"لولا الكاسورة ما كانت الفاخورة" و"ما تعيطوش على فخاركم ده له زى أعماركم" و"مش كل مرة تسلم الجرة" و"اكفى على الخبر ماجور" كلها أمثال شعبية ارتبطت بصناعة الفخار أقدم حرفة عرفها العالم وأحد أعرق وأشهر الحرف اليدوية التي ذاعت في مصر واتخذت أشكالاً واستخدامات عديدة وأصبحت موضة لمختلف الفئات.
كان قدماء المصريين ينتظرون موسم الفيضان وبمجرد وصول الطمي يسارعون لتجميعه وتقديمه لصانعي الفخار وهي مهنة توارثتها الأجيال وأبدعوا فيها ولا زالوا يزاولونها. ولأهميتها، وضعت محافظة القاهرة خطة لاستعادة الحرفة المهملة وتم تطوير قرية الفواخير بمصر القديمة بكونها مقر صناع الفخار ومنتجاته التراثية وتم إدراجها ضمن خريطة المزارات السياحية بالقاهرة.
أثناء تجولك بقرية الفواخير التي تضم 152 فاخورة، ستجد كل شيء يستحق اقتناءه من تحف وقطع فنية وأوان للسوائل والطهى وطواجن وصوانى وقلل وغيرها والأهم ستجد أيادي سمراء متضخمة العروق وعيون أصابها التركيز لتحول الطين لذهب وبين ربوع المكان ستقابل حرفيون مهرة امتلكوا سر الصنعة وعرفوا تاريخها وتداولوا حكاياتها وأسرارها.
حدوتة الشيخ درويش
التقينا الشيخ أسامة درويش جالساً على طاولة ويديه تعمل بمهارة بطبق مستطيل لم يحرق بعد وحدثنا قائلاً" ورثت المهنة عن أبي وأجدادي وكانت البداية خلف مسجد عمرو ابن العاص حتي انتقلنا للفواخير، كنت أذهب مع والدي للفاخورة وأراقبه بالساعات حتي أتقنت الصنعة وكنا نصنع القلل وسواقي الحمام وأواني الطبخ، وبظهور مركز الخزف بالفسطاط تطورنا وبدأنا في إنتاج الفازات والديكورات وغيرها وتطورت أيضاً الأفران الكهربائية". وأوضح درويش "أساس الفخار هو الدولاب والطين ومصدره محاجر أسوان وله عدة أنواع فكنا نستخدام الطين الأسمر ومصدره النيل أو قشرة الأراضي الزراعية والآن هناك الطين الأسواني والبليجيكي والروسي والإيطالي الذي يدخل في تصنيع الأدوات الخزفية وأواني الزرع وغيرها، نعاني من ضعف الأقبال ففي الماضي كنا نعمل بكثرة وكانت منتجاتنا احتياجات يومية ولكن حالياً الاحتياج أكثر لقطع الديكور فتحول الفخار لمنتجات ثانوية كما تأثرت الصناعة بالعوامل الإقتصادية والسياسية فقد قل التصدير لكننا نأمل في إزدهار الصناعة من جديد ".
وأضاف درويش "لتصنيع الفخار عدة مراحل بداية من جلب الطين الأحمر لصناعة عجينة الفخار وتوضع في حوض كبير مغمور بالمياه وتحرّك جيداً حتى تذوب ثم تنقي من الحجارة والشوائب وتترك تحت أشعة الشمس لعدة أسابيع حتي تجف وتصبح جاهزة لتشكيلها لقطع تتعدد ألوانها فمنها الأحمر المائل للوردي وهو لون التربة وهناك الفخار الأبيض كما تستخدم بعض الأصباغ الصحية لتلوينها".
حلم العالمية يتحقق
وقالت رنا إبراهيم خريجة كلية فنون جميلة " أنا هنا منذ أكثر من ثلاث سنوات، طبيعة عملنا مختلفة فنحن نقدم قطع فنية من تماثيل ومنحوتات وشجر صناعي من فايبر جلاس أو ألياف زجاجية أو بوليستر تقبل عليها شركات الديكور والعملاء الشغوفين بالأعمال الفنية وكانوا يجلبوها من الخارج بأسعار باهظة لذا كان لابد من توفيرها بنفس الجودة وبسعر أرخص ونتمني أن ننافس عالمياً، الكل في الفواخير متعاون والمكان رائع والموقع استراتيجي بقلب القاهرة التاريخية بجوار متحف الحضارات ومجمع الأديان وبحيرة القاهرة".
الفخار بديل صحي وآمن
أما حسين كارم فقال"ورثت المهنة عن أجدادي وارتبطت بها منذ كنا نعمل بعشش في جامع عمرو ابن العاص وهي مصدر رزقي الوحيد وهي مهنة تحتاج لمهارة وصبر كبير ولا زلنا نعمل يدوياً على الدولاب التقليدي المكون من طبلية وقرصة كما أن الإقبال عليها لا ينتهي خاصة بظهور منتجات جديدة كقطع الديكور والفوانيس وأواني الزرع وطلاب الفنون الجميلة يأتون للتدريب فالفخار حرفة وموهبة أكثر منها دراسة وللحق يعيش الفخار حالياً أزهي عصوره لاهتمام الدولة به ونورد حالياً منتجات فخارية للديكور للفنادق والمنتجعات السياحية والمنازل والمعارض بجانب صناعة أواني الطهي فالمنتجات الفخاريات مقاومة للعوامل الطبيعية مقارنة بالأواني المعدنية التي تصدأ عند تعرضها للرطوبة والهواء".
عدوي الفن تنتشر
تحدث محمد حسين خريج كلية نظم ومعلومات وصاحب ورشة بالفواخير قائلاً "ورثت المهنة عن أبي وجدي وخالي وكنت أعمل بيدي حتي أصبح لدينا طاقم عمل كبير، في البداية كانت أغلب الأفكار والألوان تقليدية ولكنني أدخلت ألوان جديدة وأفكار مبتكرة لتصميمات مختلفة ولجأت للتسويق الإلكتروني والسوشيال ميديا، أغلب الألوان المستخدمة صحية فالمواد المستخدمة في أواني الطهي خالية من الرصاص الضار بالصحة ويستخدم فقط بقطع الديكور ليسهل تجفيفها. حركة البيع والشراء ضعيفة بسبب الأحوال الإقتصادية ولكننا لن تتوقف ولن تندثر الحرفة لأنها تعتمد على 4 عناصر طبيعية وهي مياه وطين وهواء ونار ولمعرفة قطعة الفخار الجيدة يجب سماع صوت الرنة بطرقة خفيفة عليها. لقد انتقلت عدوي الفن فتطورت الصناعة ولم يعد المنتج وعاء أو طبق بل قطعة فنية".
الصب طريقة مبتكرة
تحدث محمد فتح الله خريج كلية الحقوق "جدي يعمل بالفخار منذ عهد محمد علي في مكان خلف مسجد جامع عمرو قبل انتقالنا للفواخير وما يميزنا هو خروجنا عن الأدوات التقليدية وهي الدولاب والقرص فنحن نعمل بالصب لضمان المقاسات بإرتفاع وقطر موحد وقد لجئنا لتلك الطريقة لقلة الصناع المهرة القادرين علي ضبط الوزن والسمك والإرتفاع والقطر. ولأن أغلب أعمالنا يتم تصديرها فعلينا الالتزام بقياسات محددة كما نعمل بطين مستورد، وأغلب تصميماتنا أشكال هندسية لذلك نحتاج للصب لتوفير الجهد كما ننوع في الأشكال المقدمة المستوحاه من حضارات مختلفة كفرس النهر من الحضارة الفرعونية ونسوق منتجاتنا من خلال المعارض".
بين الفخار والخزف
ويقول الحاج محمد سعيد صاحب ورشة للفخار والخزف "ورثت المهنة عن أبي وأدواتي بسيطة ومنها الجارود الذي يقوم بعمل الدبلة الموجودة في أول الإناء مع تجسيد جسم الإناء والسادف وهو قطعة مربعة بها ثقب من المنتصف وتستخدم في تشكيل الإناء باستخدام إبرة وسلك صنارة. أستخدم طين أسواني ناعم يضاف إليه الماء ويعجن في حوض العجين قبل تشكيله وتجفيفه بتبخير المياه من الطين ووضعه داخل الفرن لتنشيفه ثم تبريده ليصبح فخارا، ويمكن وضع مادة زجاجية للفخار لتحويله لخزف".
الفخار ينافس بأسعاره
تحدث الحاج محمود نور الذي تزخر ورشته بكل ماهو قديم من حصالات صغيرة وأباريق وقلل وقال "بدأنا في ورش خلف مسجد عمرو ثم انتقلنا للفواخير وصناعة الفخار ليس لها موسم بل مواسم علي مدار العام ففي رمضان نصنع أواني الزبادي والطواجن وفي الربيع نصنع أواني الزرع وفي الشتاء الدفايات وفي الصيف القلل ولكن الأوضاع الاقتصادية اثرت علينا برغم أن أسعار الفخار ليست مرتفعة.
وختاماً، برغم قسوة الحياة، لايزال الفخارين يحملون بالكثير وخاصة بعد اهتمام الدولة بصناعة الفخار ولازالت منتجات الفخار تشاركنا الحياة فالطواجن الفخارية تمنح الطعام مذاقاً طيباً وأحجار الشيشة باقية بالمقاهى وقطع الديكور تزين حدائقنا ومنزلنا فالفخار يأبى الإندثار بتاريخه العريق وحواديته التي لا تنتهي.