نحب الحب ونتغني به.. نعيش علي أمل انتظاره.. نراه في كل المحيط.. في أحلامنا.. في يقظتنا ومنامنا.. منذ الصغر.. مع الصبا والشباب.. وبمرور سنوات عمرنا.. لطالما داعبنا طيفه الساحر وأحاسيسه الجياشة ونسماته العطرة.. لطالما تغني كل منا بمشاعره الفياضة، وقصصه العذبة، وأحلامه الجميلة التى لا تنتهى.. لطالما عشنا فصوله بحلوها ومرها وسعادتها ومرارتها ولحظات الأمل الخاطفة.. نشأنا عليه، تفتحت أولي أيامنا علي حضن أم دافئ وابتسامة أب حنون.. وحنان جارف  يغمر كون طفل لا يزال وحيداً يحبو -بحذر حيناً واندفاع شديد فى كثير من الأحيان- علي صفحة الأيام.. يكبر وبداخله حب ينمو يوماً بعد يوم.. رفاقه في الدراسة، أصدقاء الطفولة، ذكريات الشباب المرحة، أيام العمر الطويلة، حلقات متصلة  يجمعها حب يغلفه، وشوق دائم لمشاعر تجتاحه وأمل يحلم به.. رفيقة للعمر، وصديق للرحلة، وأبناء للسند، ومال للمعيشة، وعمل لإثبات الذات.. حب للحياة.. ورغبة فيها تزداد يوماً بعد يوم.. لا تقف عند حد ولا تقتصر علي شخص بعينه.. وإنما هي حالة تنتابنا.. وقصة نعيش فيها أو تعيش بنا.

تحب من حولك فتجزل لهم العطاء..  تراعي مشاعرهم وتحمي غيبتهم فتزداد أواصر الرباط بينكم وتزداد المحبة..  تحب عملك فتتفاني فيه..  تحب أسرتك فتحميها..  تحب زوجتك فتدللها..  تحب أولادك فتحسن تربيتهم..  تحب أموالك فتحافظ عليها..  تحب الكون فتبتسم لك الحياة. ولكن..  هل فكرت أن تحب نفسك أولاً؟! سؤال قد يخطر ببالك..  أو قد لا يخطر أبداً..  قد تجد له إجابة أو مائة علامة استفهام..  فحب النفس قد يعني الصلف والغرور..  وقد يعني التقدير والامتنان..  وقد يعني كل المعاني..  وقد لا يعنى أى شيء على الإطلاق. صغاراً كنا نركض نحو البحر دون أن ندري أن أمواجه العالية قد تبتلعنا دون عودة..  نقترب من النار بقوة دون أن نلمس قسوتها وشراستها وعندما تحرقنا بلهيبها نبكي حرقةً ولا ندري هل نبكي ألماً..  خوفاً من نار أحرقتنا.. أ م نبكي نفساً ألحقنا بها ضرراً دون أن ندري ودون أن نحب..  نفس هي لنا أصل الحياة وأساسها الراسخ..  ونقطة البداية لكل ما حولنا.. وأبداً ما قدرناها ودوماً نعيش علي عذابها ونقسو عليها.. وتشتد قسوتنا.. وما نري في عذابنا ألماً بل نستعذب الأمل لتصبح الحياة قطعة منه أو هو صورة ممسوخة من أوراق تتناثر علي أشلاء النفس الحائرة.. ومع الأيام نكبر ويكبر معنا ألمنا وجرحنا ومعاناة تزداد صلابةً وقوةً أو قل قسوةً وعنفاً مع مشاعر حب تخنقنا حيناً.. تؤلمنا وتجرحنا حيناً.. تحيينا ونتجرع مرارتها حين تقسو علينا ومع شدة قسوتها نبكي.. فلا تسمعنا أذن صماء ولا ترى العين دمعاً يسيل من القلب والروح والوجدان.. سلسلة عذبة من قسوة تشتد حدتها وتمتد حكايتها بطول العمر.. تتخللها أحداث سعيدة كثيرة.. مواقف باسمة.. لحظات مرحة.. أحلام وردية.. آفاق رحبة لا نراها وسماوات مفتوحة لا ندرك اتساعها إذ لم نرها أبداً من قبل.. وسؤال لم تمهلك سرعة الأيام لتجد إجابته.. هل -أبداً- أحببت نفسك بقدر حبك للعالم وشهواته من حولك؟ هل قدرت ذاتك بقدر تقديرك لمسئوليات العمل على ضآلتها..  والتزامات الأسرة على تعددها..  ورغبات الجميع على كثرتها وقلة أولوياتها فى كثير من الأحيان..والأصل في حب النفس ليس صلفاً أوغروراً..  ليس تيهاً وخيلاء..  ليس من الظواهر السلبية أو العلامات الصفراء..  بل هو شعور بكثير من التقدير والامتنان..  تلك الروح التى تسكنك..  ذلك القلب الشقى الذى يحيا بين جوارحك..  قابع فى سكون بين ضلوعك يشاركك ساعات الحزن والهم.. سنوات الكرب وأيام المرح والسعادة والانطلاق.. والسؤال الأهم، علي تدرك ماذا يعني حب النفس.. هل تدرك كنه الحب بمفهومه المجرد ومعانيه الأصيلة بعيداً عن الزيف الكبير الذى نحياه والصور الممزقة التي تحيط بنا.. أن تحب نفسك ليس أن تضعها فوق عالم من المقدسات والمحرمات..  ليس أن تجعلها سجينة ذلك البرج العاجى تعلوه لافتة «ممنوع اللمس والاقتراب».. بل أن توليها حقها ونصيبها في التقدير والعرفان..  أن تعرف قدرها فيقدرك الآخرون..  وتوليها حقها فيراها من حولك ثمينةً غاليةً، فيزداد قدرك في العيون بقدر ما يعلو حبك في القلوب..  أن تمنع عنها ما تكره فتزيدها ما تحب..  أن تحميها من غدر الزمان فيزداد أمنك وأمانك..  أن تدللها فتزداد دلالاً وتيهاً وجمالاً يراه من حولك هالة من النور تحيط بك وتضيء لمن حولك..  نوراً يشع من حولك..  يزيدك ثقة فتزداد ثقة الآخرين فيك وأملك في العالم من حولك..  فتعطي وتجزل العطاء لنفسك..  لرفاقك والكون بأسره.

أن تحب نفسك ليس في إطالة الحديث..  وإكثار المديح..  وإمعان الثقة، بل أن توليها حقها وتعطيها قدرها وتزيدها غلاوةً في عيون من حولها..  فكيف تعطي الآخرين دون أن تعطي نفسك أولاً..  وكيف يحترمك من حولك دون أن تحترم ذاتك وتجلها أنت أولاً وقبل المحيطين. حب النفس نقطة بداية..  شعلة للانطلاق..  بصيص النور الذي يضيء بداخلك فيراه من حولك..  يعلو..  يطغي..  فيمنحك طاقة تتفجر حيوية ونشاطاً وحياة..  حب النفس يجعلك تحب العالم من حولك..  تحب أبناءك فهم قطعة منك..  رفاقك فهم سلوة أيامك..  عملك فهو مستقبل حياتك..  مالك وأملاكك فهو قصة كفاح..  نجاحاتك المتتالية..  حب النفس هو حب الحياة!! ومن يدري حب الحياة..  إشارة البدء الحقيقية..  ونقطة البداية الأولي..  من حب أمي لذاتها ورفيق دربها، رأت عيناي النور فأنا قطعة منها ومن حبي لذاتي يأتي أولادي من بعدي..  ومن حب الحبيب، يآتي التواصل في الحياة مع نفسك ومن تحب والعالم من حولك.. كم من مرة تجد الكون جميلاً بلا سبب واضح سوي رضائك عن ذاتك صباح هذا اليوم أو لفتة حب وامتنان تلقيتها من قريب أو حتي غريب علي قارعة الطريق.. وكم غل قلبك واعتصرته الحسرة وكثير من الأسي واليأس متي توارت مشاعر السعادة بالحب الفياض الذي تعيش علي أمله والتواصل الدائم معه.. من حبك لكل ما حولك تتصل الحلقات المتناثرة وتتشابك الصور لتصنع فى نهاية الأمر لوحةً جميلةً متكاملة هى رحلة العمر ومشوار الحياة..  سلسلة من حلقات تتصل لتتواصل وتتشابك وتصبح لوحة هي.. كل الحياة!

واليوم..  ابدأ..  فالعمر لايزال طويلاً علي قصره..  مديداً علي ضيقه، وضيقاً علي سعة اتساعه..  حب ذلك الكائن الذي يحمل اسمك فيحبك العالم من حولك..  أوليه قدره فتوليك الأيام أكثر من قدرك..  دللـه فتدللك سنوات عمرك وتأتي لك دوماً بمزيد من الخير والقدرة علي العطاء.. ولا تسرف في التدليل ولا تمعن في اغراقه بكلمات المديح، فشأنه شأن الجميع ما أن تجزل له العطاء حتي ينتابه الكبر والخيلاء وكل الكبرياء فلا تملك حينها القدرة علي السيطرة عليه وتفقد لجام الأمور وزمامها وقدرتك علي السيطرة المطلقة عليها.

حب نفسك بقدر ما تحب أن تري الحب في عيون الآخرين.. بقدر ما تطوق نفسك الي السعادة.. بقدر ما تغدق علي الوليف من مشاعر فياضة وأحلام الغد المشرق الآتي من بعيد.. ودوماً، سيأتي الغد.. وأبداً.. سيأتي الغد.. مقولة احفظها عن ظهر قلب وتداولها أينما أخذتك الحياة بعيداً.. سيأتي لك دوماً غد..  شمس ستنير حتماً..  تعيساً أو سعيداً، متفائلاً أو متشائماً، محبوباً أو مذموماً، سيأتي نور الفجر من حلكة الظلام وسيبزغ القمر منيراً في قلب سماء عاتمة..  وسيشرق حبك حتماً -وأبداً- مضيئاً، عالياً، متألقاً، وسيعلو نجمك، وتضيء شموعك..  نبراساً لطريقك.. ومن حولك..  لتشعر بطاقة نور تنفجر بداخلك تشع أملاً وبهجةً وحباً وعطاءً. فبالحب يحيا الكون..  وبحبك لذاتك ستحيا وتسعد.. ويسعد معك العالم من حولك.

إقرأ أيضاً