لكل بداية نهاية.. وكل نهاية تعنى البداية من جديد.. ولأن القصص تتشابه والبدايات تتداخل.. تتكرر الفصول وتتوالى.. وتتراءى أمام أعيننا الصور.. ودوماً نكررها.. وأبداً لا تتغير.. تأتينا الفرص الواحدة تلو الأخرى فنضيعها انتظاراً لغيرها.. وتأتى الثانية فننتظر الثالثة، لتأتى فنتوق شوقاً أيضاً لغيرها..

من قال إن الفرصة تأتى إذن مرة واحدة.. الحياة فرص تتجدد.. وكل نهار يوم جديد وفرصة جديدة متاحة.. وكل مساء حلم جديد يتولد بفجر قريب آت ليخبو مع أنوار مساء اليوم التالى ونهاية قصة والحلم ببداية جديدة. ولو اعتبر الإنسان وتعمق فى فلسفة الكون وماهيته الحقيقية.. وصراع الكائنات من حوله.. وشريط الصور وقصاقيص المشاهد المتكررة لتبدلت الأقدار وتغيرت الأحداث.. وما كان الألم.. ولربما أيضاً ما كانت الحياة.. أعنى بصورتها الحالية التى قد نود ونعمل جاهدين على تغييرها. لو نظرنا للماضى، سنراه صورة أبيض وأسود من حاضر نحياه وربما نسخة قديمة أيضاً من مستقبل ننتظره.. فأحداث الحياة تتشابه.. وفصول التاريخ واحدة.. وأصل الحكايات قديم.. وأبداً تتكرر الصور.. وأبداً.. نعيش ولا نتغير.. نتشدق بأحاديث مطولة عن خبرات السنين المتراكمة والدروس المستفادة والأهم كيفية دراسة الماضى لقراءة المستقبل.

ويأتى الاختبار.. فلا ذاكر التلميذ، ولا اجتهد الأستاذ، ولا رأفت اللجنة، ولا ظهرت النتيجة.. ولو عدت بالذاكرة قليلاً للوراء، ستجد أخطاءك تتشابه بشكل مذهل وكبير.. ستجدك تندم اليوم علي ما فعلته أمس وربما ندمت عليه أيضاً وستجد لديك كثيراً من الاستعداد أيضاً لتكرار الحدث فى المستقبل رغم إدراكك التام لسلبياته التى وقعت بالفعل بالأمس. ولأن الصور تتكرر بدون وعى منا أو قل برغبة خفية فى تكرارها، تجدنا نضيع الفرصة تلو الأخرى.. حيناً بالتراخى، وحيناً بالتسرع، وحيناً بالتباطوء وكثيراً بالاندفاع نحو ذلك المجهول الذى نتخيل فيه الراحة والسكينة والهدوء لينكشف لنا ذلك القناع الزائف لكثير من الصور المشوشة.. يبدو الصديق عدواً، والقريب غريباً، والحبيب نداً، والحنان طغياناً، والاحتواء سيطرة، والحب ضعفاً والقسوة منتهى اللين والرأفة.. تلتصق الصور السوداء بشخص ما أو بحالة نعيشها، فيصبح شاغلنا الشاغل التخلص منها وتبديلها.. نصنع منها شماعة شرعية قابلة لتحمل كل هموم الحياة ومشاكلها حتى ولو لم يكن لها علاقة بها.. ومن ثم، نشحذ الهمة، ونعد العدة ونستعد للمعركة.. يأتينا الحب، فنكيل له اللكمات،، ينفتح أمامنا قلب فرحاً، فنطعنه غدراً.. ونتخيل فى الفرار نجاة وفى كسر الصورة كل السعادة ومنتهى القوة. نهدم المعبد بعنف وقسوة لتسيل دموعاً سوداء ودماء حارة فى القلب الذى استيقظ على وهم القوة وحقيقة التخاذل والضعف.. ونبكى.. ونبكى.. نحيباً.. ونبكى.. طللاً صنعناه بأيدينا بعدما كان صرحاً شامخاً.. ومعبداً أخرقنا شموعه وأظلمنا نوره وأطفأنا به عمداً كل طاقات النور الممكنة.

كم من مرة حدث لك أن تكرر خطأ الأمس بدون وعى.. كم من مرة تشابهت القصص مع سابقيها وتداخلت الفصول حتى عجزت عن تمييز اليوم من الأمس.. آن لك الآن أن تبدأ.. حدد النهاية وابدأ من جديد.. ضع الأمور فى نصابها السليم.. فليس كل ما يلمع ذهباً وليس كل وميض بصيص نور من بعيد.. أما آن لك أن تختار.. تعى.. تفهم.. تستوعب.. تتلقى الدرس وتتوخى الحذر قبل الاندفاع.. والحيطة قبل الثورة.. والرأفة قبل البطش.. والرحمة قبل العنف.. أمامك الفرصة لتختار.. الدرب أمامك.. هيا انطلق.. إما العودة أدراجك واستعادة ما فقدت واستحضار صور الماضى ورؤيتها عن حق وليس فقط كما تود.. أو الأسهل أن تمحو القصة وتكسر الزجاج.. وتهد المعبد.. وتنسى الفصل لتبدأ غيره أو لا تبدأ.. لا يهم.. فدوماً وحتماً ستلقى نفسك بين أحضان فصول ستتشابه وتتكرر وتتوالى  وأبداً لن تتعلم.. وأبداً ستضيع الفرصة لتبحث عنها دوماً من جديد.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام