لماذا أحزن؟ ولماذا أهتم؟ كان الإرتباط قراري وقدري عند الإنفصال، لم أتكدر لرحلة لم يكتب لها الدوام ومشوار لم يكتمل ومن يدري أين الخير ومن يدرك حسابات القدر والقدر هو الله وقدر الله لا يأتي إلا بالخير.

إذن فطلاقي نعمة ونهاية حياتي معه بداية جديدة لسنوات عمري بدونه ومن يدري ما يخبئه لنا القدر وما تحمله لنا الأيام. واليوم، حرة أنا طليقة، أنهت كلمة صغيرة هموماً كبيرة تقاسمناها وواقعاً أليماً سحقت دقات ساعاته متعة اللحظة وأمل الغد ووضعت خاتمة ما كان لها لولا مشيئة القدر بداية وما كان لها لولا رغبة خفية جمعت المحبين علي حياة كانوا يرون فيها منذ بدايتها بوادر الإنفصال. نعم، أحببته بكل جوارحي لكن تفاصيل صغيرة باعدت بيننا المسافات وصعقت في القلب نبضات السعادة، حلمت بحياتي معه ليمسي الحلم وهماً وينكشف سراب خادع رأينا فيه يوماً بريقاً زائفاً ومتعة وقتية وقصة إلي زوال.

هكذا حادثت نفسها أو هكذا أرادت أن تسمع صوتها المنهك ونفسها الشاردة.. حيرة، قلق، توتر، دهشة ومئات من علامات الاستفهام تتراءي أمام عينيها، استفهام أو تعجب والأصل فيها استنكار لواقع فرضته عليها إرادة قوية في لحظة ضعف، هكذا أرادت أن تبعث في نفسها شيئاً من السكينة والهدوء في محاولة تهدئة لروحها الثائرة وإعادة سكون نفسها المتمردة علي صفحة الأوراق الممتدة أمامها. فنجان القهوة السادس يشرف علي الرحيل ودموع خرساء تنساب في صمت إليم علي صفحة وجه جميل هاديء ذبلت ملامحه بعد أن كانت يوماً تضيء بكل النور والأمل وكل الحياة وبريق العين الخافت يذوب بين نظرات الأسى والحزن يعتصر القلب الصغير وروح حزينة بدونك وتعيسة معك. أحبك ولا فرار وحياة مستحيلة باعدت بيننا ونهاية محتومة وإن كانت كريهة، ثقيلة، مرهقة بإنفصال هاديء مزق القلب والروح والوجدان. نظرات العالم من حولي تحاصرني، تخنقني، تدينني، تعاندني، تشل قدرات عقلي وتمحو من باطني تلك القوة الخفية التي تدعمنى وكانت يوماً ما تشكل ملامحى وتلون أحداث حياتى القصيرة علي طولها، الضيقة علي امتدادها وطول ثوانيها ودقات ساعاتها.

وللحق، لست وحدك فهناك خلف الجدران تقبع في صمت مئات القصص الحزينة. خلف الأبواب المغلقة في كل بيت أمست نهاية تعيسة لمفردات قصة لم تكتمل والكل هاديء في مجابهة الثورة العارمة لشقي الرحا التي تنشطر ولا أمل في التحام بعدما التصقت دون رغبة من أصحابها في التواصل. مئات بل قل آلاف من القصص نتداولها. من تكرارها، مللنا تفاصيلها المتشابهة وصورها المتداخلة، مللناها وكرهناها وأجهشنا معها في البكاء لنضحك عليها في نهاية الأمر. نتعاطف معها لنثور عليها ودوماً ندينها وندين مجتمع ما زالت نظرته العقيمة الباردة الجامدة لا تتغير رغم تغير كل الصور من حوله ودوماً تحمل تلك المطلقة الصغيرة عناء التجربة وثقل الفشل وعبء الانفصال وأبداً عليها أن تمحو من قلبها الأمل في بداية جديدة وحلم يحيا بين جوارحها وعليه أن يختنق ويموت بموت قصة ونهاية سطر قصير وخاتمة غير محببة بينما يعيش الرجل حراً طليقاً في انتظار الصيد الجديد والقصة المرتقبة.. مجتمع أحمق ظالم صنع من المرأة وعاء دائماً لتعقيداته البالغة وانتقاداته اللاذعة. تتجرع وحدها الأسى ويبقي الرجل بمنأي عن فنون العذاب التي تتلقاها وحيدة الواحدة تلو الأخرى علماً بأنه الطرف الآخر لنفس القصة التقليدية في تلك الحلقة المفرغة وربما في كثير من الأحيان يكون السبب الرئيسي أو ربما أحد الأسباب الأساسية لإنهيار الكيان وانشطار تلك الدوائر المغلقة. تغيرنا كثيراً عن ذي قبل، انفرجت أسارير المجتمع لتقاليد غريبة استحدثها من مجتمعات وحضارات بعيدة عنه وبقت نظرته عقيمة تجاه المطلقة وكأنها جرثومة حية لابد من التخلص منها والغريب أيضاً والطريف في نفس الوقت منزلاً يجمع الأخوة بفتاة شابة مطلقة وفتي رجل علي أعتاب الزواج فنجد الأم تدعو لإبنتها بشريك جديد وحياة أسعد وتنهى ابنها عن الإرتباط بمن يهواها قلبه لمجرد كونها مطلقة!!

ولأن تحديد السبب الحقيقي للإنفصال هو أمر خاص جداً بأصحابه مهما قالواعنه وأفردوا في سرد تفاصيله، تبقي المطلقة وحدها تدفع الثمن منفردة من سنوات عمرها وتفاصيله يوماً بعد يوم. والحل.. لا شيء.. صعب تغيير المباديء الراسخة وتلك المعتقدات التي علي قدمها لا تزال تحكم العقول المتحررة والقلوب التواقة إلي الحياة فهذا العالم ذكوري بحت تحكمه أفكار الرجل ومعتقداته وتتحكم فيه أهواؤه علي شطحاتها ورغباته علي جموحها يسانده في ذلك معشر الرجال وكل النساء!! وبنظرة جلية لواقع الأمر، نتبين أن المشكلة في عدم وجود رجل، إذن فما الفارق بين المطلقة والأرملة أو غير المتزوجة؟ كلهن وحيدات بلا رجل. عدم الزواج أصبحت ظاهرة واسعة الإنتشار يتساوي فيها الرجل والمرأة فعنوسة الرجل أيضاً ظاهرة آخذة في التزايد والترمل قدر من الله يشاء فننصاع وتبقى المطلقة وحدها محط الإستفهام وموضع الإستنكار وكثير من التساؤلات وكأنها وحدها المسئولة عن كل مشكلات الكون. وبظل السؤال الحائر متي كان في وجود الرجل وحده الأساس؟ ويا حبذا لو أسفر الزواج عن طفل أو أكثر، تظل المرأة المسكينة ضحية حبيسة ذنبها طوال العمر فما من أمل في ارتباط قريب ولا رغبة في حياة جديدة ولا هم في الحياة سوي رعاية تلك الكائنات الصغيرة المحببة التي تصبح بفعل الطلاق ذنباً لا يغتفر ونهاية لكل شيء، يعفي الأهل وأقرب الأصدقاء أنفسهم من عبء المسئولية فليس منهم من يلوم نفسه علي عدم النصح عند الزواج وعدم التوعية قبل الإرتباط بل الكل يرحب به وكيف التروى؟ والكل يستعجل الخطأ ويتغاضي عن النقاط السوداء فالأم تحلم بالطرحة البيضاء وفستان الزفاف والأب يجري بالأيام في انتظار الحفيد المنتظر ولا دراية كافية لتبعات زواج غير موفق في زمن أصبح الطلاق فيه أمراً هيناً علي صعوبته وأسهل أبغض الحلال علي قسوة تبعاته وعواقبه.

ومن جوف الظلام، انسالت دمعة ساخنة من عينين أرقها السهاد وارتفعت آهة حادة من قلب أضناه الأسي وضحكة عالية جلجلت في خيلاء شقت جوف الليل ورجت أرجاء الحجرة الخاوية. ولم الحزن؟؟ ولم أراها نهاية وإن قدرها كذلك العالم بأسره؟ ولم أدع الظلام يمحو من قلبي بصيص الأمل في الغد؟ ولم أبكي؟ ولم أصرخ؟ ولم أتقوقع؟ ولم أموت وكل ما حولي يدعوني للحياة!! علي العكس، فلأفخر بإرادتي الصلبة التي أورثتني تلك القوة لأضع نهاية لعذاب قبل أن يمتد وشقاء محتوم وبؤس لا نهاية له.. فلأزهو ببأسي وقدرتي علي مواجهة العالم بدلاً من البقاء وحيدة خلف الجدران ولأدع الهم جانباً فالهموم لا تنتهي وآراء الناس لن تصمت ومعتقداتهم لن تتغير و لن تتبدل ونظرتهم لي ستظل عقيمة أبد الدهر. فلأنظر للغد فهو قادم لا محال، ربما تتغير نظرتهم الحادة الجامدة وربما تلين لي قلوبهم الباردة. وإذا لم يحدث، لا يهم.. بماذا تفيدني آراؤهم؟ ماذا تضيف لي رؤيتهم العقيمة؟ لا شيء!! لا شيء يهم.. الأهم أن أحلم وأسعد وأبني، الأهم أن أعيش واليوم سأبدأ. من تلك النقطة السوداء الغائرة، سينتهي الماضي بهمومه وسأعيش وأواصل أحداث أيام ستبدو أكثر إشراقاً وساعات ستطوى بفرح وكثير من الأمل وسأزهو دوماً بإرادتي الصلبة وسأشدو أبداً بقوتي وسأسمو وأعلو ببأسي وشجاعتي وسأفخر دوماً بكوني مطلقة!!

إقرأ أيضاً