بناه الخديوي إسماعيل ليكون مقراً للحكم ويحل محل القلعة مقر الحكم آنذاك وسخر لبنائه كافة الإمكانات فجاء قصراً منيفاً أشبه بقصر فرساي بفرنسا وتحفة معمارية شهدت علي فصولاً من تاريخنا الحديث، إنه قصر عابدين بالقاهرة ورحلة بين أروقة الزمن الجميل.
بداية التاريخ الحديث
صممه المعماري الفرنسي ليون روسو وبدأ بناؤه عام 1863 لينتهي عام 1873 مسجلاً البدايات الأولي لتاريخ القاهرة الحديث حين أمر الخديوي بتخطيط العاصمة على النمط الأوروبي بميادينه الواسعة وشوارعه الفسيحة ومبانية الأثرية وقصوره الفارهة والأهم حدائقه الغناء المزدانة بالنباتات والأشجار النادرة والنخيل لتصبح أحد أجمل عواصم العالم بعشرينيات القرن الماضي.
أما أصل التسمية، فيعود لعابدين بك وكان أحد القادة العسكريين بعصر محمد علي باشا وكان يملك قصراً صغيراً بمكان القصر الحالي إشتراه إسماعيل باشا من زوجته بعد وفاته وهدمه وضمَ إليه الأراضي حوله قبل أن تتم إعادة بناء القصر ليصبح أحد أجمل القصور المصرية ويضم 500 غرفة وعدة متاحف تحوي مئات الكنوز الهامة التي جعلت منه جوهرة المتاحف الملكية.
بوابة باريس ورحلة عبر الزمن
أقيم القصر على مساحة 15 فداناً وتبلغ مساحة حديقته 19 فداناً وزُينت جدران أروقته بلوحات فنانين فرنسيين لمشاهد حربية والأزياء العسكرية المصرية عبر العصور مع صور فوتوغرافية للأسرة الحاكمة وصورة زفاف الملك فاروق مما جعل الممرات متحفاً في ذاتها.
يحيط بالقصر أسوار وبوابات حديدية عملاقة وحدائق تطل علي ميدان عابدين والبداية من باب باريس وبه مدخل الزوار وهي بوابة جميلة تحوي نقوشاً بديعة،وكان الخديوي إسماعيل قد أمر بصنعها في باريس ومن هنا جاءت التسمية وبعدها نجد بهواً كبيراً تتوسطه نافورة مياه محاطة بتماثيل لملوك من أبناء محمد علي باشا.
قاعات القصر بألوانه
بالقصر خمس قاعات كبرى للإحتفالات بكل منها 100 قطعة من روائع الفن العالمي وبه عدد كبير من القاعات والصالونات ومسرحاً يضم مئات الكراسى المذهبة وفيه أيضاً أماكن معزولة بالستائر للسيدات يطلق عليها الحرملك وكانت محرمة على الرجال الغرباء.
وبالقصر أيضاً أجنحة فخمة منها صالونات تميزت بلون جدرانها فهناك الصالون الأبيض بغرفة ضخمة لون جدرانها أبيض وهناك الصالون الأحمر وتحيط به جدران حمراء اللون والغرفة ذات الصالون الأخضر وجميعها مخصصة لإستقبال الوفود الرسمية.
هناك أيضاً الأجنحة الملكية منها الجناح البلجيكي الذي صمم لإقامة ضيوف مصر المهمين وسمي بهذا الإسم لأن ملك بلجيكا هو أول من أقام به ويضم سريراً من التحف النادرة بفضل زخارفه المدهشة التي تم نقشها يدوياً. وأخيراً، توجد بالقصر مكتبة تضم أكثر من 55 ألف كتاب بمختلف المجالات وجميعها نادرة ومكتوبة بلغات عديدة.
المتاحف شاهدة علي العصر
تتنوع المتاحف بقصر عابدين فنجد المتحف الحربي وتضم قاعاته مجموعات نادرة من الأسلحة نفذها صناع مهرة من دول العالم الإسلامى والأوروبي ومتحف الوثائق التاريخية وبه مجموعة كبيرة من الوثائق النادرة التي تحكي تاريخ مصر منذ تولي محمد علي باشا الحكم عام 1805 وحتى نهاية حكم فاروق الأول عام 1952 ومتحف النياشين والأوسمة ومتحف الفضيات وبهما العديد من الأوسمة والنياشين الخاصة بالأسرة الملكية وأدوات وأوانٍي من الفضة والكريستال والبلور الملون وغيرها من التحف النادرة المصنوعة بمصر والمستوردة من دول العالم.
وقبل الرحيل، بإمكان زائر القصر إحتساء مشروبه المفضل بالحديقة الغناء علي غرار الملوك والأمراء والأميرات بمقهى مصمم على الطراز الملكي وكأنه ينهي نزهته بربط الحاضر بالماضي ليخرج عابدين من صمت القصور لضجيج الحياة اليومية المعاصرة.