تظل رؤية هلال رمضان هى الفرحة التي تعلن قدوم شهر الصوم فى مختلف بقاع العالم ليجتمعوا جميعا على مائدة الإفطار والذكر فى رمضان ولكن هل تعرف كيف بدأ استطلاع هلال رمضان؟
كانت الاحتفالات فى مصر برؤية هلال رمضان تبدأ فى يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان وكان يحضرها على مدى التاريخ الإسلامى فى مصر كبار رجال الدولة فى العاصمة والمدن الكبرى. فقد اختلف المؤرخون حول أول من خرج لتحري هلال شهر رمضان من قضاة مصر فالبعض ذكر أن أول من خرج إلى تحري الهلال بمصرالقاضي غوث بن سليمان وقيل القاضي إبراهيم بن محمد بن عبدالله، وقيل أيضا أبو عبدالرحمن بن عبدالله بن لهيعة الذي تولى قضاء مصر سنة 155هـ.
اختلف أيضا المؤرخون حول أول مكان لتحري الهلال فقيل انه كان يتم من أعلى المسجد العتيق "عمرو بن العاص" ثم تم نقل مكان الرؤية إلى الجيزة تم نقل مكان تحري الهلال إلى جبل المقطم حيث كانت تعد لهم دكة على سفح جبل المقطم عرفت "بـدكة القضاة" يخرج إليها لاستطلاع الأهلة وعلى نفس جبل المقطم بنى القائد بدر الجمالى مسجداً له فى العصر الفاطمي اُستخدمت مئذنته كمرصد لرؤية هلال رمضان.
ويرجع إلى الفاطميين سن ما يعرف بموكب أول رمضان أو موكب رؤية الهلال والذى أصبح عادة استمرت في العصر المملوكي فكان قاضى القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف. إلي أن تم فى هذا العصر نقل مكان الرؤية من منارة مدرسة المنصور قلاوون أو "المدرسة المنصورية" علي سفح جبل المقطم إلي المحكمة الصالحية وكان إذا تحققوا من رؤيت الهلال أضيئت الأنوار على الدكاكين وفى المآذن وتضاء المساجد ثم يخرج قاضى القضاة فى موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.
فى العصر العثمانى عاد موضع استطلاع الهلال مرة أخرى إلى سفح المقطم فكان يجتمع القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية ثم يركبون جميعا يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان فى ليلة مشهودة.
واستمر الأمر على ذلك حتى أمر الخديو عباس حلمى الثانى بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق لما لهذه المناسبة من تقدير وقدسية فى نفوس وحياة المسلمين كونها بداية لأكثر الشهور قدسية وعبادة فى الإسلام.
وظلت مهمة إستطلاع الأهلة وإعلان الصيام تسند إلى القضاة إلى أن تم إنشاء دار الإفتاء المصرية فى أواخر القرن التاسع عشر وأسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان، حيث أصبح هناك نحو 9 لجان شرعية وعلمية متخصصة فى دار الإفتاء لرؤية الهلال فى عدة مناطق منها أسوان والسلوم والفيوم والقاهرة وجميعها ترصد الهلال من زوايا وخطوط عرض وطول مختلفة ومن أماكن مرتفعة حتى يمكن أن رؤية الهلال منها بشكل واضح مثل القطامية والقلعة والهرم ويتسم الشخص الذى يختار للرؤية بالثقة والعدل والأمانة والنزاهة وقوة البصر وترسل تقاريرها إلى اللجنة الدائمة فى دار الإفتاءالتى تستقبل أيضاً تقارير من الدول التى تقع شرق مصر مثل السعودية والكويت وسوريا ثم تفحص هذه اللجنة مدى مطابقة هذه التقارير بالدراسات الحسابية والفلكية وبناء على النتيجة يقرر مفتى الجمهورية إعلان أول أيام شهر رمضان.
وتعلن الإفتاء نتيجة الاستطلاع وتقيم الاحتفالات التى يحضرها كبار رجال الدولة والمشايخ والعلماء وعلى رأسهم الإمام الأكبر شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة والوزراء وسفراء الدول الإسلامية ورجال القضاء وغيرهم.