كائن صعب المراس.. طفل في ثياب البالغين.. عنيد بليونة.. عصبي بهدوء.. كاذب بصدق.. خائن بولاء فطري.. تعيس بسعادة وسعيد في شقاء يدمي من حوله ولا يشعر به.. بريء في قصة خيانة دائمة وخائن بثياب الراهب القديس.. هاديء فى ثورة عارمة.. عاقل بتهور.. صبور علي عجالة.. قاس في وداعة.. واضح في غموض.. ضعيف بقوة بادية وقوي بكل الضعف.. جريء بتخاذل ومتخاذل بنبل الفرسان.. متقلب في ثبات واضح.. متواكل بهمة وعزيمة.. جبان بهيبة.. عنيف بكل الرقة.. مؤلم براحة متناهية.. يكره الأحاديث المطولة وجعبته مليئة بالقصص والأساطير والخرافات وكل الحواديت وما تشتهي الأنفس ويفيض.. أكاذيبه عليك تصديقها ففيها منتهى الصراحة والدروس المستفادة.. يعيب عليك التفاصيل وسردها ويدس أنفه بالصغير قبل الكبير.. لا يمل تناقضاته المرهقة وإن سأمها من حوله.. وما يعنيه بالآخرين؟

فالأصل لديه صورة ذاتية ونقطة تمركز هي ذاته بلا جدال.. كائن شارد.. سابح بين أرجاء الكون.. هائم على وجهه البريء بكل الخبث والمكر والدهاء.. يجوب أطياف الكون بفكره وقلبه وروحه ووجدانه الصارخ، الثائر، المتمرد في سكون ورزانة.. حلم حواء ومنتهي أملها.. في قربها منه نهاية وفي بعدها عنه انتحار.. كائن هو كل السعادة ومنتهي الشقاء.. الأمل واليأس بقالب واحد.. الفأل الحسن والكابوس المدمر.. الجاني ودوماً المجني عليه.. القاتل والمقتول.. أمسها البعيد وأطياف الذكري العذبة وكابوس الواقع ومرارة الوحدة وشبح الغد وتساؤلات حائرة وعلامات استفهام وكثير من التعجب والترقب والوجل والخوف.. وأبداً طيف تسعي إليه.. سراب تركض خلفه وسهم يصيب أحلامها.. يوماً يتقاسماه معاً وغداً لا يدريان كنهه وما يحمله من مفاجآت.. فما أكثر مفاجآته.. رجل.. مجرد رجل.. أو قل هو لها كل الرجال!!

تبحث عنه فينفر بعيداً.. تطارده فيفل مهرولاً وتهرب منه فيعود دوماً إليها.. تلين أمامه فيقسو كل القسوة وتقسو بدورها فيلين ويضعف وراية بيضاء تعلو في الأفق البعيد.. تعزف عنه فيسألها القرب وتقترب منه فيمسى سراباً خادعاً ووهماً.. مجرد خيال!! حيرها آدم.. نعم، حيرها وأتعبها وأشقاها وأرهقها.. تعبت حواء.. خارت قواها.. بكت وبناتها من بعدها.. فلا ظلت علي عهدها ولا نعمت بالجنة ولا انكوت بالنار!! هبطا الأرض معاً والأصل تعمير الكون وأجيال ستأتي تباعاً ومزيد من الانتشار لذلك الجنس البشري الذي أراده الخالق رسالة ودعوى وبداية الخلق ورحلة الإنسان على تلك البسيطة تجمعنا معاً.. وبغير إرادة منها وبكامل قواه، بدأ آدم وأبناؤه من بعده الرحلة وكانت نقطة الانطلاق.. تلك الحدوتة التقليدية التي مللنا تكرارها.. نفس البدايات وكل النهايات تتشابه علي اختلافها والقصة ذاتها تتكرر كل صباح ومساء وبين كل عشية وضحاها، تسقط أوراق الحدوتة لتبدأ من جديد.. ذلك الآدم حير حواء بقدر ما أسعدها وجوده.. آلمها بقدر ما أشاع البهجة بين طيات أيامها الخاملة أبداً بدونه.. نال منها بقدر ما أعطاها وسلبها بقدر ما وهبها بل يزيد.. ركضت خلفه أو قل أركضها خلفه فلا حيلة لها أمامه عقود طويلة ممتدة فكانت نفس الحكاية.. نفس الصورة.. نفس اللون.. اللوحة ذاتها تتكرر بتغير الفصول وتبدل الأشكال وتباين الألوان والأبطال وكل الصور.. خلاصة القول، تبقى حواء ذاتها.. نفس الحواء في حيرة وتيه وضياع وهو آدم.. هو آدم ذاته.. ذلك الرجل.. نفس الرجل.. ومن بعده، كل الرجال!!

مسكينة حواء.. عشقته وما جرم الهوى وعقاب ينزله بها صباح مساء على مدار الساعة.. جريمتها قصة حب أرادت يوماً أن تحياها بين جوارحه الثائرة وحياة يتقاسماها معاً.. مسكينة حواء.. أهدرت طاقاتها في محاولات مستميتة لفهم الفارس المغوار دون جدوى.. وما الجدوى إن كان هو ذاته لا يفهم نفسه الكامنة بداخله.. وأبداً الحيرة نفس الحيرة.. يسألها كل العطاء ويبخل عليها بالنذر القليل.. وبقدر ما تعطيه، يسألها المزيد.. تحاوره بعقلها الواع فتخونها حسابات العقل.. يدق قلبها شغفاً وعشقاً فتنال منها سهامه الجارحة وسؤال حائر على اللسان الصامت وإجابة تائهة بين المقلتين الغائرتين.. أما تتوق آدم للسكينة والهدوء والاستقرار بعد رحلة الكر والفر وقسوة الانتظار.. ألا يندرج بين مفردات قاموسك المتشعب وقف إطلاق النار.. ألست مثلي في سأم من قسوة الأيام وطول الساعات ومرارة الوحدة وصعوبة الركض المستمر علي أرض رخوة بلا هدف ولا هوية ولا نهاية.. ألست الباحث عن الحب ودفء الأسرة وتواصل العاشقين.. ألم يؤلمك شرودك ومنفاك الاختياري.. ألم يدميك صقيع ليالى الشتاء القارصة.. ألا ينتابك مثلي الحنين لربيع المدينة ونسيمه العليل.. مسكينة حواء.. تاهت في محاولاتها المستميتة لفهم ذلك الكائن ولقبه بالمعجم اللغوي الرجل فلا عاشت معه ولا حيت بدونه ولا كانت في البعد ولا نالت القرب.. وأبداً صراع لا يفتأ وقصة لا يكتب لها البقاء.

ولأن شأني شأن بنات حواء مللت التجارب المتتالية والقصص الواهية والأحلام الوردية التي تنقلب بين عشية وضحاها كابوساً مفزعاً وطيفاً أسود اللون.. توقفت عند نقطة ما.. اخترت بإرادتي التوقف وتراءت لي الفكرة الشيطانية.. والداء كما يقولون من قلب الدواء.. لن نفهم آدم بعقل حواء وقلبها إذ هو كائن لا يخضع لحسابات العقل والمنطق فلا عقل له ولا منطق ولا قلب بالطبع ووسيلة واحدة لاستيعابه ما دام الإيقاع به في نهاية الأمر هو الهدف الأسمى وربما الوحيد.. لا تنزعجي عزيزتي حواء.. فلنصدق أنفسنا القول.. لا حياة لنا بدونه ولا حياة لنا معه أيضاً.. فلنقترب منه ولنرتدي ثيابه علي غرابتها ولنفكر بمنطقه اللامنطقي ولنحسب الحسبة بحسبته وإن لم ابتعدت عن الواقعية والعقلانية ولنعقل الأمور بمفهومه ومضمونه الخاوي وأسلوبه غير الهادف ولنرى النتيجة علها تروق لنا ولعلها تحل رموز اللغز الذي حيرنا علي مر العصور.

لماذا يخون الرجل؟ لماذا يكذب الرجل؟ لماذا لا يفهم الرجل؟ لماذا يقسو الرجل؟ لماذا يفر الرجل؟ مليون «لماذا» دون إجابة واضحة.. فالأصل ليس فيها والسؤال بالمقلوب والنفي لا مجال له فالحرب علي أشدها بين الطرفين والجيوش علي أقصى درجات الاستعداد والأسلحة مشحذة وكل العدد مسخرة لخدمة معركة أنت فيها قاتل أو مقتول أو كلاهما معاً.. عقل حواء لا يهدأ ولا يكل ولا يمل وفكرة خبيثة لتحديد الملامح العامة للخطة الحربية المحكمة.. والسؤال بالإجابة وبدل استنكار الرجل، «خليك واعية وذكية» وتعلمي من جدتك الأولي الحنكة الأنثوية والمكر الناعم والدهاء البريء وآه من حواء حين تمكر وترسم و«تتكتكك».. دلليه واشعريه بأهميته وماذا تريد أيها الفارس الهمام؟ يريد أي شيء وكل شيء.. تأبى أنانيته التضحية بأي مكسب متوقع ولو بعيد.. تخونه قناعته مع سيل التضحيات ووابل «السرفيس المجاني» التي تقدمه له حواء دون سبب واضح أو عائد علي ذلك الاستثمار الذي ترى فيه مشروع حياة فيما يراه هو «خنقة وقتية» و«شر لابد منه».. تنازلات.. كثير من التنازلات. تبذلها حواء طواعية قرباناً في محرابه عله يرضى.. عله يلين.. ولا يلين.. ومزيد من التنازلات وقائمة لا تنتهي من الطلبات.. ودوماً ألا من مزيد!! وأبداً لديها المزيد إذ تزخر جعبتها دوماً بكل جديد.. ولا تكل ولا تمل وأبداً لا يكتفي.. ومتي رضا ابن آدم ومتي قنع؟ ومتى توقفت حواء عن العطاء؟ والغريب أنه لا يشعر بذلك كله.. لا يشعر بطلباته التي لا تنتهي.. لا يري تناقضاته الواضحة.. لا يلمس غموضه ولا يشاهد عبر النافذة سوى الكينونة الرائعة التي تحمل توقيعه وتضم كل مطالبه وأسمي رغباته.. يريد منها أي شيء وكل شيء.. الأم الحنون.. الحبيبة العاشقة.. الزوجة المطيعة.. الصديقة الوفية.. الأليفة الناضجة والابنة المدللة.. أسيرة هواه ومليكة مملكته.. يرى فيها كل الصور ويريد منها كل الأدوار.. وتؤديها ببراعة ودقة متناهية وتفان تجعله دوماً في رحلة بحث عنها فلا حياة له بدونها ولا رحلة بدون سيدته وخادمته في ذات الوقت!! وتعلم هي ذلك جيداً وتتقن دورها حق الاتقان فهو منها وأبداً لها.. الرجل.. كان ولا يزال الهدف الأساسي.. الإيقاع به بين شباكها الذهبية ومصيدتها المخملية وذلك القفص الذهبي المحكم إغلاقه كان دوماً الهدف الأسمى لرحلتهما معاً.. ولو سألت حواء، لوجدتها على دراية تامة ووافية بكل ما يريد الرجل.. تستطيع ببراعة تأليف الروايات المطولة في «وصف الرجل».. بإمكانها إلقاء المحاضرات التفصيلية عن أفضل الوسائل لتحقيق التوافق بين الكائنات البشرية.. آدم وحواء.. تعلم دورها بجدارة وتجيد أداءه.. لكنها أبداً تجيد النصح للغير ولا تجيد التطبيق على الذات.. والحل بسيط.. أدركته جدتي بفطرتها البسيطة فنجحت فيما فشلت فيه اليوم حملة الدكتوراة والمدافعات عن حقوق المرأة.. نالت جدتي كل ما تريد وأكثر مما تريد.. فقط «أخذته علي عقله».. خلقت له لعبة «سي السيد» وفازت بكل الحياة.. كانت الآمرة الناهية وعليه كل الأعباء.. وبذكاؤه، يظن العكس.. ألقت علي مسامعه كل ما يبغي سماعه.. تركته «علي فرعه» فزاد ارتباطه بها.. ولأن «سي السيد» لا يعيش سوي علي الأوامر فلا حياة له بدون «أمينة» التي تنفذ أوامره.. ومن غيرها.. الملكة أمينة بغض النظر عن رأيه بها.. كانت جدتي وكل الجدات قمة في المكر الأنثوي الفطري..

واليوم، نكافح.. نقاتل.. نستميت.. لنفهم الرجل.. وما حاجة لك بفهمه؟ وكيف تفهمين من لا يفهم ذاته من الأساس؟ ونصيحة جدتي ونصيحتي لك.. لا تفهمي الرجل.. ما من ميزة لاستيعاب من لا يعي نفسه.. فقط.. الهدف.. ثم الهدف «املكيه وأأسريه فلن تكسبي شيئاً إن حاولتي تفهميه»

إقرأ أيضاً