صغاراً وكباراً، الكل علي موعد فالكل يعرفه والكل ينتظره والكل يتوق فرحاً وإشتياقاً للإحتفال به، عيد الربيع أو شم النسيم، هذا العيد الذي تعرفه كافة الشعوب ويشترك الكثيرون في مظاهر الإحتفال الملونة ببدء قدوم الربيع وفصل جديد علي الأبواب.
يحتفل المصريون بقدوم شم النسيم وهو من أعياد الفراعنة التي أصبحت عيداً شعبياً يحتفل به الأقباط والمسلمين. ترجع تسمية شم النسيم للكلمة الفرعونية (شمو) ويُرمز بها لدي قدماء المصريين لما بعد الحياة عن قناعة بأن اليوم هو أول الزمان وفيه بدأ خلق العالم. وأضيفت كلمة (النسيم) لإرتباطه بإعتدال الجو وبداية الربيع وما يصاحبه من الخروج للحدائق والإستمتاع بالطبيعة. يرجع الإحتفال لما يقرب من خمسة آلاف عاماً وكان الفراعنة قد أطلقوا عليه إسم (عيد شموش) فكانوا يقيمون إحتفالاً كبيراً يعرف بالإنقلاب الربيعي وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار إبان حلول الشمس في برج الحمل. كانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبيل الغروب فيظهر قرص الشمس وهو يميل للغروب مقترباً من قمة الهرم حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم ثم تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد إنشطرت لقسمين. ما زالت تلك الظاهرة تحدث بقدوم الربيع كل عام في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساء نتيجة لسقوط أشعة الشمس بزاوية معينة على الواجهة الجنوبية للهرم فتكشف أشعتها الخط الفاصل بين مثلثي الواجهة الذين يتبادلان الضوء والظلال فتبدو وكأنها شطران. ويتحول الإحتفال بشم النسيم في اليوم الجديد لمهرجان شعبي فيخرج الناس للحدائق حاملين الأطعمة كالبيض والفسيخ والبصل والخس والملانة إرتبطت بمدلول الإحتفال لدي الفراعنة بما يمثله من خلق وخصب وحياة وقد أخذ الإحتفال بالربيع في دول الغرب والشرق مظاهر شم النسيم ونقلوها بأعيادهم الربيعية.
يُعتبر البيض الملون أحد مظاهر شم النسيم وأعياد الفصح والربيع، إرتبط البيض بشم النسيم مع بداية العيد الفرعوني أو عيد الخلق فكان يرمز لخلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد (أخناتون الفرعوني). وهكذا بدأ الإحتفال بأكل البيض كأحد الشعائر المقدسة. أما فكرة نقش البيض وزخرفته، فإرتبطت بعقيدة قديمة إذ كان الفراعنة ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات ويجمعونه أو يعلقونه بأشجار الحدائق لتلقى بركات نور الإله عند شروقه فيحقق دعواتهم ويبدأون العيد بتبادل التحية (دقة البيض) في عادات ما زالت سائدة حتي الآن. أما تلوين البيض، فبدأ في فلسطين ثم انتقل لمصر وحافظ عليه الأقباط وإنتقل عبر البحر الأحمر لروما وإنتشر بأوروبا وأمريكا وتطورت تلك العادة لصباغة البيض بالألوان. أما الفسيخ، فمن الأطعمة التقليدية لدي الأسرة الفرعونية الخامسة عندما بدأ الإهتمام بتقديس النيل أو نهر الحياة (الإله حعبى) عند الفراعنة الذي ورد في متونه المقدسة عندهم أن الحياة في الأرض بدأت في الماء ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة وكان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة وإستخراج البطارخ.
وأخيراً، ظهر البصل بشم النسيم في أواسط الأسرة الفرعونية السادسة وإرتبط ظهوره بإحدى أساطير منف القديمة التي تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد وكان محبوباً من الشعب وقد أُصيب الأمير الصغير بمرض عجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه ولازم الأمير الصغير الفراش عدة سنوات، إمتُنِع خلالها عن إقامة الأفراح والإحتفالات مشاركة للملك في أحزانه. وكان أطفال المدينة يقدمون القرابين للإله في المعابد بالمناسبات ليشفى أميرهم وإستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرض الأمير الطفل لوجود أرواح شريرة تشل حركته بفعل السحر وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير بفراش نومه عند غروب الشمس وقرأ عليها بعض التعاويذ ثم شقها عند شروق الشمس في الفجر ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها كما طلب تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة. وتشرح الأسطورة كيف تمت المعجزة وغادر الطفل فراشه وخرج ليلعب في الحديقة وقد شفى من مرضه فأقام الملك الأفراح في القصر لأطفال المدينة وشاركه الشعب أفراحه، ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس في العيد كما قام الناس بتعليق حزم البصل على أبواب دورهم.