فنانة عالمية من أصل مصري خطفت قلوب الملايين في حفل موكب نقل المومياوات المصرية إلى متحف الحضارة، فتميزت بأدائها الأوبرالي وبأغاني ترجمت أصالة التراث الشرقي العريق الممزوج بحداثة الغرب، إنها فنانة الأوبرا أميرة سليم، كان لنا معاها هذا الحوار عن الفن وإعادة إحياء التراث الفرعوني من جديد.

حدثينا عن البداية؟
تربيت في منزل عاشق لكل أشكال الفن فوالدي هو الفنان التشكيلي الراحل أحمد فؤاد سليم ووالدتي عازفة البيانو العالمية مارسيل متي، نشأت في أجواء البروفات مع أمي وتدربت على البيانو وكان عمري ستة سنوات كما عشقت المسرح منذ صغري وكنت أشاهد الفنانين وأقلدهم وأثناء المراهقة درست الباليه والبيانو وأرسم.

ما الذي جذبك للغناء الأوبرالي؟
حضرت مع أمي القداس الجنائزي لموتسارت وأعجبت بالكورال وتملكتني رغبة شديدة أن أصبح جزء من السيمفونية وبدأت الرحلة من المركز التعليمي بالأوبرا والكونسرفتوار ثم فرقة الأوبرا وأولى خطوات الغناء الأوبرالي. بعدها حصلت على منحة دراسية بالمدرسة الفرنسية بباريس وهي متخصصة في تأسيس الأصوات الأوبرالية وتمنح الخريج شهادة غناء محترف علي غرار المعاهد العليا وكنت أغني أيضاً في إيطاليا مع أستاذتي جابريلا وخلال هذه السنوات كنت أتردد على أوبرا القاهرة.

     

حدثينا عن أدوات المغني الأوبرالي وهل تمتلكيها؟
سنوات طويلة من الخبرة والعمل والدراسة لخلق صوت بألوان ودرجات مختلفة فيجب أن يصل صوته لآخر شخص بالقاعة بدون ميكروفون وهو أمر يحتاج لسنوات طويلة. في البداية كان صوتي خفيف وطفولي لكن كان لدي سهولة في الطبقات العالية ثقلتها بالتدريبات وتدربت على تكنيك الصوت والنفس وتفتيح أماكن الرنين وزادت مساحة بصوتي وعرضه وعمقه حتى وصلت لذبذبات صوتية ناضجة ومريحة. فنان الأوبرا مغني ومؤدي وممثل ومسرحي والتمثيل جزء أساسي من العمل لذا شاركت بعدد من الدورات التمثيلية في مصر وفرنسا ودرست كيفية فهم الجزء النفسي للشخصية والوقوف على المسرح وتقمص الدوربالتماشي مع قواعد المسرح.

ماذا عن أول عمل فني؟
أوبرا زواج فيغارو لموتسارت كان أول أعمالي وكان دوري صغير لطفلة تدعي باربرينا وقدمت مقطع أغنية بمفردي وحققت نجاحاً كبيراً لأن خامة الصوت كانت في مرحلة النضج فكان الدور يليق بصوتي. شاركت أيضاً بالنسخة العربية لأفلام ديزني من خلال فقدمت دور درية في فيلم سندريلا وشاركت في فيلم الغزال بامبي بأغنية "مهما العمر يطول".

هل يجوز أن يتفاعل فنان الأوبرا أو يرتجل؟
غير مسموح لمغني الأوبرا بالإرتجال ولكن قد يحدث في حفلات خاصة مع الأوركسترا أو البيانو فقد يتفاعل مع الجمهور بحركة على المسرح أو بنظرة أو بنغمة عالية ولكن في إطار الأوبرا فالأساس هو عدم الخروج عن الإطار المحدد من قائد الأوركسترا.

ما أنواع فنون الغناء الأوبرالي؟
له أنواع كثيرة منها التراجيدي وبه قصص حب كروايات شكسبير وهامليت وأوفيليه وهناك الكوميدي وهو الأصعب ويحتاج لمجهود أكثر في الأداء ودرجات الصوت ويجب أن تكون مكتوبة بطريقة استعراض صوتي بعكس التراجيدي الذي يحتاج لعمق وحقيقة أحب أن أقدم الاثنين فأنا أعشق التحدي وأحرص دوماً عليه.

كيف تم ترشيحك لموكب الموميات؟
رشحني المايسترو نادر عباسي وقد عملنا معاً بمصر وخارجها وشعرت بالحماس عندما أرسل لي المقطوعة لتجربتها وملأني التحدي لعشقي للغة المصرية القديمة لدرجة أنني كنت أحلم بها ليلاً وحرصنا على خروج العمل بشكل مبهر فيجب علينا أن نقوم بإحياء لغتنا وتراثنا الفرعوني قبل أن يقوم الخارج بهذا الدور عنا ولدينا مصادر متعددة وأساتذة في علوم اللغة المصرية يمكننا الرجوع إليهم للقيام بذلك.

كيف كانت التحضيرات لإنشودة مهابة إيزيس ؟
مقطوعة أكثر من عبقرية تحمل روح الأوبرا والهوية الموسيقية المصرية وتقديسا للألهة إيزيس, مما عكس الثقافة الموسيقية الكبيرة لهشام نزيه. والفكرة من مقطوعة إيزيس هي أن يتم سحب الروح للعالم الأخر وبالتالي لها رمزية عميقة, لذلك تدربنا كثيرا مع هشام نزيه والمايستروا نادر العباسي لإتقانها. والغناء باللغة الفرعونية أمر جديد وفريد من نوعه ويتطلب بالتأكيد استعدادات خاصة على مستوى النص واللحن والأداء فكان تحدي صعب ومقلق لتعلق الأمر هنا بإيقاع اللغة وجرسها الموسيقي في الأذن. ولكن اختار هشام نزيه نصا حمل كلمات ذات إيقاع ملائم للأذن وسهل في النطق واستغرق ذلك بحثا طويلا وشاقا وتدريبا لاتقان نطق اللغة الهيروغليفية. كما كان اللحن سلسًا وقائمًا على جمل موسيقية تمس القلب.

ما التحديات والصعوبات؟
ترجع الصعوبات في البداية لشخصية اللغة القديمة واختلافها عن أي لغة أخرى فإيقاع اللغة مختلف تماما بالرغم من تقارب اللغة الفرعونية من اللغة العامية المصرية لدينا مثل" الست وبس وبخ ومش وبتاعك وامبو وتاتاتاتا" وغيرها من الكثير من الكلمات القصيرة والتي نستخدمها في حياتنا اليومية, ولكن كانت الصعوبة تكمن في كيفية غنائها بشكل أوبرالي شرقي  فكان يجب وضعها في مساحة صوتية محددة ليصل الإحساس بها. لذلك عملنا مع هشام نزيه ونادر عباسي على ألوان وطبقات مختلفة للصوت, كما عملنا على طبقة الصدر التي نتحدث بها  ورنين الرأس وهو الصوت المستعار وطبقة الوسط التي تجمع ما بين الاثنين, ولذلك كان خروجها بهذا الشكل المبهر أمر صعب جدا, ومسئولية كبيرة في الأداء واستخدام الصوت للغة المصرية القديمة لتخرج وكأننا في معبد, وشعرت وقتها بأننا في حالة تواصل فعلي مع ال22 ملكة وملك وكأني في معبد حقيقي.

حدثينا عن اهتمامك بعلم المصريات؟
اعشق علم المصريات.. فكل لحظة اتعمق في هذا العلم اكتشف أشياء وأمور جديدة سواء من الناحية العلمية أو الثقافية, فقد كانوا متقدمين في كل أنواع الفنون .

هل سيتم تقديم أعمال مشابهة الفترة القادمة ؟
هناك محاولات لإعادة هذا العمل الفني مرة أخري في الأقصر واعتقد بعد نجاح التجربة وإبهار العالم بها لا مانع من تكرارها بشكل مختلف, فلا يزال لدينا الكثير من الفنون المصرية القديمة لنعيد إحيائها مرة أخرى للعالم .

كيف تطورين من نفسك؟
أؤمن بفكرة أننا نتعلم لأخر نفس لنا في الحياة, واعمل مع نفسي باستمرار لاكتساب خبرات جديدة وإعادة اكتشاف أدواتي وألوان صوتي المختلفة فالكثير من زملائي لم يتوقعوا ما حدث في الموكب.

مع من تحبين العمل ؟ ودويتو مع مين؟
عملت مع موسيقيين وقائدين أوركسترا كثيرين واستمتعت جدا مع نادر عباسي وأنا كفنانة لا أحب الحدود أو وضع شروط للعمل مع أحد, لدي فكرة التحدي والتجديد وقد أقدم دويتو مع فرقة أو شخص.

البعض كان يقول أن عامة الشعب لا تتذوق موسيقى الأوبرا وهذا اللون من الفنون.. هل كان نجاح "مهابة إيزيس" ردا قاطعا على تلك المقولة؟
الشعب المصرى حساس ومرهف المشاعر ومتذوق للفن وعندما قدمنا مقطوعة أوبرالية تخاطب هذه المشاعر وقريبة من الهوية المصرية تذوق المصريون هذا الفن وقدروه وتفاعلوا معه. والمهم أننا قدمنا لحنا يحمل الهوية المصرية بإخلاص ودقة فلمس قلوبهم. وبعد الموكب رأيت ردود أفعال مبهرة فهناك الكثيرين الذين قاموا بنشر مقطوعات قدمتها من قبل واستقبلت رسائل من الجماهير أن هناك أفراد لم يسمعوا أوبرا في حياتهم ولكن من بعد الحفل بدأو في البحث عن الأغاني الأوبرالية واعتقد أن هناك باب تم فتحه على الذوق الحقيقي للفن وسيستمر إذا تمت متابعته والاهتمام به بشكل جيد. فنحن كجمهور مصري لدينا القدرة على استقبال أنواع الموسيى المختلفة وأنا سعيدة جدا بأن يتذوق المصريون هذا العمل الفني بكل هذه المحبة والترحاب وهذا دليل على أننا شعب ذواق للفنون والموسيقى وذوقنا الراقى موجود وحاضر في الوجدان طوال الوقت.

كيف رأيت رد الفعل بعد الحفل وخاصة من الخارج؟
وصلتني ردود أفعال من كافة أنحاء العالم, من جمهور وأصدقاء من فرنسا والدنمارك وإيطاليا وألمانيا وإنجلتر وأسبانيا والبرازيل وأمريكا اللاتينية منبهرين بعظمة الحدث, وغير مصدقين أن مصر قادرة على تقديم تلك العظمة. ولكن رد الفعل الذي ترك أثرًا في نفسي هو الذي جاء من الجمهور المصرى.

ما الجديد ؟
جاري التحضير لعدة حفلات أريد أن أقدم من خلالها ألوان مختلفة للفنون سأقدم من خلالها أضافة للفن المختلف سواء كلاسيك أو عربي مع قليل من الأوبرا مع إعادة إحياء تراث سيد درويش. ونعمل على تصوير أغنية إيزيس في معبدها بالأقصر مع تقديم عدة أنشودات في أماكنها على سبيل المثال إذا كان هناك أنشودة للإلهة حتحور ستقدم في معبدها.

ما الذي ينقص فن الأوبرا في مصر؟
تجديد الإنتاج نحن نقدم نفس العروض منذ سنوات. وتأسيس الشباب فلدينا نقص في التدريس وتحضير الشباب كما نفتقر لجدية المؤسسات الموسيقية كالسابق وللضمير في التأسيس، وبالتالي يجب الأستعانة بخبراء متخصصين في هذا المجال سواء أجانب أو مصريين وأن يحدث احتكاك ما بين الخبرات من خلال المنح الدراسية لاكتساب الخبرات من مصدرها.

هل من الممكن أن تقدمي حفلات لايف عبر المنصات الالكترونية؟
أنا ليس ضد عرض الفن الأوبرالي على المنصات الالكترونية فوسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الأقرب للمشاهد ولكنها تُفقد المغني والجمهور سحر الحضور الذي لن نتمكن من توفيره في فيديو كليب أو حفلة لايف فالموسيقى كائن حي يحتاج للتواصل المباشر.

ما هوايتك بجانب الغناء؟
التدريس وأحلم بعمل أكاديمية لتدريس الفنون.

أكثر ما يميز أميرة سليم؟
تقديم فن حقيقي له بعد وعمق بحرفية عالية.

أميرة سليم الشخصية القوية علي المسرح قوية في الحياة العامة؟
قوية في الحياة العامة على الرغم من الطيبة الزائدة والقوة ضرورية فأنا واجهت الغربة بمفردي ودرست وعشت سنوات طويلة وأيضاً اعمل بوسط ليس سهل يحتاج صبر وكفاح واتزان وتأمل حتى لا أفقد هويتي أو أتشتت واترك الهدف الحقيقي وكل ذلك يحتاج إلى شخصية قوية .

هل 2021 عام الحظ؟
أنا أؤمن بالحظ فأحيانا لا تسير الحياة في الاتجاه المناسب حتى لو كان الشخص مجتهد ولديه ضمير ولكن في النهاية هو توفيق من الله واعتقد أن أي مجتهد سيوفق يوما ما بالتفاؤل والإقبال على الحياة. وسنة 2021 ليست سنة الحظ ولكن هي ثمار 20 عام من العمل وكل ما قدمته من قبل لا يقل أهمية عن عرض الموكب.

إقرأ أيضاً