من منا لم يلمس سحر العجمى الذي فاقت شهرته كل شواطىء مصر. كلنا عشنا بين ربوعه سنوات الصبا وإنطلاقة الشباب وعلي رماله نقشنا صوراً وسطوراً لحواديت وأحلام وآمال تحقق منها ما تحقق ونثرت رياح بحره الصافي ما تبقي علي الرمال من قصور الأبرياء.

كان أول ذكر للعجمى مع ضرب الأسكندرية سنة 1882 فكانت هناك طابية صغيرة هي طابية العجمى قام الأسطول البريطانى بضربها مع غيرها من الطوابى والقلاع. أما المؤلف الشهير اى. ام. فورستر فحكي كيف كان يذهب للعجمي عام 1915 من الأسكندرية بحراً بالقوارب الشراعية وكانت تسمى (كوتر) للفسحة وكانت رمالها ناصعة البياض وبحرها أزرق تركوازى. وتمر الأيام ويأتي عام 1942 ويصبح العجمى المكان المفضل للضباط البريطانيين المتمركزين بالأسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية فيذهبون بالقوارب الشراعية لتمضية اليوم والعودة آخر النهار. كان العجمى مفضل للأجانب المقيمين بمصر فكانوا يقصدونه صيفاً للبحر وخريفاً لصيد الطيور المهاجرة من أوروبا فبنوا بيوت صغيرة للإقامة أثناء رحلات الصيد ولا زال بعضها في بيانكى. إنتهت الحرب العالمية وكان من المهتمين بالعجمى ضابط بريطانى سابق برتبة ماجور من أصل مالطى هو الماجور بيانكى وكان مقيماً بمصر وأعجبه المكان فبني شاليهات وفيلات صغيرة تؤجر لراغبى الصيد. لم يكن بيانكي الوحيد الذى اهتم بالعجمى بل كان هناك مقاول سويسرى هو بول بليس قسم منطقة بالجهة الشرقية وبنى فيلات وشاليهات أكبر و أفخم من بيانكى.

إكتسب الشاطىء شهرة أكبر وأقيم مدق ترابى يصل طريق الأسفلت الذى رصفه الإنجليز أثناء الحرب ليربط بين العلمين والأسكندرية والعجمى، خلال خمسينات القرن الماضي، إكتسب الشاطىء شهرة خاصة عام 1956 حيث تم إفتتاح عجمى بالاس الذى جذب الشباب والسيدات الجميلات من الأجانب المقيمين بمصر وكانت تقام به الحفلات وتفد إليه الفرق الموسيقية ثم تتعاقب ستينات القرن الماضي ويترك الأجانب مصر ليبقى العجمى إختيار الأجانب ممن بقوا والمصريين المشبعين بالثقافة الغربية من راغبي الهدوء بعيداً عن صخب الأسكندرية. وخلال السبعينات زاد الإقبال على العجمى وإفتتحت أماكن سهر نافست بالاس منها جورج وبيمبوس الذى تحول لأندريا وبلو إنجل بوب ثم كريستينا ومايكلز وغيرهم. وكانت تقام الحفلات الرائعة ومنها ساند ستوك ويأتى اليها الشباب لتمضية وقت رائع وجو من الموسيقى المختلفة.

ويتفق أصحاب المكان على إقامة شاطىء خاص لرواد العجمى من أصحاب الفيلات والبيوت فقط وبهذا الشاطىء كنت ترى أجمل نساء مصر وكثير من أهل الفن والسياسة حيث كان يتمتع بخصوصية وشياكة وحرية ويستمر الإقبال إبان الثمانينات ليصل للذروة ويقوم الأثرياء ببناء فيلات فخمة ويصل الإهتمام بالعجمى لدرجة الجنون فأعداد الوافدين في إزدياد وهو ما لم تتحمله طبيعة المكان من حيث المرافق والشوارع التي لم تتحمل الأعداد الوافدة لكن لم يكترث أحد وإستمر البناء فى كل مكان وبأى سعر.

وكان أن حدثت الطامة الكبرى حيث تم تشغيل خطوط أوتوبيس بالعجمى مما أعقبه هجوماً شعبياً كان له بالغ الأثر في تغيير التركيبة الإجتماعية للمنطقة فبدأت وجوه جديدة في الظهور لا علاقة لها برواد المكان الأصليين وتغيرت طبيعة العجمي لتواكب الأذواق الوافدة ومما زاد الطين بلة أن أطراف شاطىء العجمى تحولت خلال أعوام 1990 لعشوائيات وأقيم بها مبانى بدون ترخيص وإنتشرت الميكروباصات ووسائل النقل الشعبية وسيطرت على مداخل ومخارج العجمى وتحولت المنطقة لسيرك فعلي.

وأخيراً وفي أعقاب ثورة 2011 تم هدم كثير من فيلات بيانكى وحلت محلها عمارات شاهقة أقيمت بلا تراخيص لتقضي على ما تبقي من العجمى وهرب أصحابه الأصليين للساحل الشمالى لكنهم لم ينسوا أيام وليالى العجمى وذكرياته العذبة.

إقرأ أيضاً

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام