمعاناة نفسية للبحث عن العلاج في مكانه الصحيح.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام