لازالت ملامح النوبة عالقة بوجهه، يحدثك عن الحاج أحمد منيب فيجعلك تتمني مقابلة هذا العملاق يسرح وكأنه يراه فحتي الآن لم ينسى كلماته وقفشاته، علاقتهما أباً وإبناً لا يمكن وصفها بالكلام، عندما يكون بضيق يستمع لأغانيه فيجده يتحدث إليه ويرشده. إنه خالد منيب المنتج والشاعر ومؤسس منيب باند والأهم إبن الأسطورة أحمد منيب. تحدث خالد، فماذا قال؟
منيب باند، الأصل وراء الفكرة
أقوم كل عام بإحياء ذكري منيب ولم يكن معى فرقة بل فقط روحه بحضورمحبيه أو فنانين جمعنهم معه أعمالاً مشتركة. بدأت التفكير فى الباند قبل الذكرى العشرين وشجعنى الشباب ممن لم يعاصروا أحمد منيب لكن تغنوت بأغانيه. فكرة الباند جاءت لإستمرار أحمد منيب وموسيقاه التي تحمل عبقرية من نوع خاص. تعرفت علي عبدالله مغني الفرقة بالصدفة وكنت أبحث عن أصوات جديدة فعلمت أن أحد أصدقائي لديه إبن يملك صوت يشبه أبي وذهب للجيش وبعد إنتهاء خدمته تقابلنا وإنضم للفرقة فلديه صوت جميل وروح قريبة لمنيب. يعتمد الباند على الألحان التى غناها أو قدمها لمطربين كمحمد منير وحميد الشاعرى ومحمد فؤاد ومنى عبد الغنى وغيرهم فمنيب رائد الأغنية الشبابية منذ عام 1978 كما وصفه كتاب «أحمد منيب رائد الأغنية البديلة» وهي موسيقي تعتمد على إيقاع النوبة ودفء الجنوب. بدأت الفرقة بي كمدير وعبدالله عادل مطرب وشهاب الدين ترومبيت وأحمد خالد للدرامز وأحمد مندور بيز جيتار وبدر للكمان ومصطفي لطفي للعود ومحمد كوله ومحمود تكا ومستونيكل وأمادو واصلي وله هدفين هما إستمرار إسم منيب وتدريب الأصوات فالإرث ليس فقط أغانى وإنما أيضاً أصوات جيدة.
بين الباند وصوت منيب
نعيش مع الجمهور بحالة ونس وهى الحالة التى نعرفها عن أحمد منيب. فعندما يستمع أحد لأغانى منيب يشعر وكأنه يغنى له فالحالة التى خلقها منيب بينه وبين الجمهور لا تجعلنى أقلق بل على العكس فعندما يأتي الجمهور نحن من نغنى معهم وليس العكس فهم يأتون للحفلات لأغاني منيب التي يحبونها فالنجاح بأن تجد الجمهور يغنى وتغني أنت معه فالحاج أحمد منيب حالة ونس وشجن وخليط من المشاعر فهو يغنى لك وحدك ويغنى لنا بنفس الوقت، إنها كيمياء خلقها منيب يصعُب خلقها مرة أخري.
منيب الوجه الآخر
أحمد منيب كتاب مفتوح للجميع ولكن من الأسرار التى لا يعرفها أحد أنه لا يستمع للراديو أبداً. رغم إحترامه للفنانين إلا أنه كان لا يستمع إلا لموسيقاه. لا أذكر أننى شاهدته بجانب الراديو وربما هذا ما جعل كلماته وموسيقاه مختلفة. من أسراره أيضاً تمنيه أن يغني له محمد الحلو إذ كان يراه مشروع صوت جميل وكان عاشقاً لشكوكو. الحاج منيب كأي أب وزوج فى البيت فأحياناً سى السيد وأحيانا أسهل شخص وهو صديقى ووالدى الطيب والشديد. لم أقل الفنان وإنما الحاج فهي أشمل وأعمق وهذا هو أحمد منيب.
منير ومنيب تجربة لا تموت
تجربة محمد منير مع أحمد منيب تتلخص فى كلمة واحدة «البر» فآخر حرف فى منير «الراء» وآخر حرف فى منيب «الباء» تجدى البر، الحالة بينهم كانت أب وإبنه، حالة لا توصف بالكلام وإنما بالمواقف فأحمد منيب كان يقول أنا بشوف نفسى فى منير وهكذا كان يقول منير فمنيب مطربه المفضل لإختلاف موسيقاه حتى عن المجتمع النوبى. منيب كان أول نوبي يلعب آلة العود ويغني بتفاني للقضية النوبية ففى كل أغانيه تري الحنين للنوبة التي كانت روحها حاضرة دوماً بداخله ورغم تواجده مع الآف البشر إلا أنه كان يشعر بالغربة لبعده عن النوبة.
ما يطلبه المستمعون
طلبات الجمهور كثيرة فكل شخص يريد أن يسمع شئ معين لكن تظل دار بي الهواء هى الأشهر وكانت وحين قدمتها لأول مرة قدمتها بصوتى لإيصال الحالة للباند والجمهور وهى الحالة التى غناها منيب بها. أعطى للفرقة حرية اللعب بالأغانى بما لا يُفقدها روح منيب ولما أدي الباند الأغنية بأربع حفلات، أصبح الجمهور يطلبها بل وتكون الإفتتاحية وهناك أغانى كثيرة لم يسمعها الجمهور فتراث منيب لم يظهر بعد.
منيب حلم لم يتحقق
أجد ما كان يحلم به منيب يتحقق يوماً بعد يوم عندما أري شابة صغيرة تحفظ أغانى منيب. كنا نسكن بحى السيدة زينب وكنت أجده يفتح الشباك عند التلحين أو تأليف كلمات فأقول له «يا حاج أنا أعلم أن الفنانين عندما تلحن تقوم بتهئية الجو العام لتركز وتعمل فى صمت وأن فلان الفلاني يذهب لفندق ليؤلف فلماذا تعمل وسط الضجيج وكيف تركز مع صوت الشارع والناس فقال لى «بحس إن الناس بتغنى معايا ويساعدوننى فى كتابة الكلمات أو التلحين. ضوضاء الشارع تأتيني كنغم، فكان يشعر أن هؤلاء هم من سيسمعوه ويتغنون بأغانيه وهو النجاح الذى يقاس على أساسه أى فنان بوصول أغانيه لكل مكان وغناء الكل لها كبير وصغير، غنى وفقير والأهم الطبقات البسيطة. ما حلم به منيب، أعمل أجاهداً علي تحقيقه.
أحمد منيب فى سطور
كان أول من عزف على العود بالنوبة وقدم مع الشاعر محيى الدين شريف أول أغنية نوبية بقالب حديث وكانت الموسيقي النوبية قبلها مجرد أغان بألحان ثابتة. وبقيام ثورة يوليو وإنشاء الإذاعة المصرية، وجه أحمد منيب وزميله الشاعر رسالة للرئيس جمال عبد الناصر طالبين السماح للموسيقى النوبية بمساحة في الإذاعة كتأكيد على مصريتها وإستجاب الرئيس وكان برنامج «من وحي الجنوب» ليسمع المصريين اللغة النوبية بلسان حال عبد الفتاح والي وألحان أحمد منيب كأولى خطوات إنتشار اللغة والموسيقى النوبية لكن للأسف كان حصار غناء الأساطير أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وغيرهم سبباً في تأجيل مشروعه حتي إلتقى منيب والشاعر عبد الرحيم منصور مع عفاف راضي ليتلاحم اللحن الحزين والكلمة الثرية القادمة من قلب الصعيد لأهل القاهرة وجاء محمد منير عام 1978 والموزعان هاني شنودة ويحيي خليل لتبدأ مسيرة جيل الثمانينيات وإستطاع ثلاثي التجربة وهم أحمد منيب وعبد الرحيم منصور ومحمد منير إقحام الثقافة النوبية بكل بيت وكان ألبوم منير الشتوي هو موعد أبناء الجيل للتغني بغربة المدينة، جيل لم يعش يوماً في النوبة وربما لم يعرف الغربة لكنه بألحان منيب إحتشد بغرفته عازلاً أنفاسه لتحمله ألحان منيب لحنين للماضى والوطن والذكريات. وفي عام 1991 توفى أحمد منيب بعمر خمسة وستين بعد رحلة عطاء بسحر خاص فقد أحدثت أغنياته أثراً رائعاً فأصبح هو والشاعر طاهر أبو فاشا والممثلة شريهان في ألف ليلة وليلة أعظم ثمرة لتلك الحقبة التاريخية.