ليست مجرد حارة صغيرة بقلب القاهرة العتيقة كما يعتقد البعض ولكنها حي كامل تتخلله 350 شارعا وحواري وأزقة وممرات بعضها لا يتجاوز المتر الواحد وتمتد لمسافات كبيرة متداخلة، إنها حارة اليهود التي مازالت قابعة بهدوء في حي الجمالية تروي قصة ساكنيها وأسرارهم وسطور من تاريخ طويل مضي بمشاهده ودام بذكراه.
إذا عبرت شارع بورسعيد ووصلت لشارع الموسكي متجهاً لحي الحسين، ستجد حارة اليهود على يسارك ولها أربعة مداخل من شارع مكسر الخشب وشارع السبع قاعات البحرية وشارع سوق الصيارف وشارع خميس العرسوهي بحي الجمالية.
بدأت قصة حارة اليهود في عهد الدولة الفاطمي عندما قال السلطان المعز لدين الله إنه منع كل ما حرمه الله فرد وزيره أن سبب انتشار الفساد والمحرمات هم اليهود وعلي الفور أمر أمير المؤمنين بتحديد إقامة اليهود في حارة زويلة والحواري التي حولها وسمح لهم بمزاولة تقاليدهم بها فكانوا يشربوا الخمر بعد إغلاق أبواب الحارة بعد الغروب كيلا يدخلها المسلمون وبالفعل بدأ الناس في الإبتعاد عنهم.
نابليون وحملته
إستمر الحال حتى دخل نابليون مصر مع الحملة الفرنسية وبدأ المسلمون يدخلون الحارة في حدود ضيقة وبدأ نابليون في حصر أسماء الناس والشوارع لقمع أي ثورة تحدث ضده وأطلق على الحارة اسم حارة اليهود.
معابد حارة اليهود
تنقسم حارة اليهود لقسمين الأول لليهود الربانيون والثاني للقارئين وبها 13 معبدا للربانيين ومعبد واحد للقارئين وكلها تتسم بالحرص الشديد وبساطة البناء والزخرفة وأفخمها هو معبد موسى بن ميمون في درب محمود ويقال أن المريض يشفى بمجرد دخوله المعبد وكان اليهود يجتمعون فيه كل سبت لأخذ البركات ومعبد هرمبان ويقع في درب محمود. أما باقي المعابد فهي نعلنيس في شارع السقالية ومعبد عبد بن يوجاري وقد أنشأ علي أرض ملك لنسيم موصيري وهو مكون من طابقين وبه مدرسة لتعليم الدينه اليهودية تدغي "مدراشي". وفي شارع السقالية يوجد معبد راب إسماعيل أما معبد تركيه فيقع في شارع درب الكتاب ومعبد الأستاذ في درب المصريين ومعبد راب حايم كابوس في درب النصير ومعبد راب زمرا في حوش الصوف ومعبد اليهود الفدائية في حارة الكنيسة بالخرنقش.
ألغاز حارة اليهود
ولحارة اليهود ألغاز كثيرة منها الظلام الأسود الذي تحدثت عنه مجلة آخر ساعة عام 1956 موضحة أن سكان الحارة كانوا يعيشون ليلة كل سبت في الظلام ويحرم عليهم وضع النقود في جيوبهم أو الحديث عنها ويدعوا وهم يقرأون التوراة حتى الفجر ثم يتوجهوا للمعابد وفي تمام السابعة صباحاً يبدأ القداس الأعظم ولا يحظر أن يسير مخلوق في الحارة حتى ينتهي القداس ثم يجمعوا تبرعات في صندوق النذور المعلق على باب المعبد. كان كل سكان الحارة من اليهود وكانت هناك تعليمات من آبائهم تحرم عليهم ترك الحارة وكانوا يعرفون الغريب و أي بائع قبل دخوله لا بد من أخذ الإذن.
وأفضل من تحدث عن حارة اليهود هو الكاتب الكبير أنيس منصور عن حارة اليهود حين قال أن إسرائيل عبارة عن حارة ليهود العالم كله تعبيراً عن حبهم للعزلة و البعد عن المجتمعات.