أحد أشهر اللوحات في العالم وأكثرها إستنساخاً، رسمها مبدعها رمزاً بسيطاً للأمومة لتصبح بمرور الزمن الأشهر علي الإطلاق، إنها قصة حية لإمرأة عاشت جاهلة مدي شهرتها التي عرفها أحفادها من بعدها. مادونينا هي أشهر الأمهات وقصة رأيناها وجهلنا الكثير عن أسرارها.

كان روبيرتو فيروتزي يريد رسم صورة ترمز للأمومة فأسماها مادونينا وتعني بالإيطالية الأمّ الصغيرة ولم يكن بذهنه رسم صورة دينية لكن بمرور الزمن أصبح الناس ينظرون إليها كأيقونة للعذراء وطفلها الرضيع وكان هذا الخلط سبباً في شعبية موديل اللوحة وإسمها أنجيلينا. كانت وقتها في الحادية عشرة من عمرها والطفل الذي تحمله هو شقيقها الأصغر ذو الأشهر العشر وكان الرسّام قد رآهما في فينيسيا ذات شتاء وكانت ترتدي ملابس ثقيلة وتحمل شقيقها بصدرها لحمايته من البرد.

وبرغم صغر سنها، إلا أنها أظهرت إحساساً عميقاً بالأمومة وهي تحتضن الطفل. كان فيروتزي في الأربعينات من عمره ورأى انجيلينا فذهل لجمالها وبراءة ملامحها ورسمها. وعندما عُرضت اللوحة في بينالي فينيسيا، نالت إعجاب النقّاد والجمهور ونال الرسّام جائزة وتدريجياً أصبحت اللوحة تُعامَل بقداسة واستنسخت آلاف المرّات بأعياد الميلاد والزواج وغيرها من المناسبات وظهرت منها نسخ معدّلة مضاف إليها غيوم وهالات مقدّسة. كان فيروتزي يريد تجسيد لحظة حنان وعطف بين أخت وشقيقها، فرسم صورة خالدة تتحدّث للناس بعفويّتها وصدقها وتظهر الفتاة وهي تحمل شقيقها النائم على كتفها بسلام وتقف على أمام البيوت وكأنها تتوسّل المأوى والطعام. وأهمّ ما يلفت الانتباه هو وجه الفتاة الجميل وعباءتها الخضراء وغطاء رأسها الذهبي والملامح الملائكية للطفل النائم.

 

         

 

تزوّجت انجيلينا وهي في التاسعة عشر من عمرها وغادرت مع زوجها للولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الأولى حيث استقرّا بكاليفورنيا وعاشا حياة مريحة وأنجبا عشرة أطفال. وفي عام 1929، توفّي الزوج بعد إصابته بمرض مفاجئ وكافحت أنجيلينا لرعاية أسرتها الكبيرة. لكن بسبب التعب والإجهاد، أصيبت بإنهيار عصبيّ وقضت بقيّة حياتها بمصحّة نفسية وأودع أبناؤها الأصغر سنّاً بملجأ للأيتام لكنهم ظلوا أوفياء لأمّهم حتى وفاتها عام 1972.

إحدى بنات أنجيلينا وتدعي ميري وأصبحت راهبة كانت تلحّ عليها أسئلة بشأن ماضي عائلتها وظروف موت والدها وجنون أمّها كما كانت تتساءل عن أقارب والديها بإيطاليا وذهبت ميري لإيطاليا وعرفت مكان إثنتين من شقيقات والدتها فأظهرت إحداهما لميري صورة لأمّها عندما كانت صبيّة وأخبرتها أن والدتها كانت موديل لوحة رُسمت في نهاية القرن قبل الماضي وكانت ميري قد رأت نسخاً من اللوحة لكن لم يخطر ببالها أنها أمّها. عائلة ميري بالولايات المتحدة أدهشها الإكتشاف وقرّرت التأكّد من القصّة وبعد البحث عرفوا مكان إبن شقيق الرسّام وكان ما زال حيّاً وإعتماداً على مذكّرات الرسّام، ظهر دليل دامغ على أن والدة ميري هي المرأة باللوحة كما تمّ التعرّف على الطفل وهو شقيقها الرضيع جيوفاني.

لم تخبر أنجيلينا أطفالها بأمر اللوحة كما أن عائلتها لا تبدو الآن سعيدة بعنوان اللوحة «مادونا الشوارع»، إذ يشير للدعارة ويروا أن العنوان الأصلي «الأمّ الصغيرة» أفضل وما يزال أحفاد أنجيلينا يبحثون عن اللوحة الأصلية ويؤكّدون أنهم لا يطالبون بملكيّتها وإنما يريدون رؤيتها ويقال إن اللوحة الأصلية اختفت من إيطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية أو ضاعت أثناء رحلة بحرية بالمحيط الأطلنطي ورأياً آخر يقول أن اللوحة أخذت طريقها لإحدى المجموعات الفنّية بأمريكا. كان روبيرتو فيروتزي معروفا في إيطاليا خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي وقد ولد بمدينة فينيسيا عام 1853 لأب يعمل محامياً وقد درس الرسم في سنّ مبكرة ثم إنتظم كطالب بجامعة بادوا. أما لوحته «مادونينا» فهي الأشهر علي الإطلاق ضمن جملة أعماله وله أعمالاً أخرى أقلّ شهرة بمتحفي فينيسيا وتورين وقد توفّي بمدينة فينيسيا عام 1934.

إقرأ أيضاً