للحب معان كثيرة.. عديدة.. متشابكة.. متداخلة ومتناقضة في كثير من الأحوال.. حقيقة نعلمها جميعاً ونعيش تفاصيلها ضمن خضم أحداث أيام تتوالي ساعاتها أمام أعيننا في تتابع مستمر فترينا كل الصور وتذيقنا كل المعاني.. تدفع بنا لليأس تارة وترفعنا لأعلي قمم السعادة لتهوي بنا في بئر سحيقة من أحاسيس متناقضة ومتنافرة.. مشاعر تتفوق سلبياتها علي إيجابياتها تارة لتحمل لنا كل السعادة ودفقاً من التفاؤل وتارة أخري.. نتساءل.. نتعجب.. نستنكر.. نشكو.. نفرح وكثيراً ما نهتم.. ونعيد الكرة ونكرر السؤال.. وأبداً لا نستوعب.. لا نعي المعني الخفي والمدلول الغامض والسر الدفين.. ببساطة ويسر.. هي حياة.. هي سنة قدر وقانون طبيعة صارم يحكمنا.. يرسم لنا الخطى.. أقدار تواجهنا بالاختيار.. وأولاً وأخيراً نختار.. ونحتار.. ومن جديد نختار.. فلا سعدنا بخيارنا.. ولا شقينا به.. وأبداً لا نتوب.. وأبداً لا نحمد.. وأبداً لا نهدأ.. ودوماً نحيا وأبداً لا نعيش!!

ويمضي القطار الصغير براكبيه بحثاً عن سر الكون  ومفتاح السعادة  وهدف كينونة إنسان خلق ليشقى ويشقي من حوله.. بقطع قضبان من معدن أصم لا يلتفت لصراخه ولا يعبأ بساكنيه.. والأصل في الرحلة مشوار نقطعه.. وحياة تمضي بنا.. أيام نحياها.. وهدف نسعي إليه.. تتعدد أهدافنا.. أسبابنا.. وتتوالى صورنا.. تتداخل خطوطها.. تتشابك ألوانها.. وتتشابه فصولها.. وتبقي الحياة.. رحلة بحث عن ضالة منشودة  وأمل بعيد.. نراه في تلك المشاعر الوليدة التي تتوق إليها القلوب والعقول وكل الأفئدة.. نراه في سكون الطبيعة من حولنا.. وربيع يدق أبواب المدينة الساكنة بعد جمود شتاء قارس.. نراه في بسمة الوليد وضحكة الصبية وإشراقة الشمس من قلب الغيوم.. نراه في حنان أم وصلابة رجل هو الأب والأخ والحبيب وعمر يمضي معه.. بحلوه ومره وساعاته الطويلة وثوانيه الغائبة.. نراه في جبروت الطبيعة حين تقسو وقدر مكتوب حتمي وخطى ثابتة نسير عليها وإن بدت لنا غير ذلك.. تطول وتقصر.. تسعدنا وتشقينا.. تهبنا الحياة وتسلبنا القدرة علي مجابهتها.. ما أقسي القدر حين يقسو  وما أغلظ المصير حين تعاندنا الأقدار.. وما أسعده حين يبتسم القدر ويصفو.. وما أروع النفس حين تسمو والروح حين تصفو والقلب حين يلين والأمل حين يمسي واقعاً والسعادة حين تدق أبواب القلوب. ووسط الضجيج، تهدأ نفوسنا الحائرة لبرهة أو عمر.. لثوان معدودة أو سنوات مديدة.. تهدأ النفس.. تتلفت حولها.. تتساءل.. عن ذلك الحلم البعيد والسر الذي يحوي مفتاح السعادة وسر الخلود.. ومن جوف حلكة ظلام دامس، يبزغ وميض خافت.. شعاع من نور.. يشق حلكة الليل القاتمة.. بريق لامع.. يختلط علينا.. يحسبه البعض ماساً ويراه الآخرون زجاجاً شفافاً.. والأصل فيه عين تراه وقلب يخفق له وعقل يدرك وجوده.. والأصل فيه دقات القلب تتسارع.. وأحزان الماضي تتلاشي.. وسنوات العمر القادمة تبتسم.. أو قل هكذا يبدو لنا.. وتخفق قلوبنا.. ويغشانا الهوي.. ويبتسم العقل.. ويهدأ.. وتهدأ معه تلك الثورة العارمة بداخلنا.. ونحب.. ونقع في شباك الحب.. ويأسرنا الهوى.. فنحب.. ومزيد من الحب!!

هو الحب.. مفتاح الحياة وسرها المكتوم.. يدركه من يتغلغل في أعماقه.. ويمر به مر الكرام كثير من اللاهين العابثين.. نحب.. فنسمو ونسعد لنشقي.. ونفرح لنهتم.. ونضحك لنبكي.. ونحلم لنيأس.. ونحب.. ومزيد من الحب والتواصل مع النفس وسكون العالم من حولنا.. ونسيج محكم من مشاعر متداخلة تنتابنا في ذات الوقت.. نحب الحب والحبيب وأنفسنا والعالم وكرة أرضية تدور بنا.. ونسمو.. ونتطلع إلي القمة.. فنصل إليها لنهوي بها.. ويكوينا اللهيب.. وتحرقنا النيران المحرقة.. ونعاود الصعود لنهوي من جديد.. ونعيد الكرة الواحدة تلو الأخري.. ودوماً صراع.. وأبداً تأخذنا الحياة بتلابيبها.. بحلوها ومرها.. بصراعاتها وسكونها.. ودوماً تدور بنا الرحى.. ودوماً نشقي وأبداً لا نحيد!!

نحب الأهل فنبرهم.. نحب العمل فنتقنه.. نحب الحبيب فنجزل له العطاء.. نحب النفس فنسمو بها.. نحب الحياة فنعيشها ونكره الموت فنهرب بعيداً!! هو تلك الحلقة المفقودة في كل ما يأتي وما لا يأتي.. همزة الوصل بيننا وبين سعادة مفقودة وشقاء حي.. نتعذب بناره.. يكوينا لهيبه فنزداد أبداً إقبالاً عليه!! من الحب جئنا للحياة.. من لحظة تلاقي الأرواح ودقات القلوب، جاء الوليد الصغير.. من لقاء غريبين، تأتي الروح الجديدة ومولود يأتي صارخاً ليتعالي صراخه وتعلو ابتسامته وأنفاس قصيرة تتلاحق لينمو شاباً جديداً يافعاً ينضم لحلقة السائرين.. ساكني القطار الصغير الراكض علي صفحة كرة أرضية تضمنا جميعاً. من الحب، تتوالي نجاحات وإنجازات وحواديت وطرائف وقصص لا تنتهي.أو قل تنتهي بنهاية العمر إذ هي في الأصل بدأت ببدايته!!

له ألف معني ولون.. أشكال عديدة، منوعة ومتداخلة.. الحياة بأسرها صورة حية لذلك المارد العتيق.. أيامنا صور منه وتفاصيل العمر أجزاء من ملحمة حب تتلاحم وتكتمل.. الأمل حب لحلم نسعي لتحقيقه.. واليأس حب لأمل ولي أدراج الرياح.. السعادة حب للعالم من حولنا.. والكره حب لواقع نأمل في تغييره.. العمل حب لذات نتوق لتحقيقها.. والفشل حب لطموحات عجزت النفس عن الوصول إليها وكانت أبداً تحلم بها.. بداخله كل المتناقضات والمتداخلات وعديد من المعاني وكثير من الصور.. والأصل فيه –وننساه جميعاً- حب تلك النفس الصغيرة الكامنة خلف الضلوع.. من حب النفس، تأتي الكرامة وتأتي الثقة.. ومن الثقة، تداخلنا القوة والصلابة ومزيج من البأس والإرادة لتخطي الصعاب وتحدي المحن وتذليل العقبات والوصول للمستحيل.. وما المستحيل؟؟ التصالح مع النفس بعد طول صراع.. والسعادة الأبدية والجنة المفقودة وحلم الخلود!! قد نعيشها علي الأرض.. ننبش عنها خلف الجدران.. وما المستحيل؟؟ إرادة حديدية لرسم صور بعينها ولوحة بذاتها ومضمون ناقص يكتمل وقلب شقي يسعد وحروف متناثرة تتلاحم لتشكل كلمة من حرفين.. فيها يكمن كل المضمون وبداخلها كل الصور.. وعند المستحيل، ندرك كم كان الحب سلاحاً فعالاً أمره نافذ وسطوته عارمة.. طريق ممهد مفروش بورود عذبة نحسب أوراقها المتناثرة فتاتاً وفيها كل الحياة!!

اخلق بداخلك طاقة للحب.. حب الحياة فستضحك رغم البكاء.. حب الناس فسيبادلونك العطاء.. حب عملك فمردوده عال.. حب أشياءك الصغيرة واستمتع بها.. حب تفاصيل يومك قبل أن يمضي.. حب ذلك القطار السريع الراكض قبل أن يصل لمحطته الأخيرة.. فالحب يشحذ عزيمتك وبقوي إرادتك ويرفع من شأنك.. الحب يجعلك تدرك جمال الطبيعة من حولك.. فتطرب أذناك لصوت العصافير تغرد.. وتسر عيناك برؤية أشجار مورقة وزهور موردة وأوراق متناثرة تحمل بين طياتها سر الخلود.. حب العالم من حولك.. والأصل حب نفسك أولاً.. ومع ذكري لحظة الميلاد ومرور عام علي المولود الصغير، كبر الحلم ونما المولود وازداد خوفنا عليه.. تفتحت أزهار  غرسناها منذ عام.. مضي العام سريعاً ككل الأعوام.. كما سيمضي كل عام والعمر بأسره.. مضي العام بحلوه ومره.. واليوم نضيء شمعة جديدة في سنوات عمر المولود الصغير.. نحتفل معكم بالعام الأول وويك إند جديد متجدد.. ولد بينكم ومنكم ولكم.. أحببناه فأحبنا وأحببتموه.. فالتصق بكم.. واعتاد عليكم.. واعتدتم علي مطالعته أسبوعاً وراء أسبوع.. وزاده تواصلكم معه إشراقاً وجمالاً.. يوماً بعد يوم.

إقرأ أيضاً