هل زرت باريس من قبل؟ لو زرتها فحتماً زرت اللوفر ولمست عن قرب عبقرية الموناليزا أحد أشهر الأعمال الفنية التي تحظي بصيت عالمي وشهرة واسعة جعلت منها أحد أهم الأعمال الفنية علي مستوي العالم كما خصصت لها حراسة خاصة لقيمتها الفنية والمادية العالية، فماذا تعرف عن مبدعها؟

ولد ليوناردو دافنشي في بلدة صغيرة تدعى فينشي قرب مدينة فلورنسا بتوسكانا وهو إبن غير شرعي لعائلة غنية فأبوه كاتب العدل وأمه فلاحة طلقت من زوجها بعد ولادة طفلها بمدة قصيرة مما جعله يفتقد حنان الأم منذ سنوات عمره الأولي. في منتصف القرن الرابع عشر، استقرت عائلته في فلورنسا وإلتحق ليوناردو بمدارس فلورنسا حيث تلقى أفضل ما يمكن أن تقدمه تلك المدينة الرائعة من علوم وفنون وكان يتمتع بمكانة إجتماعية مرموقة وحضور قوي ويجذب الإنتباه علي نحو لافت فقد كان وسيماً للغاية ولبق الحديث كما كان عازف ماهراً ولديه قدرة فائقة على الإقناع. 

خلال عام 1466، إلتحق بمشغل للفنون يملكه أندريا دل فروكيو وكان فنان الرسم والنحت في ذلك العصر مما مكن ليوناردو من التعرف عن قرب على تلك المهنة وأنشطتها ولكن ظل الجميع ينظر إليه بكونه مساعد فيروكيو إذ كان يساعده في أعماله ومنها لوحة تعميد السيد المسيح، وفي عام 1478 استطاع ليوناردو الاستقلال بتلك المهنة وأصبح معلماً وكانت أولي أعماله الهامة لوحة توقير ماغي التي بدأها عام 1481 وتركها دون إنهاء وكانت لدير راهبات القديس سكوبيتو دوناتو فلورنسا، بعدها، إلتحق ليوناردو بخدمة لودوفيكو سفورزا دوق ميلانو بعد أن صرح له عبر رسالة بأنه قادر على صنع تماثيل من المرمر والطين والبرونز وبناء جسور متنقلة ومعرفته بتقنية صنع قاذفات القنابل والمدافع والسفن والعربات المدرعة والمنجنيق وأدوات حربية أخرى وعين آنذاك مهندساً كما كان أيضا معمارياً وساعد الرياضي الإيطالي الشهير لوكا باتشولي في عمله الشهير ديفينا بروبورتيوني.
         

كان ليوناردو معلماً ولديه تلاميذ بميلانو وكانت أهم أعماله في ميلانو لوحة «عذراء الصخور» التي رسمها مرتين حيث تم رفض الأولى وقبول الثاني ولوحة «العشاء الأخير» التي كانت باكورة أعماله وهي عبارة عن لوحة زيتية جدارية في حجرة طعام دير القديسة ماريا ديليه غراتسيه ميلانو ولكن للأسف فإستخدامه التجريبي للزيت على الجص الجاف الذي كان تقنياً غير ثابت أدى لسرعة دمار اللوحة التي بدأت في التلف بالفعل وأجريت محاولات لإعادتها لوضعها الأصلي إلا أنها باءت بالفشل ثم كانت محاولات أخري جادة بإستخدام التقنيات الحديثة آنذاك لإيقاف تدهور اللوحة التي إستعادت بنجاح أغلب تفاصيلها برغم كون السطح الخارجي قد بلي وزال.

وخلال إقامته الطويلة في ميلانو، رسم ليوناردو العديد من اللوحات إلا أن أغلبها فقد أو ضاع كما قام بإنشاء تصاميم لمسارح وتصاميم معمارية ونماذج لقبة كاتدرائية ميلانو إلا أن أضخم أعماله كان النصب التذكاري لفرانشيسكو سفورزا وهو والد لودوفيكو في فناء قلعة سفورزيكو. لكن عائلة سفورزا كانت قد اقتيدت على يد القوى الفرنسية العسكرية وترك ليوناردو العمل دون إكمال حيث حطم بعد استخدامه كهدف من قبل رماة السهام الفرنسيين فعاد ليوناردو لفلورنسا وإلتحق بخدمة تشيزري بورجا دوق رومانيا إبن البابا إسكندر السادس وكانت رئيس المعماريين والمهندسين التابعين للدوق حيث أشرف على عمل خاص بالحصن التابع للمنطقة البابوية بمركز إيطاليا ثم أصبح عضو مجموعة الفنانين القائمين علي تقدير المكان الأمثل لتمثال دايفيد الشهير من الصلصال والرخام والذي قام بنحته الفنان مايكل أنجلو وفي نهاية العام بدأ ليوناردو بتصميم زخرفة لقاعة فيتشيو الضخمة وكان موضوع الزخرفة هو معركة أنغياري نصر فلورنسا ضد بيزا.

أنجز العديد من الرسومات كما إنتهي من الرسم التمهيدي بالحجم الطبيعي على القاعة لكن مع الأسف ترك عمله دون إنجاز كما أن الرسوم كانت قد زالت بحلول القرن السابع عشر ولم يبق من عمله سوي بضعة مخطوطات وبعض الرسوم المنقولة عن الرسوم الأصلية. ومن أشهر أعماله المثيرة للجدل آنذاك رسومه لشخصيات متعددة ولم ينج منها إلا لوحته الخالدة والأكثر شهرة على الإطلاق لوحة الموناليزا بمتحف اللوفر وتعرف أيضاً بإسم الجيوكندا وهو لقب عائلة زوج السيدة. تأثر دافنشي كثيراً بتلك اللوحة وشغف بها ولم يكن ليسافر دون اصطحاب هذه اللوحة معه. وبرغم قلة أعماله، كان فنان عصره ومبدعه وذو تأثير واضح على مدى قرن من بعده.

إقرأ أيضاً