أمرت بإنشاء هذا الجامع المُبارك الفقيرة إلى الله الحاجة إلى بيت الله الزائرة قبر رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، الستر الرفيع حدق المعروفة بست مسكة الناصرية في شهور سنة 740" تلك هي الكلمات التي ستقرأها عند دخولك مسجد الست مسكة في شارع سوق مسكة المتفرع من شارع الناصرية بحي السيدة زينب بالقاهرة وقد شُيد عام 1339م.

يطلق لقب القرشانة أو مرضعة قلاوون علي المرأة العجوز التي بلغت من العمر أرذله وبرغم أنه تعبير دارج حتى اليوم‏ كنوع من التهكم، إلا أن الكثيرون لا يعرفون أن وراء مُرضعة قلاوون قصة شيقة لإمرأة كانت في زمنها ذات شأن كبير في بلاط السلطان الناصر محمد بن قلاوون ووصلت لرتبة الكهرمانة أو مديرة الجواري وكانت أول امرأة تدخل السجن باختيارها وكانت معروفة بالورع حتي أنها كانت تُعطر أموال الزكاة والصدقات بالمسك لذا أطلق عليها المصريون "الست مسكة".

       

جلشانة أصبحت مسكة
عند زواج السلطان، جلست فتاة حسناء تدعي جلشانة بين الكثيرات لكنها ظلت الأقرب لصاحبة الحفل وكانت العروس تُدعى أشلون وهي ابنة أمير مغولي فر من الاضطهاد في بلاده مع أفراد عائلته ومن بينهم جلشانة القريبة من سن ابنته. وبعد فترة قرر السلطان المنصور قلاوون أن يتزوج الأميرة الهاربة أشلون وأنجبت ابنه محمد الذي أصبح لاحقاً السلطان الناصر محمد بن قلاوون.

وبمجرد مولده، أصبحت جلشانة هي المسئولة عن تربيته ومضت السنوات لتصبح الدادة أكثر حضوراً من الأميرة الأم نفسها وأطلق عليها المصريون لقب "الست مسكة" والتي بنت المسجد الذي يحمل اسمها عام 1339م أي قبل وفاة الناصر بعامين فيما يؤكد البعض أن الناصر نفسه هو من قام بتشييد الجامع بإسمها اعترافاً بفضلها عليه.

مسكة أعادت السلطان للحكم
كان حضور الست مسكة قوياً بأعمال الخير والأحداث السياسية فيُقال إنها لعبت دوراً كبيراً في حشد تأييد الأمراء للناصر محمد ليصبح سلطان مصر عام 1293 وكانت أمه أشلون أيضاً فاعلة بأحد الأحداث المحورية فبعد أقل من عام ثار المماليك في فترة السلطنة الأولى لإبنها الذي لا يزال طفلاً وخرجت الأم للتفاوض معهم في محيط القلعة وانتهى الأمر بعزل السلطان ويُقال إن الست مسكة لعبت دوراً مهما في عودته للحكم مرة ثانية ثم خلع نفسه لكنه استرد سلطنته بعد نحو عام ليضرب رقماً قياسياً في البقاء علي العرش لأكثر من ثلاثين عاماً.

على مدار سنوات حكم الناصر بن قلاوون، احتلت الست مسكة مكانة كبيرة وأصبحت المسئولة عن حريمه وعندما تقدمت في العمر أصبحت قهرمانة القصر أي مدبرته التي يؤخذ رأيها في أمور عديدة وجمعت ثروة كبيرة من الأموال والهدايا التي قدمها لها السلطان وحاشيته فضلا عمن كانوا يرغبون في التقرب من الحاكم وكانت سخية في أعمال الخير وظلت وفية للناصر حتى بعد رحيله. ويُروى أنه عند انقلاب المماليك على ابنه السلطان حسن، أصرت على ملازمته في سجنه وماتت محبوسة بينما عاد السلطان حسن للحكم بعد نحو ثلاث سنوات.

من مسجد لمدرسة علوم فقهية
وعندما طلبت من السلطان أن يهبها أرضاً تستصلحها بالقرب من مقام السيدة زينب كان المسجد هو أول ما أمرت بإنشائه في تلك المنطقة فشجعت الناس على تعميرها وتحول مسجدها فيما بعد لمدرسة لتدريس العلوم الفقهية على المذاهب الأربعة كما يبدو من صحن الجامع ويقع في شارع سوق مسكة المتفرع من شارع الناصرية بالسيدة زينب بحي القاهرة.

هذا ويستضيف حي السيدة زينب جامع الست مسكة المحيطون به ممن يعتزون بوجودهم حوله رغم أن معظمهم لا يعلموا أية تفاصيل عن صاحبته خاصة بعد أن توارى المسجد بين عمارات خرسانية ترتفع لتدارى جمالياته وتخفي معالمه.

خلّدت المنشأة الدينية ذكر دادة السلطان بينما توارت أمه خوند أشلون التي لم تنشئ مسجداً بإسمها فالأحجار تقاوم عوامل تعرية الزمن بينما يختفي الإنسان في ركن بعيد في الذاكرة ما لم يصنع لنفسه أثراً خالداً وذكري حية لا تموت.

إقرأ أيضاً