حالة فريدة من التصوف يبتهل فيها الفنان إلي الله ويدعوه بعروض راقصة تمزج بين رقصة التنورة والإنشاد الديني والإبتهالات في مزيج مصري مبهر ويكون الفن فيها رياضة للروح وصفاء للذهن‏.‏ كثير منا يحضر عروضها بأماكن عديدة ولكن قلة هي من تعلم أصل المولوية وتاريخها، فهل تعرفها؟ 

عامر التوني هو رائد فن المولوية المصرية وهي أحد الطرق الصوفية السنية التي أسسها الشيخ جلال الدين الرومي، وفدت لمصر مع الفتح العثماني وكان يطلق عليها مسرح الدراويش. يُقال أيضاً أن المولوية بدأت في عهد السلجوقيين في قونيا بتركيا حيث أثرت في الفن والتدين التركي ومنها إنتشرت بأماكن أخري من الدول الإسلامية وشهدت أوج مجدها منذ الفتح العثماني وحتي ثورة يوليو 1952 بمصر. أسس التوني فرقة المولوية المصرية عام 1994 لتكوين فلسفة خاصة به في تناول الموروث المولوي الذي دخل مصر مع الفتح العثماني حيث كانت هناك عدد من التكايا أهمها التكية المولوية. إستخدمت المولوية الشكل الرمزي حيث الملابس البيضاء رمز للكفن والتجرد والطربوش رمزاً للوحدانية. أما فكرة الدوران عكس عقارب الساعة، فهي أساس الإحتفال وهي فرعونية الأصل وتستخدم تشبهاً بالكواكب في العبادة. والدوران عكس العقارب هي فكرة الطواف الذي هو أحد شعائر الحج فاللفيف أو الدرويش أو الراقص الصوفي يتشبه بالحجاج. نشأت الفكرة بأن تخيل الراقص الكعبة في قلبه ودار حول نفسه.

تضم المولوية عروض الإرتجال العفوي بالمقامات الموسيقية علي أنغام الناي وهو أكثر الآلات الموسيقية إرتباطاً بعازفه مصحوبة بالإبتهالات والأدعية والأناشيد الدينية، ويبدأ العرض بتلاوة القرآن الكريم ثم الإبتهالات والأدعية (الأوراد) بحسب كل طريقة صوفية. ويبدأ رئيس الزاوية في هذه الأوراد بآية «فإعلم أنه لا إله إلا الله» ويقوم أفراد الحلقة بترديدها ثم يقول مستغيثاً «يا فتاح يا عليم المدد يارسول الله المعتمد» ثم تتوالي بعد ذلك فقرات حلقة الذكر ويمنع إستخدام الآلات الموسيقية بإستثناء الدفوف والمزاهر. ثم ينشد أحد الدراويش شعراً يقول فيه: إذا رمت المني يانفس رومي لمولانا جلال الدين الرومي وعند كلمة مولانا تضرب ثلاث ضربات ويبدأ العزف بالنايات ثم ينهض الدراويش ويبدأون بالدوران بطريقة خاصة فينزعون عنهم العباءات ليظهروهم يرتدون ألبسة بيضاء فضفاضة ويبدأون بالدوران علي إيقاعات الإنشاد الديني ويكون دورانهم سريعاً فتنفرد ألبستهم الفضفاضة، وأثناء الدوران يقومون بأيديهم بحركات لها معان صوفية ويشكلون بأيديهم ورأسهم لفظ الجلالة.

     

أما الإنشاد المرافق للمولوية، فيبدأ بنشيد «يا إمام الرسل يا سندي.. أنت باب الله معتمدي.. وبدنيايا وآخرتي.. يا إمام الرسل خذ بيدي». ثم يردد المنشدون عبارة «مدد مدد يا رسول الله.. مدد مدد ياحبيب الله» وتتزايد سرعة الراقصين في الدوران حتي تبلغ قمتها مع ترديد المنشدين لعبارة «يارسول الله مدد.. ياحبيب الله مدد» وتتخللها من رئيس الزاوية عبارة «حي» وتختم وصلة الدوران بعبارة «الله الله..الله الله..الله الله يا الله» التي تتردد مرات عديدة قبل أن تختم وصلة الدوران.

أتباع المولويين يطلق عليهم الدراويش أوالجلاليون نسبة لجلال الدين الرومي وتعد التكية المولوية بالقاهرة أول مسرح بمصر وربما بالعالم كله حيث ترجع عروض فرقة الدراويش المولوية للعصر العثماني بدء من القرن السادس عشر الميلادي. تعود المباني الأثرية بداخل التكية لبدايات القرن الرابع عشر الميلادي وكان الهدف هو إيواء وإطعام الدراويش المنقطعين للعبادة والفقراء. وتتألف التكية من أجنحة منها المسجد والأضرحة والمدرسة المخصصة لتعليم القرآن والخط ومن أهم التكيات بمصر هي تكية كهف السودان الذي إتخذته طائفة المولوية زاوية لهم إبان القرن الخامس عشر الميلادي ثم إنتقلوا للمدرسة السعيدية في عهد الدولة العثمانية ومن شيوخ التكية الشريف نعمة الله الحسيني شيخ زاوية كرمان الجلالية الذي قدم لمصر سنة 820 هجرية وبعد وفاته،

قام الشريف نور الدين أحمد الأيجي الحسيني بتجديد كهف السودان أو التكية التي آلت فيما بعد لدراويش البكتاشية وهي طريقة أناضولية دراويشها من الأتراك عملت الدولة العثمانية منذ قيامها علي حمايتها وتنسب لحاجي بكتاش ويعود تاريخها للقرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي. أغلب المنشدين ينشدون الموشحات الدينية في حدود مقامات الراست والبياتي والصبا دون مصاحبة آلية ومن رواد التلحين للموشحات الدينية، الشيخ زكريا أحمد الذي جاءت ألحانه قريبة من الإبتهالات الدينية وكامل الخلعي الذي إلتزم في تلحينه للموشح الديني بوضعه علي إحدي ضروب الموشحات الغنائية العاطفية. وتظل المولوية المصرية تعد من أهم ألوان الفلكلور الذي يجذب قطاع عريض من المريدين والمشاهدين الذواقين والسياح.

إقرأ أيضاً