في ميادين مُختلفة بمحافظات مصرية، يُنظم إئتلاف الثقافة المستقلة فاعليات فنية منوعة كالرسم والغناء والمسرح وإلقاء الشعر في خطوة مُستقاة من روح ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير. ومن قلب الميدان تنطلق المواهب وتعلو الأصوات بمختلف الفنون ليصبح بحق الفن ميدان.
ومن أكثر الموسيقى محلية لأوسعها عالمياً، نري فرق موسيقية كثيرة ومغنيين وموسيقيين أكثر وشباب يستمتع ويشدو بموسيقى الشيخ إمام ويرقص على الموسيقى الشعبية، يعشق الموسيقى الغربية ويتمايل مع إيقاع الجاز والريجي والهيب هوب والميتال في نفس المكان بمهرجانات «الفن ميدان» بميدان عابدين بالقاهرة والميادين الرئيسية بكبري المحافظات كبورسعيد والسويس وأسيوط والإسكندرية.
ستستمتع بأنواع الموسيقى والكلمات الشبابية التي تصف حالة الشباب العامة وميولهم الفكرية من خلال فرق كثيرة، جيتارات ومواويل ربابة الفن الشعبي ودفوف النوبة وناي الراي وستستمتع بموسيقى الجاز وإيقاعاتهم في مسرح السرادق بميدان عابدين. ويبقي الفن ميدان ترجمة حية لتلك الصيغة الحاشدة التي أفرزتها الثورة حين إلتقي الفنان بالمثقف بالعامل بالحرفي تحت شعار واحد، وميادين مصر تحولت خلالها لمصهر أعاد تشكيل الشخصية المصرية من جديد بعيداً عن الأفكار التقليدية.
في الشارع، كان الفن ميدان أول مهرجان ثقافى يجعل الثقافة جزء من حياة الناس ويفتح الشوارع والميادين أمام الأعمال الفنية محولاً الساحات العامة لأرض خصبة للتعبير الحر والمعرفة والبهجة وتمكين المواطن المصرى من حقه فى خدمة ثقافية تُثري وجدانه مع إعطاء الفرصة للفرق المستقلة للمشاركة وقد إنطلق في إبريل 2011 في أعقاب ثورة 25 يناير، بتبرعات الأفراد ومشاركة جمعيات أهلية وشخصيات عامة بإشراف إئتلاف الثقافة المستقلة المكون من شخصيات عامة تدعم أهداف الثورة والإصلاح بكل المجالات.
نذكر مثلاً "مش ناسيين محمد محمود" وهي إحتفالية أُقيمت للتنديد بأحداث شارع محمد محمود مع أشكالاً فنية مختلفة مابين حفلات موسيقية وغنائية وعروض سينمائية منها فقرات فرق روح الشباب وبهية ومنيب باند وستورم باند والمغنى خانة بالإضافة لمعارض رسم وندوات شعر. وتضامناً مع الشعب السوري ضد العنف تجاه المدنيين العزل، أقيمت فاعليات فنية أيضاً بعنوان «من أجل سوريا» بمشاركة فنانين سوريين ومصريين وعدد من أهالى الشهداء في مصر تعبيراً عن التضامن التام والتأييد المُطلق لشعب سوريا.
وفي الميدان، ظل الشيخ إمام مطرب كل الثورات وكان كفيفاً لكنه صاحب نظرة بعيدة المدي، صوته يشبه ملامح المصري الأصيل، ترك بصمة بكل جيل وكان مخلصاً في غنائه وفي سجنه وإعتقاله ومع أهل بلده وجيرانه وأصدقائه وكان يحمل تراثاً موسيقياً عربياً ضخماً. عندما تلقي كلمات نجم، إستخدم قدراته التراثية لتلحينها ألحاناً ببناء فني متماسك من أول ضربة إيقاع وحتي الأخيرة وجاءت تعبيراته متأثرة بعرق الناس وأفكارهم وأوهامهم وأحلامهم وأوجاعهم بدون تجميل. عندما أفرج عنه السادات هو وأحمد فؤاد نجم، قدما عام 1972 «رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني يامصر انتي اللي باقية» مع هزيمة 1967 التي كانت كالزلزال علي جيل آمن بعبدالناصر وإستيقظ علي الإنكسار وسقوط الحلم. كانت تلك بداية رحلة نجم وإمام وقدما «بقرة حاحا» وهي الأغنية التي حملت رمزية حول البقرة التي تراخي أولادها في الدفاع عنها فتركوا الفرصة لنهبها.
في إنتفاضة الطلاب الوطنية عام 1972، غني الشعب معهما بُكائية «أنا رحت القلعة وشفت ياسين، حواليه العسكر والزنازنين، أنا شفت شباب الجامعة الذين أحمد وبهاء والكردي وزين حارمنهم حتي الشوف بالعين». عندما حاول في بداية الثمانينيات السفر للخارج فوجيء بمنعه من قبل المدعي العام الإشتراكي» فضحك ساخراً «المفروض اللي يمنعنا المدعي العام الرأسمالي» وغني «ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الإشتياق.. ممنوع من الإستياء.. ممنوع من الإبتسام.. كل يوم في حبك تزيد الممنوعات.. وكل يوم بحبك أكثر من اللي فات».
في منتصف الثمانينيات، تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء حفلات في فرنسا فلاقت حفلاته إقبالاً كبيراً وبدأ في السفر في جولة بالدول العربية والأوروبية لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة. وللأسف، بدأت الخلافات في هذه الفترة تدُب بين ثلاثى الفرقة الشيخ إمام ونجم ومحمد على عازف الإيقاع لم تنته إلا قبيل وفاة الشيخ إمام.
خطف الموت جسده لكنه لم يخطف صوته فلايزال حاضراً يُعبئ المشاعر ويُحفز الهمم في حب مصر فالجميع شاهد عندما هلت بشاير 25 يناير كان صوت الشيخ إمام أول الحضور في الميدان «صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر» ظلت أغنياته وألحانه وقوداً لشحذ الهمم طيلة 18 يوماً هي عمر الثورة في الميدان فكان الشباب يلتحف بها من برد الشتاء تارة أو يحتمي بها من عصا أو حذاء أمن مركزي تارة أخري، يوم28 يناير كان اليوم الفارق.. دماء الشهداء تحاول رسم خريطة لمستقبل هذا الوطن, وكانت المواجهة علي أشدها وواجه الشهداء الرصاص بصدورهم و فيها غني الثوار "الجدع جدع والجبان جبان بينا ياجدع ننزل الميدان".