أحد أحياء القاهرة القديمة التي ألهمت الأدباء وأبرزهم نجيب محفوظ فدارت إحدى رواياته بالحي وحملت إسمه. إنه حي خان الخليلي الشهير الواقع بين ميدان العتبة وشارعي المعز والموسكي، كلنا نعرفه وكلنا زرناه ونري فيه جميعاً تاريخ حي للزمن الجميل.

كانت مقابر الفاطميين تدعي جبانة الزعفرانة حتي أمر السلطان برقوق بنقلها لمكان آخر ونفذ الأمر الأمير المملوكي جرجس الخليلي الذي هاجر للحي مع عدد من تجار مدينة الخليل الفلسطينية وسكنوه وعملوا بالتجارة ليصبح الحي أحد أعرق أسواق الشرق لأكثر من 600 عاماً ويجذب السياح ببازاراته ومطاعمه الشعبية وطرازه الأصيل الذي لا زال علي عهده منذ أيام المماليك.

تجارة التوابل وسوق العبيد
حكي المؤرخ العربي المقريزي عن الخان العتيق وبنائه الكبير مربع الشكل المحاط بفناء يشبه الوكالة فالحوانيت بالطبقة السفلي والمخازن والمساكن بالطبقات العليا. أعاد السلطان الغوري بناء الخان ليشتهر ببيع التحف الفرعونية والعربية والقطع المطعمة بالصدف والمشغولات النحاسية والفضيات والملابس. كانت القاهرة في العصور الوسطى مركزاً تجارياً تجلب بضائع الشرق الأقصى وكان عصر تجارة التوابل الذهبي مع بلاد الهند والسند وفي القرن السادس عشر نقل للخان سوق العبيد الذي ذاع صيته في الشرق والغرب كما شملت القاهرة الفاطمية أسواق وساحات عامة شيدت للتجارة وسميت بالقيسارية وخصصت كل واحدة لبيع سلعة معينة فبعضها كان لمنتجات الحبشة كالعقاقير والببغاوات والتبر وأخري للأحجار الكريمة وغيرها.

الفيشاوي والمسافر خانة
يضم الخان مزارات سياحية شهيرة كمقهى الفيشاوي حيث بدأ رجل يدعى الفيشاوي في تقديم القهوة لأصدقائه وزائري المنطقة في زقاق بالخان بعد صلاة العشاء يومياً فأصبحت تعرف بإسم قهوة الفيشاوي وحظت بشعبية كبيرة كأحد أقدم المقاهي بمصر فقد تأسست عام 1769 وكان نجيب محفوظ أشهر روادها يليها مسجد سيدنا الحسين ويحيط به ثلاث شوارع وميدان كبير دُفن به رأس الحسين رضي الله عنه بقبوة عطرة بآيات الروعة والجمال وبعض الآثار النبوية وبالمنطقة عشرات المساجد الأثرية بالإضافة للمسافر خانة وكانت فندقاً ثم مرسماً للفنانين وبها غرف على الطراز الإسلامي كما يتخلل الحي حواري وأزقة متراصة بشكل مركب ومتداخلة ومتعددة الألوان ولم يتوصل أحد للفلسفة المعمارية التي بني على أساسها الخان فالأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع والسوق مسقوف بخشب تحدى الزمن الشمس تتخلل حوانيت تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة.

معرض دائم لكل شيء
يحمل الحي روح شعبية ممرحة يتمتع بها أهله كما أن تجار الخان خبراء بفن البيع ورثوا التجارة عن أجدادهم، يعرضون الأصلي والمزيف ولهم ولع بالمساومة ويتسمون بصبر لإقناع الزبائن. ويُعد خان الخليلي أحد ثمانية وثلاثين سوقاً كانت موزعة أيام المماليك على محاور القاهرة ويتوسط المدينة القديمة ويتميز بالمشربيات البديعة المفعمة بالفن الإسلامي الأصيل والمطلة على الحارات والأزقة بجانب الأسبلة الجميلة التي طُعمت واجهاتها بالنحاس واحتضنت أحواض الماء التي كانت تروي العطاشي وعابري السبيل. والخان أشبه بمعرض دائم للبضائع من كل صنف ولون منها الغالي والرخيص والأصلي والتقليد من الذهب والماس والفضة وأوراق البردي تحكي عشق إيزيس وأوزوريس بالإضافة للملابس المزركشة والمسابح من بذر الزيتون والبلاستيك وتدعي نور الصباح أو من الفيروز والمرجان والكهرمان واليسر وأخري من خشب الصندل الذي يستسلم للمخرطة وتنتشر عين حورس على الأقراط من كل الخامات.

وعل المسك وزيت العنبر والكسبرة
يحمل الخان روائح عطرة لمن يعبر الزقاق بإتجاه شارع الموسكي حيث تكثر تجارة العطور العربية والآسيوية والأوروبية كعطر الملك والعنبر والياسمين والفل بزجاجات بأشكال وألوان غريبة بها عطورا تتراوح ألوانها بين الزيتي والأصفر الذهبي والبنفسجي الممزوج بالعنبر وهناك عطر زيتي الملمس فاقع الأريج يستخلص من ذكور الغزال يدعى وعل المسك وآخر بنفسجي يتألق تحت الضوء، أما زيت العنبر فيفرزه نوع واحد من الحيتان وهو حيتان العنبر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. أما البخور فيُستورد من السودان فيما يأتي بخور العود من السعودية ويعتقد العامة أن دخان المستكة يمنع الحسد أما الكسبرة وتدعي الفك والفكوك فمن يشمها تذهب عنه العقد.

إقرأ أيضاً