من منا لم يمر بتلك التجربة أياً كانت سهولتها أو قسوتها فمجيء الطفل الثاني أو طفل جديد بوجه عام تحدياً بالغاً لأخوته الذين قد يرون فيه كائناً غريباً وربما دخيلاً جاء إلي عالمهم ليستحوذ علي اهتمام الأب والأم ويتخذ مكان هامة كانت حكراً عليهم، كيف تعاملتي مع الأمر؟

تعد تربية الأطفال تحدياً بالغاً وخاصة بقدوم وافد جديد علي الأسرة يستحوذ لصغر سنه علي الإهتمام والرعاية. تجد الأم والأب أيضاً أنفسهم في حيرة كبيرة فعليهما الإهتمام بالمولود الصغير وفي الوقت ذاته التعامل بدقة وحساسية وحذر مع مشاعر الطفل الأكبر الذي يعجز في الأغلب عن إستيعاب السبب في عدم تصدره للإهتمام الأقصي كما سبق ولا يستطيع لصغر سنه إستيعاب حقيقة وجود كائن جديد هو له أخاً أو أختاً وليس منافساً علي قلب الأم والأب والجدة أيضاً. مشكلة حقيقية مرت علي الكثيرين، البعض نجح في التعامل معها فيما فشل آخرون في إستيعابها وعاني منها حتي إنتهت من تلقاء ذاتها، مشكلة شائعة والحل بسيط، فقط ضعيها بقالبها المناسب وتحلي بالصبر حتي يمضي الوقت وتزول أعراضها من تلقاء ذاتها.

بداية لا بد أن نعرف أن الغيرة إحدى المشاعر الإنسانية التى لا يجب إغفالها أو التعامل معها بكونها ذنباً، بل هي عاملاً أساسياً لبناء شخصية الطفل بشكل سوي كما أنها أمر طبيعي بين الأشقاء وزملاء المدرسة أو الأصحاب في النادي، فالغيرة قد تكون عامل بناء أو هدم ويجب على الوالدين تفهم مشاعر الأبناء والإعتراف بالسلبيات التى توتر العلاقة بينهم والتعامل معها بحكمة لتكون سبباً فى مزيد من النمو والنضج لشخصية الأبناء.

    

تبدأ مشاعر الغيرة فى الظهور لدى الطفل الأول الذى يحتل العرش بلا منافس من كل أفراد الأسرة ممن يفسدونه بكثير من الدلع المبالغ به، يجد الطفل نفسه يتنازل عن كل العرش رغماً عنه ليحتل أحضان الأم وليد جديد ينظر إليه الأب بكل حنان وإعجاب ويتجاهل الطفل الأول الذى لا يملك سوي أن يكتم مشاعر الغيظ والضيق من المنافس الجديد فيعانى التوتر ويعبر عنه صراحة برفضه وكرهه للمولود الجديد واللجوء أحياناً لحيلة نفسية دفاعية لتقليل حدة التوتر والألم النفسى بأن يرتد لمرحلة مبكرة من طفولته يجذب بها إنتباه الوالدين وتدعى النكوس فقد يتبول على فراشه ويطلب الرضاعة واستخدام أدوات المولود أملاً فى نيل الإهتمام والرعاية وهروباً من مواجهة خيبة الأمل بحلول الضيف الجديد. في أحيان أخري، يتعمد الطفل الأول تشتيت إنتباه الوالدين وإغراقهما في المشكلات لإبعادهما عن المولود الجديد كأن يفتعل البكاء أو المرض أو الحالة النفسية والمزاجية السلبية بدون سبب واضح سوي الغيرة الدفينة بداخله وقد يلجأ أيضاً لأساليب أكثر عدوانية قد تلحق الضرر بالمولود الجديد فيتعمد إيذائه دون إدراك تبعات أفعاله وقد يتعمد إحداث أعمال تخريبية بالمنزل للإستحواذ علي إهتمام الوالدين حتي ولو بالسلب والعقاب للعودة لعرشه السابق وتصدر أولويات الجميع.

علينا تقبل أحاسيس الغيرة بهدوء وبدون إنكار فبعض الأمهات تدعى أن السبب هو الحب المبالغ فيه أو عدم الفهم من الطفل وليست الغيرة والأسوأ من ذلك أن تنتاب الأم مشاعر الذنب والتي إذا ما شاهدها الطفل سيعتقد فعلاً أن والديه قد ارتكبا خطأ فى حقه، مما يزيد من شعور الغيرة والغيظ إزاء المولود الجديد وقد تتحول لكراهية.

قد يعبر الطفل عن غيرته بالكلمات فيجب تشجيعه على التعبير عن أفكاره ونؤكد له أن اهتمامنا به كإنسان كبير يختلف عن اهتمامنا بالوليد الصغير الذى يحتاج لرعاية فى الأكل والنوم وتغيير ملابسه ويجب على الأم أن توضح له كيف أن المولود الجديد لا يستطيع الجلوس أو الكلام أو الفهم أو اللعب ولا يستطيع الخروج من البيت أو اللعب وبالتالى تنمى عنده الإحساس بالفخر لأنه الأكبر سناً والقادر على القيام بكل ذلك وحده، وحين يعقد الطفل الأكبر مقارنة بينه وبين الوليد ويطلب من الوالدين أن يكون هو الأقوى والأحلى منه، يجب أن نوافقه على ذلك ونشرح له كيف أن الحياة أفضل كلما كبرنا واعتمدنا على أنفسنا، يمكن للوالدين أن يوفرا للطفل فرصة لتحمل بعض المسئولية فى رعاية الوليد الجديد بأن يساعدها فى إحضار ملابسه أو تحضير مستلزمات الحمام له، وهكذا يجد نفسه يلعب دور الراعى والأب مع الحرص الشديد أثناء ذلك لعدم تركه بمفرده مع الوليد الصغير لئلا يؤذيه بقصد أو بدون قصد، فغالباً ما يرغب الطفل فى حمل الوليد مما يشكل خطورة عليه.

مع إستمرار حب الوالدين وإهتمامهما بالطفل الأكبر وعدم إغفال تشجيعه والخروج معه منفرداً وإشعاره بأهميته وصلابة مشاعرهما تجاهه، يستعيد الشعور بالتوازن النفسي والإطمئنان والراحة. كما أنه لا بد من التمهيد لولادة الطفل الجديد قبل ميلاده بشهور للإعلان عن قدوم هذا الضيف بدون حماس زائد أو مشاعر فرحة مبالغ فيها، وينبغى علي الوالدين تجنب ألا يشعر الطفل بالذنب نتيجة لمشاعره السلبية تجاه الوليد بالسماح له بالتعبير بالكلمات ثم توجيه هذه الأحاسيس للناحية الإيجابية بالتأكيد على مكانته بالأسرة وأنه ما زال محبوباً ومتميزاً ونحتاج مساعدته فى أحيان كثيرة. 

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام