لو أن هناك مثلاً في تحقيق المستحيل فحتماً ستكون شجر الدر فهي الجارية التي جلست علي العرش وأصبحت أحد أشهر السيدات ممن حكمن مصر وأكثرهن قوة علي الإطلاق، قصة حياتها وصعودها وإنهيارها مثيرة للجدل وحتي إسمها الذي عرفت به وهو شجرة الدر والأصل فيه شجر الدر في خطأ شائع لا يعرفه الكثيرون.

سيدة البلاط والأصل جارية
شجر الدر وشهرتها شجرة الدر هي واحدة من قليلات إنفردن بالحكم وإدارة شئون الدولة بل وقيادة الجيوش وتحقيق الإنتصارت. إسمها الحقيق هو عصمة الدين كما عرفت بأم خليل وقد بدأ الإهتمام بها حين تزوجت من الصالح نجم الدين أيوب وصارت إحدي سيدات البلاط الحاكم بعد أن كانت مجرد جارية. 
يقال أن أصولها تركية أو أرمنية فيما يؤكد أغلب المؤرخين أنها خوارزمية أي من بلدة خوارزم -خيوة حالياً- وتقع غرب أوزبكستان وكانت عالية المكانة حيث خرج منها أبرز علماء المسلمين لكن لم يتمكن أحد من تحديد سنة مولدها.

وبدأت رحلة الصعود
بدأت قصتها بدخولها البلاط بعد زواجها من الصالح نجم الدين أيوب الذي إشتراها من سوق للنخاسة وصارت جاريته المفضلة فكان يصطحبها بكل رحلاته وتمكنت الجارية الفاتنة من إمتلاك قلب الأمير الشاب الذي أعتقها وتزوجها لتصبح من الأميرات. ولا تتوفر معلومات عنها قبل ذلك إلا أنه ثبت أنها حظيت بقدر من التعليم وكانت تجيد القراءة كما عرفت برجاحة عقلها وذكائها الحاد.

في عام 1249، أبحر لويس التاسع من مارسيليا علي رأس جيش لغزو مصر وعلم الصالح فبدأ يستعد للمعركة وكان يشاور زوجته في خططه لكنه مرض وتوفي مع وصول الحملة وكان إبنه وولي عهده توران شاه خارج البلاد وانتشر خبر وفاة القائد فتدهورت معنويات الجنود فما كان من شجر الدر إلا أن أدارت المعركة حتي حققت نصراً عظيماً وأسرت لويس التاسع قرب مقر قيادتها بالمنصورة وقضت على الوجود الصليبي بالدول الإسلامية.

نقش إسمها علي الدراهم والدنانير وصدرت الأحكام بتوقيعها أم خليل وأرسلت المحمل من مصر للمدينة حاملاً كسوة الكعبة لكن إغتاظ الخليفة العباسي المعتصم في بغداد وقال "إن كانت الرجال عدمت عندكم، فأعلمونا لنسير إليكم رجلاً" وإشتدت المعارضة ضد توليها حكم مصر وبدا المشايخ يروجون بمخالفته للشرع.

معارضة حكمها والثورة ضدها
لم يدم إنفراد السلطانة شجر الدر بعرش مصر سوى أيام وهي المدة التي أخفت خلالها نبأ موت السلطان وفور إعلان خبر موته وإنفرادها بالعرش، خرج الشعب المصري للشوارع معلناً رفضه لإستمرارها على العرش بدعم من أعدائها ولم تشفع لها إنتصارتها فكان الإعتراض عليها لسببان الأول إجتماعي فقد رفض المصريون أن تكون قائدتهم امرأة فهي إهانة لكل رجل والثاني ديني فإعتلاء إمرأة لعرش الدولة مخالفاً للشريعة وكان خطباء المساجد بقيادة الشيخ العز بن عبد السلام يحرضون الجموع على الثورة ضدها.

لم ترغب شجر الدر في الزواج بعد رحيل زوجها ولكن أمام الهجوم عليها، قررت الزواج من أحد المقربين منها وجعله سلطاناً للبلاد وتنافس على قلبها إثنين من قادة المماليك هما فارس الدين أقطاي وعز الدين أيبك لكن وقع إختيارها على الثاني واستخدمته للتخلص من الأول ثم تنازلت عن العرش لأيبك صورياً لتهدئة الأوضاع لكنها كانت الحاكمة الفعلية للبلاد.

الخيانة أصلها رجل
لم يتخل أيبك عن طموحه بل هاود شجر الدر للتخلص من منافسيه في الداخل والخارج ثم إنقلب على السلطانة وسيطرةعلي الحكم بل وأعلن عن نيته خطبة إبنة صاحب الموصل وأوشى لها أعوانها بإن أيبك يدبر للتخلص منها بإنزالها عن العرش وإيداعها دار الوزارة بالقاهرة فنصبت له فخاً ودعته لقصرها وفور دخوله إغتاله مجموعة من حراسها.



في اليوم التالي، أعلنت شجر الدر وفاة أيبك ولم يصدقها المماليك أتباع أيبك فإنقلبوا عليها وحبسوها وعذبوها حتي تدخلت زوجة أيبك الأولى وتدعى أم علي وأمرت جواريها بضرب شجر الدر حتي الموت وألقت جثتها من فوق سور القلعة وتركتها بالعراء عِدة أيام حتى تعفن قبل أن تدفن بمحراب كانت قد بنته لها بجوار مسجد ابن طولون به نقش كوفي خشبي ومكان للصلاة مزين بالفسيفساء.

ورغم نهايتها، المآساوية خُلِدت ذكرى شجر الدر كإحدي أقوى النساء على مر العصور وحظت شخصيتها بمكانة عالية في التراث العربي وضرب بها المثل في الحكمة والقوة والدهاء وتوارثت قصتها الأجيال وبالغوا في قوتها وقدرتها على المراوغة والتلاعب بخصومها.

 

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام