أحد أعظم الأسر الحاكمة، سلالة مصرية ذات أصول ألبانية أسسها محمد علي باشا وحكمت مصر حتي أطاحت بها ثورة 1952. إنها الأسرة العلوية التي كتبت تاريخ مصر الحديث وقصة أعظم ممالك الشرق، نعرف أغلبهم والأصل بهم رموز كتبت تاريخنا المعاصر.

بداية تأسيس الأسرة العلوية
إثر مغادرة الحملة الفرنسية مصر، تنازعـت ثلاثة قوى اتحدت لمحاربة الفرنسيين ثم بدأت كل قوة تعمل لتحقيق أطماعها، الأولى هى تركيا التى أرادت إبقاء مصر تابعة لها والثانية انجلترا وكانت تطمع فى احتلال شواطىء مصر لتضمن سيادة البحار فى طريقها للهند والثالثة هي المماليك ممن حكموا مصر كقوة لا يستهان بها. تجاهلت تلك القوى العامل القومى لكن رجلاً واحداً أدرك تأثيره وهو محمد على قائد الكتيبة الألبانية بالجيش التركى بمصر فتقرب لها وأصبح الوالي بفضلها عام 1805 فتصدي للحملة الإنجليزية ثم تخلص من الزعامة الشعبية ومنهم عمر مكرم ثم المماليك بمذبحة القلعة وأسس الأسرة العلوية التي حكمت لأكثر من مائة وخمسون عاماً من ولاية عثمانية لخديوية عثمانية ثم سلطنة مستقلة وأخيراً مملكة إزدهرت بها العلوم والفنون والآداب.

          

تأسيس مصر الحديثة
كون محمد علي ترسانة بحرية وجيش قوى وإستدعى الكولونيل الفرنسي سيف المعروف بسليمان باشا الفرنساوي وأوكل إليه تدريب 400 مملوكي بأسوان وبعد تخرجهم أوكل إليهم تدريب 30 ألف سوداني استعان بهم في حروبه لكنهم فشلوا فبدأ بتكوين جيش من المصريين كما أسس نظاماً سياسياً فشكل الديوان العالي وضم الجهادية والبحرية والتجارة والشؤون الخارجية والمدارس والداخلية والأبنية والأشغال وجعل لكل ديوان ناظر ثم شكل مجلس المشورة برئاسة إبراهيم باشا ووسع حدود دولته فضم السودان وجزيرة كريت وفلسطين والشام. اجتمعت الدولة العثمانية وإنجلترا والنمسا وروسيا وبروسيا عام 1840 ووقعوا معاهدة لندن التي نصت على تنصيب محمد علي نائب الملك على مصر التي تظل بحدودها القديمة وراثية للأكبر سناً من أولاده وأحفاده الذكور وتكون جزء من الدولة العثمانية ولا يزيد الجيش عن 18 ألف جندي في السلم ولا تبني سفن حربية إلا بإذن السلطان فرفض محمد على ثم قبل تحت الضغط.

تولى إبراهيم الحكم ومات بعد عدة أشهر وخلفه عباس حلمي الأول حفيد محمد علي الذي إغتيل عام 1854 وجاء محمد سعيد باشا الذي نظم الدواوين بأربع هي الداخلية والمالية والحربية والخارجية وألغى وظائف المديرين وجعل المآمير وشيوخ البلد تحت رقابة الداخلية ورقي العسكرى من تحت السلاح لضابط لكن التواجد الفرنسي بدأ يعود بإمتياز قناة السويس وحفر القناة وكان من شروطه أن يوفر سعيد 80% من العمال وأن تتمتع فرنسا بفوائد القناة لمدة 99 سنة. تولى الخديوي إسماعيل الحكم عام 1863 ووطد علاقته بالسلطان فأصدر الأخير فرماناً عدل به النظام الوراثي فأصبح قاصراً على أكبر أبناء الخديوي وجعل مصر خديوية وتشكل أول مجلس نيابي والمحاكم المختلطة وأدي البذخ لخلع إسماعيل عام 1879 وتنصيب إبنه توفيق باشا. وفي فبراير 1881، بدأت ثورة عرابي التي أدت لتنظيم أول إنتخابات نيابية وإفتتاح مجلس النواب وتشكيل حكومة تقلد فيها عرابي حقيبة الجهادية ثم ضرب الأسطول الإنجليزي الأسكندرية وقبض على عرابي وبدأ الإحتلال البريطاني. ومع نشوب الحرب العالمية الأولي، أعلنت إنجلترا الحماية على مصر وعزلت الخديوي عباس وعينت السلطان حسين كامل وإندلعت ثورة سعد زغلول وتكون البرلمان وشكل زغلول الوزارة وتولى الملك فاروق الحكم بعد وفاة الملك فؤاد عام 1936 وظل يحكم حتى إندلعت ثورة يوليو التي أبقت على الملكية حتي أعلنت الجمهورية عام 1953.

             

قام محمد على بإصلاحات إقتصادية كان أساسها إحتكار الدولة للزراعة والصناعة والتجارة فأقام المصانع وقسم الأراضي وأدخل زراعة القطن طويل التيلة وقصب السكر وأصلح الري وأنشأ الترع والجسور والقناطر حتى بلغت مساحة الأراضي المزروعة 2 مليون فدان عام 1821 ثم إرتفعت عام 1840 إلي 3.9 مليون فدان. تم أيضاً بناء مصانع للغزل والنسيج والصناعات المعدنية والسكر والزجاج والصيني والصابون والشمع والورق ومدبغة الجلود. إتسعت التجارة الخارجية وخاصة القطن بإنشاء أسطول البحرين الأحمر والمتوسط وتوسيع المواصلات البحرية وإصلاح ميناء الأسكندرية. وبوفاة محمد علي، زاد دور الأجانب الإقتصادي فأنشأوا شركات الكهرباء والمياه والبنوك وتزايد عددهم ببورصتي القاهرة والأسكندرية. وفي عام ١٩٢٠، أنشأ طلعت حرب بنك مصر واختار رئيس الطائفة اليهودية يوسف قطاوي نائباً لرئيسه وزاد نشاط اليهود الإقتصادي. بدأ سعيد باشا الإستدانة من إنجلترا والمرابين حتى بلغت ديون مصر بوفاته 11.160 مليون جنيه وزادت الديون بعصر إسماعيل الذي أراد إدخال الحياة الأوروبية فباع أسهم مصر بقناة السويس بأقل من قيمتها وهو 4 مليون جنيه وبلغ إجمالي ديون مصر 91 مليون جنيه. كانت مصر تعاني من التمركز الشديد بالملكية الزراعية قبل عام 1952 فكان المالكون لأكثر من 200 فدان أقل من 0.1% ويملكون 30% من الأراضي بينما كان من يملكون أقل من 5 أفدنة 94.3% أي 35% من إجمالي المساحة وال35% المتبقية توزعت بين ملكيات أقل من 200 فدان لأكثر من 5 أفدنة ونسبتهم 5.6% من الملاك.

      

شهدت مصر إصلاحات ثقافية فتم إنشاء 40 مدرسة إبتدائي بالوجه البحري و26 بالوجه القبلي إضافة لمدارس الطب والهندسة والزراعة واللغات والألسن والموسيقى وإدارة عامة للمعارف وكُلف مسيو جومار عام 1826 بإدارة أول بعثة مصرية لفرنسا وتكونت من 40 شاب وبلغ عدد البعثات للخارج 10 بعثات بلغ عدد طلابها من عام 1813 وحتى 1847 نحو 319 تلميذًا بتكلفة 303.360 جنيه. إهتم محمد علي بالصحة وأنشأ لها مجلساً وإدارة طبية ومجلس صحي بالأسكندرية ومدرسة للطب وصدر في عهده أول صحيفة رسمية هي الوقائع المصرية عام 1828 كما شيد مصلحة الآثار المصرية عام 1835. قام سعيد بإغلاق كثير من المدارس لقناعته بأن قيادة الأمة الجاهلة أسهل من المتعلمة إلا أن الخديوي إسماعيل اهتم بالتعليم وأنشأ أول مدرسة للبنات عام 1873 ومدرستي الناصرية بالقاهرة ورأس التين بالأسكندرية الإبتدائية والثانوية والمدارس العالية كالفنون والصناعات والألسن والإدارة وحلت محلها الحقوق والإدارة والمحاسبة والمساحة واللغات القديمة ودار العلوم وجدد إرسال البعثات العلمية للخارج وانتشرت بعهده المدارس الأوروبية وبلغ عددها 70 مدرسة كما شيد القصور كعابدين والجزيرة والزعفران والحدائق كالأزبكية والأورمان والجزيرة والأسماك والحيوان. وخلال الاحتلال البريطاني، إقتصر التعليم على خلق الموظفين لإدارة البلاد، إلا أن المصريين والجمعيات الأهلية أنشأوا الكتاتيب والمدارس الإبتدائية والثانوية الخاصة.

إنه إرث عريق لأسرة كتبت سطوراً مضيئة بتاريخ مصر الحديث ودعمت الفنون والثقافة والجمال حتي أن القاهرة فازت خلال عشرينات القرن الماضي بأجمل عواصم العالم وكانت الموضة تظهر بمصر قبل العواصم الأوروبية، إرث عريق لأجداد أحبوا مصر وسعوا لجعلها قبلة للنور وفصلاً مشرقاً بتاريخ الإنسانية.

إقرأ أيضاً