تتحدث فيعلو صراخه.. ينطلق صراخه فتنهار دموعها أنهاراً.. لا يسمع أحدهما الآخر.. هي في وادي وهو في وادي آخر.. يكيل لها لوماً فتنطلق سهامها خناجراً مسمومة وتحمل عباراتها شكوي هادئة تحيلها إتهاماته باللوم والعجز والتقصير صراخاً مدوياً.. لا يفهمها ولا تفهمه.. فالأصل بينهما هُوة سحيقة تفصل كلاهما عن الآخر وأساس المعضلة المعقدة وسيل المشكلات المتراكمة حلقة مفقودة وكلمة تائهة ولحناً ممزقاً ولغة حوار لا يدركا أهميتها في حل صراع ليس له أساس ومشكلة لا وجود لها سوي بذهن مُشتت وعقل تائه وقلب حائر وروح هائمة تبحث عن أليف كان وولي وصديق لم يعد وتوأم روح أمسي بمرور الزمن خصماً لدوداً وعدواً مُتربصاً علي الأبواب.

يقول فلا تسمعه.. تتحدث فلا يُعرها إلتفافاً.. تصرخ فتشق صمت المنزل الهاديء وينزعج بدوره فيعلو صراخه بمزيد من القوة والبطش والبأس والوعيد ورغبة عارمة في الخلاص وحسرة علي أيام هادئة ولت بلا رجعة وسكينة ضلت سبيلها بين أحضان حبيبة الأمس الغائبة.

سنوات من الحب جمعتهما معاً ليحيل الرباط المقدس بعد طول إنتظار بهاء الماضي وسعادة أيامه شقاء دائماً وشكوي لا تنتهي.. كانت له حبيبية وصديقة وأماً وشقيقة وأليفة وطفلة مدللة ورفيقة درب إمتد بطول سنوات عمرهما الصغير معاً.. كلمة حب ساحرة ولحناً يجعل من أحلام الغد سيمفونية عذبة يعزفانها معاً.. وكان لها أخاً حبيباً وعاشقاً متيماً وأباً حكيماً وطفلاً شقياً ورفيقاً مخلصاً وأليفاً ترنو إليه فرحاً وملاذاً عند الحاجة وسنداً علي طول الخط.. سنوات الزواج أحالت نسيم الربيع رياحاً عاتية وندي الصباح الباكر قسوة ليل إشتدت حلكة ظلمته وبدت النهاية وشيكة قاب قوسين أو أدني وفراق حتمي علي الأبواب. هي نفس القصة التقليدية والحدوتة ذاتها تتكرر من جديد.. ملل وقنوط وسأم ويأس قاتم وحرية مقيدة وتذمر دائم وضجر وحسرة وكثير من الحزن والأسي.. حلقة مُفرغة أمست حياة يدورا بفلكها فيصعب الحل ويستحيل الوصال.. والحل كما يبدو فراق وبداية جديدة وإعادة الكرة من جديد..  أليفة جديدة ورفيق درب من نوع مختلف.. يبدو حلاً وجيهاً فلربما أخطأ الاختيار ولربما جافاها الصواب باختيارها له برغم قناعتها التامة به.. والنتيجة النهائية، أسرة جديدة ممزقة وأولاد تائهون بين عناد أم وكبر أب آثرا النهاية علي إعادة التجربة ذاتها من جديد. والسؤال، هل حقاً عدما وسائل الإصلاح والتفاهم وإعادة الحياة من جديد؟

أحياناً تكون النهاية حلاً جذرياً فاصلاً علي صعوبته بيد أنه في أحيان أخري كثيرة يكون التسرع سبباً كافياً لإنهاء فصلاً من رحلة ما كان لها نهاية فغياب لغة الحوار يجعل من طرفي المعضلة أعداء وهم أقرب الأقربين والأصل فيها خيال قاصر عن قراءة ما بين السطور وإستيعاب مشكلة لا وجود لها.. والأصل في حلها حوار لا ينقطع ولغة يفهمها كلاناً معاً ونتقاسم مفرداتها دون عند أو رياء.. نتحاور فيسمع كلانا الآخر.. أصمُت حين تتحدث وأصغ بإهتمام لما تقول.. وأتحدث ولي كامل الحق في التعبير عن مكنون صدري أياً كان ولي عليك حق السمع والإنصات والرد بتعقُل وروية بعيداً عن الهجوم المستمر والاستفزاز الدائم علي فرضية «خدوهم بالصوت» والتي أسمت سياسة فض النزاع الدائمة داخل جدران المنزل الهاديء.. نزاعاً يزداد تعقيداً بزيادة تدخل الأطراف الخارجية به.. إنها تلك الحلقة المفقودة ما بين شتي المتناقضات.. ليس كل حديثي لوماً وليس كل حوارك عتاباً وشكوي.. كلماتك قد تحمل رسالة خفية وكلماتي قد تحمل نداء ودعوي لبداية من جديد.. تدخل الأهل لا يفيدُنا دوماً بل يزيدنا عناداً وكبراً.. نعم لا كرامة في الحب ولا حب بلا كرامة بل هما وجهان لعملة واحدة تنهار أسهمها بتوافد الدخلاء عليها ورغبة الجميع في شرائها لأعلي سعر.. يدفع أبناؤنا ثمناً باهظاً لتهورنا وعزوفنا عن إحتواء مشكلاتنا الصغيرة قبل تفاقمها ويتجرعوا مرارة نهاية لا أساس لها ولا سبباً للوصول اليها ولا أساساً منطقياً وجيهاً لحدوثها من الأساس.

إستوعبني عند الحديث فقد إعتراني الملل وكثير من القنوط.. حياتي معك شابتها ضغوط العالم من حولي وتراكم الأعباء والمسئوليات علي مدي سنوات عُمر يجمعنا معاً.. إحتويني عند الغضب فليس غضبي سوي تعبيراً صادقاً عن رغبتي الدفينة في حياة جديدة معك.. إمنحني الفرصة لأعيد لحياتنا بريقاً غائباً وعشقاً يخبو ولا يموت.. ساعدني أن أزيح الغبار الذي يغشي ماسة هي في الأصل أيامي معك.. لربما أحتاج اليوم لأحضانك الدافئة وقلبك العاشق وعقلك المستنير.. لربما يملؤني الكبر فلا أقوي معك علي إنكسار محبب وضعف يزيدني قوة وهزيمة تمنحني لذة الإنتصار..  إبق معي فلا حياة لي بدونك ولا سعادة لأيامي بغيابك عنها ولا هناء وهدوء وسكينة بعيداً عنك.. حاورني.. صادقني.. غازلني.. أضف لحياتنا نكهة جديدة ولوناً مميزاً ومذاقاً من نوع مختلف.. تزداد أعباء العالم من حولي ويبقي حبك بداخلي نبراساً يضيء لي درباً ممتداً يجمعنا معاً..  قد أقسو عليك وأعترف.. فإمنحني سعة الصدر ورجاحة العقل وكل ما أحب وأفتقد في بعدي عنك.. تدور بنا عجلة الأيام فنزداد عمراً ونضجاً وتزيدنا شعيرات بيضاء متناثرة حكمة ورجاحة وربما مللاً وروتيناً ليس الأفضل دوماً بيد أننا بمزيد من الحب والتلاحم نزداد إلتصاقاً ورباطاً وقوة ورغبة عارمة في البقاء معاً.. فابق معي أخاً وصديقاً وحبيباً وأباً ورفيقاً علي طول الخط.. إبتسامة منك هي لي العالم بأسره ووردة حمراء تعيد لدمائي الحيوية والنشاط من جديد.. جدد قصة حب عاش بين جوارحنا.. زدها ثقلاً وصلابة وحكمة.. فما حياة لي بدونك وما سعادتي سوي بك وما سعادتك أبداً في البعد عني فأنا منك ولك.. منك تبدأ القصة واليك أبداً تعود.. وبدونك يبدو عالمي ممزقاً، باهتاً، رديئاً، خاوياً.. إبق معي كما دوماً كنت وكما أبداً سأبقي.. وختاماً، أحبك.. طاقة نور وكلمة عشق وزهرة مورقة ونسيم صبح جديد يجمعنا معاً.

إقرأ أيضاً