في قلب القاهرة التاريخية، ستسوقك قدماك لهذا القصر الفخيم العتيق الذي بناه أحد أمراء المماليك ولم يقم به إلا ثلاث سنوات وبضعة أشهر فقط، أنه قصر الأمير طاز الذي لازال شامخاً يروي تاريخ عدة عصور ويشهد علي عظمة عصر لعله من أجمل عصور التاريخ وأكثرها إزدهاراً.
كان الأمير طاز أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون وساقيه وزوج ابنته وكان حسن الشكل طويل القامة بطلاً، شجاعاً، محباً للعلماء، كثير الخيرات، قوي العزم ووظاهر الحشمة. وبعد موت الناصر، وضع الأمراء أبناءه تحت وصايتهم وصعد نجم طاز خلال حكم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد حتى أصبح في عهد أخيه المظفر حاجى أحد الأمراء الستة أصحاب مقاليد الدولة. وفي عام 1347 تٌوج حسن سلطاناً وكان عمره 12 عاماً وبدأ في طرد كبار الموظفين فخاف طاز وخلعه ووضع أخاه الأصغر الملك الصالح على العرش فجعله الأخير دوادار دولته. كان حسن يحظى بدعم من الأمير شيخو القوي الذي كان يترقب الوصول للسلطة. وبعد ثلاث سنوات وضع شيخو السلطان الصغير بالحريم وأعاد تنصيب حسن سلطاناً وعاد طاز للقاهرة مستعداً للقتال ووجد أعداءه يفوقون قواته ففرق مماليكه واختفى في بيت أخته ثم سار للقلعة بلا سلاح وقدم نفسه للسلطان.
يقع القصر بمنطقة الخليفة بالقلعة وأنشأه الأمير سيف الدين طاز بن قطغاج بعصر المماليك البحرية، خرج طاز من القاهرة وتولى نيابة حلب وكون جيشاً ضخماً لكن ثار عليه أمراؤها فعزل وعاد للقاهرة واعتقل بالكرك ثم نقل للأسكندرية حتى أفرج عنه بعد مقتل الناصر حسن فعاد للقدس ومنها لدمشق وظل بها حتى مات عام 1361م. أما القصر، فإنتهي بنائه عام 1352م إحتفالاً بزواج الأمير من خوند زهرة إبنة السلطان الناصر محمد علي مساحة فدانين قرب القلعة وجامع السلطان حسن.
إنه القصر المملوكى الوحيد الباقى بكامل عناصره المعمارية. في الجهة القبلية، تقع الإسطبلات وبها الإسطبل الكبير والقاعة الملحقة به وحواصل ومخازن وأحواض دواب والسكن الشتوي الذي يعلو المدخل الرئيسي. أما الناحية البحرية فبها الحرملك لسكن السيدات ويجاوره السلاملك للرجال ومبني الإستقبال. وقد تأثر الحرملك بزلزال 1992 ولم يتبق من القاعة العلوية سوي الجدار الشمال الشرقي، وتم استكمال باقي الجدران والعقود والقبة والسقف المزخرف والشريط الكتابي المحفور عليه ألقاب الأمير طاز العسكرية كما ان القاعة كقاعات البيوت الإسلامية تنقسم لثلاثة أجزاء، إيوان رئيسي وآخر فرعي صغير ويتوسطهم نافورة وبجانبي الإيوان الرئيسي تقع حجرتين واحدة بسقف مزخرف عليه شكل الكأس رمز وظيفة الساقي وسط ألقابه ويقابلها حجرة شتوية بها دفاية وهي الوحيدة التي بقت بعد الزلزال وملحق بالحرملك حمامات علوية بها حجرة باردة ثم دافئة ثم ساخنة بها المغطس وجميعها مغطاة بزجاج ملون لتوفير الإضاءة وإضفاء الفخامة علي المكان.
كانت الساقية العلوية تغذي الحمامات العلوية ونافورة الحرملك بمجموعة شبابيك من الخشب البغدادلي تعلوها ثلاثة شبابيك مستديرة تعرف بالقمريات. أما السلاملك ففي دوره الأرضي مقعد للحرس ويليه الساقية الأرضية وأول ساقية باقية حتى الآن من العصر المملوكي البحري. أما المقعد العلوي بالمستوى الأول للسلاملك، فمقعد خاص بالأمير لإستقبال الضيوف وخلفه حجرات هي ملاحق ومنافع ومبيت للسلاملك.
ولمزيد من الترف توجد بحيرة ضخمة للأسماك وموضع يسمي الطبلخانة مخصص للموسيقيين بجانب بوابة المدخل يعلن منها نافخو الأبواق وضاربو الطبول دخول سيد القصر ومواقيت الصلاة. وبالأدوار العليا للحرملك والسلاملك، تنتشر الجدران العالية الباردة شاهدة علي المعركة الحربية التي دارت بالقصر عام 1489م بين المماليك السلطانية ومماليك الأمير الكبير جار قطلوا والتي بدأت بشجار بين مملوكين صغيرين وتحول لموقعة حربية وخشي الناس على أنفسهم فأغلقوا المتاجر وتوقفت الحياة بالقاهرة تماماً ولم تعد لطبيعتها إلا بعدما فشل المماليك السلطانية في اقتحام القصر على مماليك جار قطلوا.
تعاقبت علي القصر عدة عصور أولها المملوكي بالقرن الرابع عشر الميلادي يليه العثماني وفيه أصبح القصر مقراً له ثم مقراً لنزول الباشاوات المعزولين عن الحكم كولي باشا ويكن باشا سنة 1223 هـ وقد استقطع الأمير علي أغا جزء من القصر وشيد عليه سبيل مياه يعلوه كتاب لتحفيظ القرآن علي غرار الأسبلة ذات الشباك الواحد. وفي عصر محمد علي باشا الكبير، استخدمه مدرسة حربية ومخزن سلاح بحكم قربه من القلعة، وأثناء حكم الخديوي إسماعيل حوله علي باشا مبارك لمدرسة وأنشأ ثلاث حجرات تتوسط الفناء الأصلي ثم قامت وزارة التربية والتعليم بتحويله لمخزن كتب ومناضد حتي بدء وزارة الثقافة بمشروع تطوير القاهرة التاريخية عام 2002 فبدأ الترميم وإستمر حتى عام 2005 ليتحول لمركز إبداع تابع لصندوق التنمية الثقافية بدار الأوبرا. يضم القصر حالياً معرض دائم بعنوان «روائع المماليك» ويضم خمس حجرات الأولى للتعريف بالمماليك والثانية لفنونهم وعصرهم وسياستهم والثالثة لحياة الأمير طاز وقصره وتضم آخر حجرتين علي ناتج حفائر القصر أثناء ترميمه.