قد يبدو الحديث عن العلاقة بين اليهود ومصر أمراً شديد الريبة ومثيراً للجدل فقد عاشوا فيها لسنوات طويلة وإنصهروا بكيانها وسكانها وأمسوا أحد الدعائم الرئيسية لنموها الإقتصادي حتي غادروها تاركين خلفهم إرثاً حضارياً وثقافياً وتجارياً لا يزال يحي بيننا حتي اليوم.

تقول الروايات التوراتية والقرآنية أن خروج اليهود من مصر كان حدثاً هاماً مليئاً بالصراعات فكان عددهم 80000 يهودي في النصف الأول من القرن العشرين وهو عصر اليهودية الذهبي بمصر فيما أدت هجرة اليهود الجماعية لإسرائيل بمنتصفه لتناقص عددهم لبضعة مئات وبرغم ذلك لا تزال المعالم اليهودية بالقاهرة والأسكندرية تدفع بعض ممن رحل لزيارة مصر فالأخوان الأستراليان أليكس وجاك مارس زارا مصر لزيارة منزل جدهما اليهودي المصري نسيم مارس الذي تركت عائلته البلاد ورحلت عام 1948 ولم يعد أحد منهم أبداً حتي الآن.

إلياهو هانبي يحيا من جديد
أعادت الحكومة المصرية إفتتاح معبد إلياهو هانبي بعد إنتهاء أعمال ترميم بلغت تكلفتها 70 مليون جنيه تحملتها الحكومة رافضة أية تبرعات خارجية. إنه أحد أقدم معابد اليهود بالأسكندرية ويتعدى عمره 166 عاماً فقد تم إنشاؤه عام 1354، إلا أنه تعرض للقصف خلال الحملة الفرنسية وأعيد بناؤه عام 1850 بمعرفة أسرة محمد علي. يمتاز المعبد بطراز معماري فريد ويتسع لسبعمائة مصلٍي ويضم مكتبة بها 63 نسخة قديمة من التوراة ومجموعة كتب يعود تاريخ بعضها للقرن الخامس عشر وقد إستقبل هذا المعبد مؤخراً عشرات اليهود ذوي الأصول المصرية ونشرت صفحة إسرائيل بالعربية وهي الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية مقاطع مصورة لهذه الصلاة النادرة.

مقابر البساتين أثر يولد من جديد
أطلقت السفارة الأمريكية بالقاهرة مشروعاً لتطوير مقابر اليهود بالبساتين تحت إشراف المركز الأمريكي للبحوث وبتمويل أمريكي. ومقابر البساتين هي ثاني أقدم مقابر لليهود في العالم بعد مقبرة جبل الزيتون بالقدس وقد أنشئت بالقرن التاسع الميلادي حيث خصص السلطان أحمد بن طولون موقع إقامة المقابر بمساحة 120 فدان لكنها تعرضت للإهمال والإعتداءات والسرقة وتولت الحكومة والمتطوعين إزالة الإشغالات.

 

صفحات من تاريخ اليهود
كان تاريخ اليهود في مصر ثرياً للغاية وكانت القاهرة بأواخر القرن الثاني عشر أهم مركز يهودي في العالم لكنه إرث تواري بعد حرب 1967 بعد رحيل اليهود وتحول فيلات العائلات اليهودية على ضفاف النيل لمتاحف وسفارات ولا يضم المجتمع اليهودي بالقاهرة حالياً سوى عدد محدود لا يتجاوز 10 أشخاص يمثلون الطائفة اليهودية التي كانت جزءاً أساسياً من نسيج المجتمع كالأقباط والمسلمين.

لم يكن يهود مصر كتلة واحدة بل كانوا تيارات مختلفة ومن أصول متنوعة وإنقسموا لطائفتين الأولى الربانيون وهي الطائفة الأكبر وينتمي إليها أغلب يهود العالم ويؤمنون بالتوراة والتلمود وهو شروح الأحبار بشؤون العقيدة والقانون والتاريخ الديني، أما الثانية فطائفة اليهود القرائين ويؤمنون بالتوراة العهد القديم ولا يؤمنون بالتلمود وأغلبهم فقراء عاشوا بالقاهرة وعملوا بمهن مختلفة وتعلم أولادهم بالمدارس المصرية وتفرعت تلك الطائفة لسفارديم أي شرقيين عاشوا طويلاً في بلاد شرقية كمصر وأشكيناز قدموا من شرقي أوروبا واليهود القراءون عاشوا بمصر طويلاً ومعهم بعض الربانيين وخرج منهم عمال وحرفيون وتجار وفنانون وأطباء ولم يختلفوا عن أي مصري في اللغة أو اللكنة أو الشكل.

يزخر تاريخ يهود مصر بالأعلام والإنجازات فإنغمس قطاوي باشا بالسياسة وتقلد منصب وزير المالية ثم النقل والمواصلات بعد ثورة 1919 وكان عضواً بمجلس النواب حتى وفاته وكانت زوجته آليس سواري وصيفة الملكة نازلي الخاصة كما برزت أسماء فيلكس وهنري موصيري وعائلات هراري وعدس وسوارس وسموحة وشيكوريل وغيرها من الأسر اليهودية المصرية بالإضافة لفنانين أثروا الحياة الفنية ومنهم راقية إبراهيم وداود حسني وليلى مراد ويعقوب صنوع وتوجو مزراحي ونجوى سالم وغيرهم.

شهد تاريخ اليهود ثلاثة انفجارات مدوية هزت أوضاعهم بمصر، الأول كان مع تقدم القوات الألمانية بصحراء مصر الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية فخشوا انتصار الألمان وفروا لجنوب أفريقيا خوفاً من بطش الألمان خاصة أن تلك الفترة شهدت تعرض اليهود للمحرقة النازية أو الهولوكست على يد هتلر، أما الانفجار الثاني فكان في أعقاب حرب 1948 ثم الثالث في أعقاب حرب 1956 وقرارات التأميم.

لقد مثل اليهود واقعاً بتاريخ مصر وحياة شعبها وكان لهم وجوداً لا يمكن إغفاله كما أن المعابد اليهودية إرتبطت بتاريخ مصر لذا فالإهتمام بها رسالة هامة ودفعة لمنتج سياحي من نوع مختلف تزيد من رونق أرض الكنانة وتنوع الإرث الحضاري والثقافي العريق الخاص بها.

إقرأ أيضاً