شعور غامض بالدفء والسكينة ينتاب النفس الهادئة القابعة فى سكون وطمأنينة.. شعور بالسعادة الغامضة.. بالأسى حيناً.. بالفرح والشقاء وكل المتناقضات.. هى فى الأصل نفس بشرية بتناقضاتها وأفراحها وأحزانها ومحاسنها وسيئاتها. نفس تكبر يوماً بعد يوم.. تشيخ مع الصبا أو تظل شابة طوال العمر.. نفس نحملها بين جوارحنا فتشقينا وتسعدنا.. تبكينا وتفرحنا.. نمضى بها وتمضى بنا فتحيل العمر رحلة مرحة أو سلسلة شقاء لا تنقطع.

تمر بنا الأيام وتمضى بسنوات العمر.. دقائق تسير.. ساعات تتوالى ويمضى معها القطار.. يأتينا الليل بحلكته ليطل علينا نهار جديد.. يضىء شعاع الشمس ليطفئه نور القمر وتغفو النجوم مع خيوط الفجر ليأتى الصباح.. يحدونا الأمل حيناً ليغلفنا الىأس فى كثير من الأحيان.. يكتمل الحلم لينهار.. تزداد الظلمة لتضىء خيوط الفجر -دوماً- من جديد. نرتفع معها لتهوى بنا.. تخنقنا لتريحنا.. تتلاعب بنا الأمواج وتلهو بنا الأقدار.. معذرة قلبى أن تمل أو تكل أوتتعب فهو قانون الحىاة.. تشقى لتسعد.. تحلم لتموت وتيأس لىعود إليك الأمل والحلم من جديد.. قدر.. نصيب.. مكتوب أو قل مجرد حياة!!

لحظات نتذكرها.. همسات نحملها بين ثنايا القلب والروح والوجدان.. عبرات تسيل وجروح تلتئم.. ثوان بالعمر.. سنوات بلا عنوان.. قصص بلا صور.. حكايات بلا هوية.. وهى الحياة.. كل الحياة.. وماذا تعنى لنا الحياة وما سر تلك القناعة التى يحملها البعض والتوتر الذى يخيم سلباً على كثير من الأجواء.. تلك السكينة التى تغيب عن الأفئدة لتملأ أخريات.. تتوه عن نفر من عقول شاردة لتغزو ألباباً لإناس سعدوا بها وأسعدتهم. نستخدم كثيراً كلمات قد لا نعنيها ومعان قد لا نقصدها.. ترتمى جوفاء على مسامع الآخرىن فلا تنبئ عن شىء.. جملاً، عبارات، فقرات مطولة منمقة أو قل مجرد كلمات.. نتقاذفها بغية البناء، فنهدم الأساس.. نقصد العلو فنهوى بالأعماق.. نغرق فى المعانى فنتوه بين الكلمات.. تعلو مسامعنا أحاديث سلبية ما بين خيانة وكره وعداء وتعلو عبارات «الكل حاربنى»، «لم يساندنى أحد»، «أعداء النجاح»، «الأصدقاء خانونى»، «صنعت نفسى بنفسى»، «لا أجد فضلاً لأحد».. طلقات صارخة.. من كبير أو صغير.. من شاب أو فتاة.. من الجميع.. وكأن العالم خلا إلا من عصامية الفكر وتوحد الكائنات ووحدة الطريق.. لماذا ننكر فضل العالم من حولنا؟ لماذا لا نجد من نمتن له وندين له بالعرفان؟ قاصداً أو عن غير قصد.. لربما يضع القدر فى سبيلك من يغير مجرى الرحلة.. يبدد الغيوم أو يزيدها تعقيداً.. لا يهم.. يلون البياض سواداً أو يزيح الغمة.. لا يهم.. فالأصل أنه قدر يحول مجرى الأحداث.. وكثيراً -للخير- ولا نراه!!

كم من صدفة غيرت من مجرى أيامك.. فنجان قهوة مع صديق.. حديث عابر مع غريب.. موقف فى القطار.. وردة فى كتاب.. عجوز علي قارعة الطريق.. إعلان فى صحيفة.. تذكرة سفر على غير انتظار أو موعد مع حبيب.. كم من مرة شحذت الهمة وبذلت الجهد الكبير ولم تصل وكم من أخرى حالفك الحظ دون جهد أو عناء.. كم من مرة صادفتك ذكريات الطفولة وأيام الصبا وسنوات العمر الراحلة.. حملتك الأم.. رعاك الأب.. صادقك الرفاق.. زاملك الأخ.. علمك الأستاذ وساندك الزميل.. ولم تشعر ىوماً -أبداً- بالعرفان.. لشخص صادقك.. لموقف جاء لصالحك.. لفقرة فى كتاب الحياة.. لحادث بدل أيامك أو عدو جعل منك -من دون قصد منه- شخصاً جديداً!!

فى رحلة البحث عن الذات، ننسى دوماً ما ننساه ونتذكر ما نتذكره.. نتناسى ما لدينا ونركض دوماً طلباً للمزيد.. ننسى العرفان فتنسانا القناعة.. نرفض الامتنان فيجافينا  الرضا.. لا نشكر فتزيدنا الدنيا طمعاً.. لا نشبع فتزيدنا جوعاً.. لا نهدأ فتملؤنا ركضاً.. لا نحمد فنزداد لهثاً.. ويوماً بعد يوم، يتوه العنوان وتسقط الأقنعة وتبدو النهاىة ومازلنا بعد فى أول الرحلة وبداية المشوار. فى رحلة الحياة، لمن تدين بالفضل؟ «علامة استفهام».. سؤال بلا جواب.. كما القصيدة بلا عنوان، كما اللحن بلا عزف.. كما الطير بلا أغصان.. مقطوعة لا تكتمل وقصة لا يكتب لها الخلود.. إنسان بلا هوية ومنزل بلا عنوان.. إنه القدر والقدر حياة.. يأبى أن يريحىنا فىزيدنا حيرة.. نفتقد الأرض الصلبة.. وتصير أىامنا ريشة فى الهواء.. تلهو بنا الأقدار فتتداخل مصائرنا وترتبك أفكارنا وتتفاعل.. تعلو.. تهبط.. تقف.. تسير.. تضحك.. تبكى.. وتسخر منها الأقدار!! ونعود لنقطة البداىة والسؤال الحائر ذاته.. علامة الاستفهام والإجابة رأس السؤال.. لمن تدين بالفضل؟

لأمى.. لأبى.. لأخ زاملنى رحلة الحياة.. لصديق رافقنى العمر.. لزميل دراسة أسعدنى.. لمعلمى فى الصغر.. لمديرى فى العمل.. لغريب صادفنى وقريب أسعدنى.. لحقيبة مدرستى الصغىرة.. لغرفة ملابسى.. لشرفة منزل عال رأيت منها الحىاة.. لفناء لهوت فيه وأخى صغاراً ودرب شهد تجوالى وسيارة حملت أحلامى وصدفة بدلت شكل الأيام ورسمت معى سنوات الحياة. شعور بالامتنان يملؤنى.. شحنة من قوة خفية وطاقة نور تملأ جوارحى.. والاحساس العالى الدفين بالعرفان يجعل الحىاة أكثر إشراقاً والنفس أكثر عطاء والقلب أكثر صفاء.. الحب يجعل القلب يسمو والنفس تصفو وتهدأ وتسترىح والأرض الصلبة التى عليها تنمو أيامك، تزداد صلابة وقوة.. وتتعدد المواقف وتتنوع الحكاىات.. ودوماً طاقة نور تأتى من بعيد.. تراها حيناً.. وتخبو حيناً. تضىء لعينيك أو لقلبك أو لعقلك.. اجعلها تغمرك واغمر نفسك بالعطاء والبذل للآخرين.. لا يكفى أن تنجح فالأصل أن تدرك سر النجاح.. لا يهم أن تعلو فالأهم أن تدرك ماهية السمو وأصل الرقى وسبب التقدم.. والأصل -دوماً- يد خفية صنعت لك معروفاً.. جعلت منك شخصاً آخر.. كانت سبباً.. ظاهراً أو خفياً.. مباشراً أو غير مباشر..

لمن تدين بالفضل؟ ستدين للأقدار.. ستدين بالشكر للحياة.. فالقدر متى شكرنا يهب لنا كل الحياة.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام