حقيقة عادت بقوة بفضل التطور الهائل الذي يمكّننا من منع الضرر قبل وقوعه وأحياناً تهيئة المريض لما سيمر به عند إكتشاف أعراض المرض في بدايته. عن الصحة الإستباقية وأهميتها، يتحدث الدكتور صادق عبد العال، إستشاري أمراض الجهاز الهضمي للأطفال وأول من أدخل مفهوم الصحة الإستباقية بمصر.

بداية، من أنت؟
أنا طبيب أطفال بمستشفي أبو الريش الياباني، مارست طب أطفال عامة لعدة سنوات ثم تخصصت بأمراض الجهاز الهضمي للأطفال وسافرت للولايات المتحدة لدراسة إستخدام المناظير للجهاز الهضمي بهارفارد من الولادة وحتي خمس سنوات وكنت أول من مارس التخصص بمستشفي أبو الريش وعالجت أكثر من 2000 حالة في وقت قصير. بعدها طلب وزير الصحة السابق علي عبد الفتاح أن أكون مستشاره لصحة الطفل وكانت نقطة تحول بحياتي فزرت القري والنجوع ولمست حاجتهم للتوعية أكثر من العلاج، ورُشحت لدراسة الصحة العامة بجامعة هارفارد مرة أخري ودرست كيفية إضافة بُعد جديد للصحة ومن هنا «طب سلام الأطفال» وهو كيفية إستخدام طب الأطفال لأجل السلام. وبعد عودتي، بدأت في نشر التوعية الصحية بمدن الصعيد ودول أفريقية وأسست جمعية د. علي عبد العال لطب سلام الأطفال وإنضم لها شخصيات رفيعة المستوي لعلاج الأطفال وزيادة الوعي الطبي. طبقاً لدراسة قامت بها منظمة الأمم المتحدة للإنماء عام 2001، تم تقسيم الشعب المصري لخمس شرائح، أفقر شريحتان يدفعون 30% من دخلهم للعلاج بينما أغني شريحة قلما تعاني من أمراض تستقطع كثير من دخلها ومن هنا جاءت الرغبة في تقليل العبء المادي علي الأسرة المصرية والحكومة.

ما هي الصحة الإستباقية وكيف تختلف عن العلاجية؟
عند ظهور أعراض مرضية، نذهب للطبيب فيما يُسمي بالصحة العلاجية وتشمل العقاقير والأشعة والتحاليل وأحياناً العمليات الجراحية ولذلك فهي مُكلفة. أما في الصحة الوقائية فعند الإصابة بالبرد مثلاً يُطلب من المريض عدم التعرض للهواء وشرب الأعشاب وغلق الشبابيك وهي صحة شخصية تخص المريض بمفرده ولا تنعكس علي المجتمع. أما الصحة الإستباقية المُبكرة، فهي أكثر إيجابية وإستدامة وتشمل نصائح تساعد الفرد علي الإعتناء بصحته وليس فقط العلاج عند المرض فهي تجنب حدوث المرض من الأساس أو الحد من تداعياته، فمثلاً عند قيام عواصف الأتربة، أنصح الأم برش المياة بالبخاخ كيلا تكون الأتربة معلقة داخل المنزل مما قد يسبب حساسية الصدر. وللصحة الإستباقية شق آخر إيجابي وهو زيادة المناعة وخصوصاً لدي الأطفال فعكس السائد، فإن الإستحمام بمياه فاترة تميل للبرودة في الشتاء يقوي مناعة الجسم ويقيه من الأمراض إذا تمت ممارسة الرياضة بجانبه مع الإلتزام بالغذاء الصحي والملابس الثقيلة لا تقي من الأمراض والمناعة وحدها هي التي تفعل ذلك بدليل أن في روسيا، يستحم الأطفال صباحاً بمياة باردة وينزلون للشارع في درجة حرارة منخفضة جداً ولا يصابون بشيئ! معني ذلك أن مناعة أجسامهم قوية للغاية فحتي إذا أُصيبوا بأنفلونزا فسيتغلب عليها جسمهم. الشق الإيجابي الثاني للصحة الإستباقية هو إستغلال الموارد المتاحة بكل مدينة لتعزيز الصحة العامة، فمثلاً، العسل الأسود متوفر بكثرة بمحافظة قنا وهو مصدر للحديد ومع ذلك نجد أعلي نسبة أنيميا موجودة في قنا وهنا يبدأ دور الصحة الإستباقية في  حث الأمهات علي مد أطفالهن بجرعات يومية من العسل الأسود للحد من تداعيات الأنيميا.

هل تكشف الصحة الإستباقية عن عيوب خلقية  أو وراثية قبل الولادة؟
هذا موجود بعلم الوراثة الطبي وليس بالصحة الإستباقية فمثلاً تضاعفت الحساسية بشدة خلال القرن الماضي بسبب التلوث، فبحسب دراسة أجرتها جامعة بوند بأستراليا حيث تمت دراسة علي مجموعة من قبائل «الآمش» ممن لا يعرفون التكنولوجيا ويعتمدون علي الموارد الغذائية الطبيعية لتربية المواشي وغيرها، وبين مجموعة من سكان مدينة جنيف وأخري من سكان الجبال وهي من أنظف المناطق وأقلهم تلوثا علي مستوي العالم، فوجدوا أن الأطفال الذين ولدوا لأم من قبائل الآمش أقل عُرضة للحساسية بسبب الميكروبات الحميدة المتواجدة بروث الحيوانات والأبقار التي تعزز مناعة الطفل وتجعل الأم تفرز مادة من جسمها تصل للجنين وتحميه من الحساسية. التوجه الحالي هو كيفية تعزيز مناعة الطفل قبل ولادته بالطب الوراثي. فمرض الملاريا يصيب مليون شخص كل سنة، 65% من الإصابة بقارة إفريقيا ولدينا في مصر بؤر منها في حلايب وشلاتين. لا يوجد حتي الآن تطعيم ضد الملاريا لذا إتجه التفكير لتغيير الصفات الوراثية بالبعوضة التي تحمل الفيروس لمنع الإصابة من الأساس. وفي مصر، لدينا أحد فروع الصحة الاستباقية وهو الصحة الإلزامية وهو إلزام الشخص علي إتباع حمية غذائية متوازنة للحد من الآثار السلبية للبدانة التي تُكلف الشركات أعباء مالية كثيرة.

ما سبب تكبد الشريحة الفقيرة لتكاليف العلاج؟
لفقر والجهل مع إنعدام الوعي الطبي وأحياناً إنتشار الأفكار المغلوطة هم أسباب تفشي الظاهرة بمعني آخر إنعدام صحة مفهوم الصحة لدي الكثيرين.

هل تدرس الصحة الاستباقية بالجامعات؟
حاليا لا فهو علم غير دوائي يعتمد علي المعلومات والإرشادات فالطب بأكمله معتمد علي الدواء ولكن الصحة الإستباقية مفيدة جداً للفقراء غير القادرين علي العلاج فالوقاية أفضل لها بكثير.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام