"يا ليل ياعين" عندما تسمعها تشعر بالألفة وكثير من الحنين لزمن ولي وذكريات أمس جميل تداعب خيالك وتعي أنك مقبل علي سماع موال أو سرد قصة لأبطال شعبية وحكايات وربما أساطير لم نعرف حتي الآن الحقيقة وراء وجودها لكننا نتداولها ونحيكها ونستمتع بها.
فن شعبي يظهر قدرات المغني ومساحته الصوتية ولا تخلو منه مناسبة وتصاحبه موسيقة لتعبر عن المواقف التى يرويها ويصاحب الموال آلة فردية كالناي أو الكولة أو الأرغول أو المزمار. برع الكثيرون بفن الموال ومنهم محمد عبد المطلب ومحمد الكحلاوى ومحمد العزبي ومحمد رشدي وشفيق جلال وخضرة محمد خضر ومحمد طه وبدرية السيد ومتقال قناوى وأحمد عدوية.
عرفه عرب الجاهلية وفجر الإسلام وبدأ بعصر هارون الرشيد حين أمر جواريه برثاء وزيره جعفر البرمكي بعد بطشه به فرثته جارية بالشعر. وفي ظل تفشي الظلم والفقر، لجأ الناس للمواويل الشعبية لتسكين أوجاعهم وخلقوا بمخيلتهم أبطال سير ملحمية جسدت شخصياتهم دور المقاومة لفساد السلطة وسواء كان أبطال السير خيالين أو لا، أضفي عليهم الشعب صفات البطولة وإن كانوا لا يستحقونها.
ياسين مات مخنوق
لا يزال الموال يسأل عن قاتل ياسين وقصة حبه لبهية ويقال أن ياسين كان أعنف سفاح عرفته مصر. في بداية القرن العشرين إرتجف أهل الصعيد رعباً من ياسين لكثرة ضحاياه وفشلت الشرطة في القبض عليه حتي توجه ضابط مصري هو محمد صالح حرب في مهمة عسكرية لوادي حلفا بالسودان وأثناء تجوله بوادي قرب جبال أسوان أخبره أتباعه بوجود بدوي نائماً أمام مغارة وبيده بندقية فتوجه إليه لكن أمطره البدوي بوابل الرصاص فشعر أن القدر وضعه أمام ياسين.
فر ياسين ليحتمي بالمغارة، فلم يجد الضابط فرصة لدخولها لأن ياسين يحفظ معالمها فلم يجد حلاً سوى إخراجه بالحيلة فإستدار نحو قمة التل أعلي فتحة المغارة وأسقط حبلاً به حزمة من البوص المشتعل، حملت الرياح الدخان للمغارة فشعر ياسين بالإختناق وإضطر للخروج وإنتهت المعركة بأربع رصاصات أسقطته غارقاً في دمه وعندما دخل الضابط وجد زوجته بهية تصرخ في رعب مع صغيرها وحين شاهدت جثة زوجها أصابها الفرح وزغردت قائلة «بركة لي.. بركة لي».
مات ياسين وأصبحت حكايته تراثاً وأشهرها موال محمد طه «يا بهية وخبريني» وأصبح ياسين بطلاً يقاوم الظلم وينشر العدل ويدافع عن الأبرياء فكتب الشاعر نجيب سرور رواية شعرية بعنوان «ياسين وبهية» وأنتجت السينما فيلم بهية عام 1960 عن سيناريو ليوسف السباعي وفي عام 1982 عرض التليفزيون مسلسل ياسين وبهية ولم تظهر الحقيقة إلا عام 2017 في فيلم الأصليين حين قرأ البطل بصحيفة الأهرام خبر القضاء على المجرم وأن بهية كانت عشيقته فقال جملته الشهيرة «دي بهية طلعت شمال».
الشرقاوي كان حرامي
طفل نابغة كان يملك جرأة ألهمت الشعراء وكان صبياً بالمدرسة ثم جاءه خبر وفاة عمه الشرقاوي فبكي وقرر الإنتقام وتكتمل القصة بإشتباه أدهم في أحدهم وقتله بعدها تقبض عليه الشرطة لتنتظره المفاجأة في السجن فيعترف له أحدهم بأنه قتل عمه وهنا يقتله أدهم أيضاً.
ومع ثورة 1919، هرب الشرقاوي مع عدد من المساجين وأقنعه أحدهم بالإنضمام للثورة وبالفعل إنخرط الشرقاوي في مقاومة الإحتلال وأخذ من ثروات الإقطاعيين ليعطي الفقراء، ورغم محاباة السيرة الشعبية للشرقاوي، ذكرت الرواية الرسمية أن الشرقاوي مارس السرقة والإجرام وأشاع الرعب بقرية البارود بالبحيرة وفي يوم مقتله أقيمت الإحتفالات.
لكن المواويل الشعبية كان لها رأي آخر، فبعد وفاته صورت مشهد موته بدراما مهيبة هي الأشهر والأكثر شعبية "وقعت يادهم ولو كان الرصاص له قلب مكنش صابك مكنش صابك وكان اترد ع الأندال، ياخسارة ياخسارة ياخسارة يا أدهم، الصبر طيب يا راية الظلم ما تعليش، لادهم بطل والبطل جوا القلوب بيعيش، من بعد الادهم هتطرح أرضنا ثوار ثوار يردوا المظالم كلها في النار".
علي الزيبق ثائر بالحيلة
لص حارب اللصوص وواجه ظلم الحكام وكان عضواً بجماعة العيارين السرية في بغداد وهي جماعات سرية وكان تسرق الأغنياء لتعطي الفقراء، عاش في الحواري القاهرية وترجمت سيرته حياة الناس وظروفهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تبدأ قصة علي الزيبق حين قرر والده حسن رأس الغول الثورة ضد ظلم عسكر الوالي وخاصة المقدم سنقر الكلبي ولكنه قتل على يد العسكر فقرر علي إستكمال مسيرته وتحولت شخصيته لمسلسل بإسمه عام 1985 بطولة فاروق الفيشاوي وليلى فوزي وهدى سلطان وكتب الأغاني الراحل عبد الرحمن الأبندوي .