جاءت بي إلي الدنيا وجئت لها بكل الحياة، لطالما راودها هذا الحلم.. طفل يكون لها أملاً ووليد يهبها الحياة. واستقر المولـــود بأحشائها تسعة أشهر تحمله بين ضلوعها وظللت أنعم بالراحة والهدوء بجوار قلب حنون ينبض قلقـــاً وخوفــــــــاً ولهفة وانتظاراً ونفس تتوق بشوق لرؤية ذلك الكائن الصغير البعــيـــد عن العين شديد القرب من الروح والخالد دوماً  بالوجــــــدان، ومكثت بين جوارحها في هدوء وسكينة أتغذي على حبــــها الفطرى وأنمو بشوقها المتزايد وأتوق لرؤيتها تضمني، تحبني، تحملني فتهبني الأمـــــان وتغمرني شوقاً ودفئاً وحناناً.

وحانت الساعة وتوقفت الثوانى وجاءت لحظة الميلاد، نهـــــاية الألم وبدء الرحلة والسطر الأول بعمر بدأ بأنفاسها تتلاحق وأحلامها تــتـــوالـــــــي وسار بسنوات عمرها ولا يزال ينبض معـها وبـــــها بالحـــــياة، كل الحياة!! وجئت أمي لتلك الدنيا لأضئ لك شمعة جديدة تنير أيامك وتصبح لك واقعاً نحياه معاً وأملاً نخطه سوياً وصورة تكتمل خطوطها يوماً بعد يوم. في رحلة العمر, كنت لي سنداً وقوة، من اصرارك، علمت معنــــي التحدي، من بأسك جاء صبري، من صمتك زاد حديثي، من ليــنـك جاءت رحمتي ومن شدتك تعلمت القوة والصلابة والمثابرة والمعنى الحقيقى لتلك الأيام التى -وفقاً لما تريه يوماً- لا تستحق كل هذا العناء. يقولون عنى لا أشبههك، يبدو إندفاعى غريباً على رزانتك وصوتى العالى ضجيج فى مقابل هدوءك ورصانتك والفوضى التي تشكل أيامى نقيضاً صارخاً لنظامك الصارم وأوراقك المرتبة فى سلاسة ويسر بعيداً عن تعقيدات حياتى بصورها المتداخلة وأوراقها المبعثرة وصفحاتها المتناثرة هنا وهناك. يخطئون كثيراً حين يدعون تبايننا فقد لا أشبهك شكلاً  إذ تختلف ملامحنا كثيراً لكننى قطعة منك وصورة طبق الأصل من شخصية تبدو لى المثل والقدوة ونبراس الحياة وقنديلها المضيء. من قوة مشاعرك تجاه الحبيب الراحل، جئت صورة منه شكلاً وطبعاً ومن قوة حبه لك ورباط أبدى يجمعكما رغم البعد، جئت على خصالك الحبيبة والمحببة لكل من حولك.

أمي.. «كم أحبك» يا سميحة من سماحة الفؤاد ونقاء بللورة الماس، أشتاق دوماً إليك، لحديثك الدافئ، لمنطـــقـك الصائب، لصوت صراخك يعلو غضباً ودموعك تنســـاب حزناً متي حزنت وسعادة تغمرك متي أنــارت ابتســامتي أيــامــــك وحملت فرحتي إليك سعــادة العالم من حولك فأنا لك أمــســــاً مضي ويوماً يسير بتؤدة وغداً هو منك وإليك، صنعتيه لي لأحمله إليك. إكليل عــرفــــان بجميلك وجزيل صنعك يكلل رحلة عمر ومشوار طويل قطعناه معا. هو لك بداية ونهاية وكل الفصول بقصة حياة وأبداً ذكرى الحبيب الغائب ومنية النفس المرهقة برحيله!! أفتقدك طوال اليوم.. تأخذني عنك تفاصيل يومي الطويلة وتمر بي السـاعـات بدونك، ألقي عليك تحية الصباح وقد لا تسنح الفرصة لها لينتهي اليوم بأمل يتجدد علي لقــاء. وقد تطول الإيام ويتباعد اللقاء.. تأخذني الدنيا أحيــاناً.. العــمــــل، الرياضة، الأصدقاء. سهرات طويلة بدونك وأيام يقل فيها لقائنا.. فنجان قهوتنا سوياً، نزهاتنا معاً وأحداثنا التـي لا تنتهي ولن تنتهي. ودوماً أشتاق إليك!! لعتابك قبل الــلوم، نظرة عينيك الحالمة وإبتسامتك الهادئة، قلبك الكبير ونفــســـك الحنون وروحك الشاردة بحثا عني، دعواتك تغلف أيامي وتفرش دربي وروداً وقلوباً وتحمل لي كــل الخـيــر والحب ومنتهي الحياة!!

كثيراً ما نختلف، كبر بنا العمر سوياً فأمست طفلة الأمس شابة بمنتصف العمر ولا تزال بعيونك تلميذة الإبتدائى الصغيرة مثيرة الشغب بالفناء بضجيج فائق وشقاوة غير قابلة للسيطرة ومقالب لا تنتهى. عانيت أمى الأمرين فبرغم تفوقى الدراسى وأعتقده وراثياً، كانت شطحاتى غير المتوقعة وجموحى الجارف وميولى الغريبة تقابليها بإحتواء وصبر وحكمة وكثير من الثورة والسيطرة بأحيان أخرى والنتيجة النهائية حتماً لصالحك فأنت العنيدة التى لا تلين ولا تتخاذل ولا تهزمها معركة الحياة، وأنصحك دوماً بمحاولة التكيف مع طباعى الغريبة عليك ولا تنصاعين بل تعملين جاهدة على تقويمها وتغييرها بمعركة امتدت بطول حياتنا معاً ولا تزال وطأتها تشتد بيننا برغم خفة حدتها بمرور سنوات العمر وكثير من النصح من جانبى لك بالتروي ومزيد من الإصرار من جانبك على التغيير ومن يقو علي معاندتك ومواجهة منطقك الصلب.

كم أشعر بضآلة قدرتى على التعبير  عن حبى لك ومشاعرى تجاهك، تعوزنى الكلمات وتخونني المعانى حين تكونى أنت محور القصة وموضوع البحث، تتداخل الحروف وتتشابك الجمل وتنسانى مفردات لغة لا تنقصنى عند الحاجة، يتلعثم اللسان المنطلق أمام ما يجيش بصدرى وقلبى وروحى ووجدانى ولا أملك سوى «أحبك» بقدر اتساع الكون الرحب ويزيد، بقدر قدم عمر البشر ويفوق، بقدر ما على الأرض من قلوب تنبض بمعاني الحب وأحكامه. أحبك ويشاركنى حبى العالم من حولنا وكل قارىء لسطور رسالتى إليك.

ومع نسمات الربيع علي الأبواب، يحتفلون بعيد الأم ولنـــــا في هذا الشهر عيدان فهو شهر ميلادك تزداد شموعه عــاما بعــد عام.. وعيد الأم تكريماً لك وبينهما أيام قـليــلة، تاريـخــان يحملهما هذا الشهر المحــبــب وعيداً لا تنسيه وذكرى ميلاد الرفيق الغائب عن العين، الحى أبداً بالوجدان، الأحب لقلبك والأقرب لنفسك والأدنى منك برغم بعد المسافات ولوعة الفراق. اليك، أيتها الملكة المتوجة علي عرش قلب ما أحب سواك، يا مهجة الروح وتوأم النــفس، يا ملهــمة الفكر وباعــثة الأمـــل، يا حــــوراء -كما وصفك من أحبك- ويا أغلي من الحياة لنفس أنت لها كل الحياة. إليك -أمي الحنونة- وردة حب، همسة قلب، كلمة شكر، رسالة تقدير وعرفان، كلمات هي منك وإليك

رسالتي إليك وردة حب لك في يوم عيدك     
أمي ومالي في الدنيا باق غيرها     
طابت لي وما طاب العمر بدونها

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام