“ظني أن كل من حاول الوصول إلي الحقيقة هو إيكاروس الجديد فخلف كل تجربة إنسانية ثرية إيكاروس الذي لن يموت ما بقيت الحياة”

إيكاروس ورحلة البحث عن الأسطورة والكنز وسر الكون، خلاصة سر المعبد وكاتبه ثروت الخرباوي عضو جماعة الإخوان المنشق، كتاب بلغت مبيعاته أرقاماً قياسية وظهر بوصول الإخوان للحكم، البعض رأي به إنقلاباً علي الجماعة التي تركها عام 2002 فيما رأي به آخرون إعلاء لشأنها. وتبقي الحقيقة أسرار حواها الكتاب تحوي خبايا التاريخ الأسود لجماعة إنتقلت من جماعة سرية لحزب حكم مصر. ما السر الخفي للإخوان وما حقيقة التنظيم السري المواز الذي يجهله أغلب الأعضاء؟ ما علاقة الإخوان بالماسونية العالمية وهل البنا مشروعاً تكفيرياً؟ كيف تأثر فكر الجماعة بآل سعود وجيش الإخوان ولم الحنين لليمن؟ من هم الخوارج وشعب الله المختار وعلاقاتهم بأمريكا؟ هل وصلوا للحكم بصندوق إنتخابي أم بخطة تمكين بدأت منذ سنوات؟ إلام يرمز برمودا ومن هو الأخطبوط حامل الصندوق الأسود والذئبة الحمراء القاتلة؟ وهل كان المرشد السري أحد الجواسيس؟ ملفات ساخنة فتحها الخرباوي مُوثقاً إياها بأدلة، فهل صدق؟

هل يكذب الإخوان؟
رحلة بدأها الكاتب باحثاً عن ذاته ومنها لثورة الغضب وقلب الإخوان وهو عنوان كتابه الأول. أزاح الخرباوي الستار عن خبايا التنظيم وأهدافه غير المعلنة وهيكل المعبد الإخواني وصلته بالماسونية العالمية. لم يفصح عن رأيه بل ترك للقاريء تتبع تاريخ الجماعة وتناقضاتها منذ ظهورها عام 1928 وحتي تاريخها المعاصر. ويبقي التمكين وأستاذية العالم بالفكر المشوه والآراء المدمرة والمباديء المتناقضة هو هدف جماعة إستباحت المحظورات والخيانة والإقتراب من سلطة نعتوها بالكفر فالضرورات تبيح المحظورات، عدتهم لذلك جهاد في سبيل الله وإسلاماً جعلوا منه الحل لإستمالة عقول مشتتة وأجساد قابلة للإختراق. التلمساني وقطب والغزالي والهضيبي وبديع ومشهور والقرضاوي والشاطر والعريان ومرسي وأبو الفتوح والبلتاجي وغيرهم، أسماء كثيرة وردت لكهنة المعبد الأسود، بعضها نعرفه وكثيرون لم نسمع عنهم فنحن شعب لا يقرأ التاريخ بل تشغله لقمة العيش وقيام الليل وطلب الصحة والستر وراحة البال. كثير من القصص ضمها الكتاب مُلقية الضوء علي حلم بدأه البنا وأكمله أحفاده بكابوس أسود نتقاسمه جميعاً.

البداية، حوار مطول بين الخرباوي وصديقه المحامي الناصري محمد منيب ومراجعة فكرية للإخوان والحركة الإسلامية ورؤية للتجربة الناصرية فيما يتعلق بالحريات. حوار إقترب من الجماعة السرية وأُطلق عليها جماعة إلغاء العقول إنخرط علي إثره الخرباوي بكتابة مقالات عن التجربة الإسلامية بجريدة صوت الأمة رصدت الأخطاء النفسية لبعض أفراد الجماعة التي أبعدتهم عن الدعوة ورؤيتهم للإنتخابات التي تُورث البغضاء والعداوة وتشحن النفوس بالكراهية والتحدي ويراها الاخوان ضد العمل الدعوي فإما أن يكون الفرد داعية أو أن يكون منافساً فالداعية لا ينافس أحداً وكانت أولي صدمات الخرباوي في بعض أعضاء الجماعة المقربين منه فبرغم تأييد محمد البدراوي والشيخ جابر حمدي له علي كتابة آراءه، هاجموه إثر نشرها فكيف تُغلف البغضاء والعداوة القلوب التي إقتربت من الله وتواصلت مع رحمته لهذا الحد.

"الموت المغلف بعلبة الحلوي، مظهر العلبة جميل، سيحب الشعب الهدية، سيقولون فاقع لونها تُسر الناظرين، سيأخذونها في أحضانهم ولكنهم لا يدركون أنهم يحتضون الموت. هدية النظام الخاص لمصر مثل العلبة القاتلة، هدية مغلفة بالدين وآيات القرآن وأحاديث الرسول ولكن الموت يسكن بداخلها".

في مدينة النسيان
كيان واه صنعه كهنة المعبد الإخواني ليلقوا فيه بملايين الباحثين عن الحقيقة واهمينهم بوجودها فقط بقلب الإخوان الذي لا يري سوي ذاته علي غرار أسطورة نارسيس الشهيرة وتأمله لجماله يومياً علي صفحة البحيرة. ومن فرط غروره، سقط فلا رأي جمال البحيرة ولا إستمتعت البحيرة بطلعته بل رأت فقط بريق مياهها بعينيه وهي حقيقة الهيكل الإخواني. تعنت للرأي، رؤية للذات منفصلة عن العالم وتكفير بإفلاس الحجة فأنت عند الخلاف مطرود من رحمة الإخوان والشجرة المحرمة التي لا يجوز الإقتراب منها. عندما دلف الخرباوي مدينة النسيان في رحلة التصحيح، بدت له الحقائق، كان سراباً أمات بداخله مباديء أفني شبابه دفاعاً عنها، ماتت كما سنموت وكما ستموت كل الأشياء «كلنا سنموت وهل الموت إلا حالة تحدث لنا فتأخذ منا الحياة» رؤية شاركها الصحفي إبراهيم عيسي مُشيراً للإخوان بجسد ديناصور وعقل عصفور.

جاءت الصدمة الثانية بواقعة كذب مأمون الهضيبي خلال مناظرة بمعرض الكتاب عام 1992 في مواجهة فرج فودة حين قال «نحن نتعبد لله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين قبل الثورة» وهي العبارة التي تم حذفها من كل الوثائق التسجيلية وأنكرها قائلها برغم ورودها بحديثه علي مرأي ومسمع الجميع ومنهم الكاتب ذاته. بل وأوجد الهضيبي ثمة علاقة بين عمليات الإخوان والإغتيالات التي إرتكبها الحزب الشيوعي اليوناني بأربعينات القرن العشرين. ما العلاقة بين الإخوان وحزباً شيوعياً يرون فيه إلحاداً؟ هل يكذب الإخوان وهم أرباب الدعوة؟ مسألة مُعقدة إستلزمت من الخرباوي فحصاً دقيقاً. نعم، يكذب الإخوان فالأصل غاية تبرر الوسيلة والهضيبي ليس سوي الراهب بافنوس الذي ذهب ليستدعي الغانية تاييس لأرض الفضيلة فظل مقيماً بأرض الرذيلة. هل كانت أرض الإخوان هي أرض الفضيلة؟ وأين الفضيلة في إباحة دماء من خالفهم الرأي؟ ومن يملك التكفير سوي الله عز وجل؟ إزداد يقينه بلقاء العميد حسنين الذي ظنه لسنوات صوفياً غارقاً في حب الله ليكتشف يوم وفاته أنه إخوانياً مزروعاً بأمر الجماعة بمباحث أمن الدولة. حقيقة أكدها الكاتب الصحفي إبراهيم سعدة بقوله «قبل وفاة المرشد عمر التلمساني، أخذت بعض الأشباح تتسلل لجماعة الإخوان لتأخذ مكاناً ومكانة». سارت تلك الأشباح ومنها خيرت الشاطر ومحمد مرسي ومحمد بديع ومحمود عزت بركاب الحاج مصطفي مشهور الذي عاد للبلاد عام 1995 فكانوا من أخطر الوجوه الغريبة علي مجتمع الإخوان وبمعاونة مشهور صار لهم شأناً وترقوا بسلم الإخوان بسرعة لافتة ومهارة فائقة.

"لو ترك الإخوان الدنيا ومكاسبها وغنائمها وعاشوا في خلوة روحية لإنصلح حالهم. لا أظنهم وقعوا في خلاف معك إلا لأن قلوبهم كالصحراء ومن قلبه هكذا شرد في المتاهات".

عودة الأخطبوط
عام 1992، جاء الزلزال بنجاح الإخوان بإنتخابات نقابة المحاميين وأصيب المجتمع المدني بصدمة كبيرة لكون النقابة كياناً ليبرالياً سياسياً خالصاً وقع ببراثن التيارات الإسلامية مما دفع بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية للتعليق «هذا النجاح هو الزلزال الحقيقي الذي أصاب مصر وما حدث بعدها من إهتزاز بالقشرة الأرضية هو بمثابة توابع الزلزال الأول». ومن النقابة العامة للنقابات الفرعية وجد الإخوان بالمحاميين أرضاً صلبة للإنطلاق. وبرغم ظاهرهم الديني الخالص، الا أن الغاية السياسية بقيت الحلم الأعظم ووصول شخص بعينه للإنتخابات والوسيلة تزوير وإستبعاد لأسماء منها الكاتب ذاته. عاد الأخطبوط عام 1992 بعودة النظام الخاص للجماعة تزامناً مع الإنتخابات لتمرير أحمد سيف الإسلام حسن البنا. إنه نظام سري أنشأه البنا عام 1939 بعيداً عن أعين الجماعة المدنية ووضع علي قيادته رجالاً فجروا بإسم الإسلام بحسب وصف الكاتب كما بحادث إغتيال سيد فايز وإبنته وكان فايز أحد أعضاء الجماعة وخالفهم بالرأي.

ندم البنا بإعترافه علي تأسيس النظام الخاص الذي عاد للنور بعد وفاة التلمساني ليخدم مصالح البعض. ما أبلغ الكناية التي استخدمها الخرباوي بتشبيه الزلزال الذي يرج الأرض وهو الذي حدث للجماعة بعودة النظام الخاص مُعلناً هدم الكيانات والتخلص ممن يعارض فالأصل حلم التمكين. سمعنا عن القطب الإخواني مصطفي مشهور ولم نعرف عنه تصريحه لجريدة الشرق الأوسط بوصول الإخوان للحكم عام 2018 مُسترسلاً بتصريحات أتت بمشكلات للجماعة ومنها تصريحه للأهرام ويكلي بضرورة «دفع المسيحيين الجزية» علي فرضية كون الإسلام دخل مصر علي أيدي الجماعة وعليهم دفع الجزية أسوة بأيام الرسول.

ما بين الجماعة والتكفير صلة وثيقة إستشهد فيها مشهور بمقولة سيد قطب «هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم. إن المسلمين الآن لا يجاهدون لأن المسلمين اليوم لا يوجدون. إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج لعلاج». وللحق، التكفير أصيل لدي البنا ففي البند 25 من رسالة التعاليم قال البنا «يجب أن تقاطع المحاكم الاهلية وكل قضاء غير إسلامي والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مناهضة تامة». ورد أيضا في التعليمة رقم 37 أن «تتخلي عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون للإتصال بها بمصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك». إذن فالتكفير كان بضمير البنا ولم يظهر منه سوي لفتات تُبرر الإغتيالات والإرهاب الذي يقوم به الاخوان. وتبقي القوة وسيلة الإخوان وفقاً لتعاليم البنا. حقيقة أقرها العقاد عام 1949 قائلاً «سيستخدم الإخوان القوة يوماً لفرض أفكارهم.إنها القوة التي أرسي قواعدها البنا.. قوة الساعد وقوة السلاح.

"لا تقل أننا أبناء البنا. إننا أبناء جماعة الإخوان المسلمين نؤمن بأفكارها. لكل زمن رجال والرجال يتغيرون ويموتون ولكن الجماعة لا تموت أبداً"

زواج أمريكا شرعي
رأي الاخوان في التحالف مع أمريكا سبيلاً شرعياً إذ يجوز «الإستعانة بكافرون للوصول للحق فالرسول إستعان بكافر ليدله علي الأثر في هجرته للمدينة». وكان عام 2005 بداية الزواج السري بينهما ومراسلات ولقاءات حتي يناير 2012 وكان الخطاب المجهول الذي سرده الخرباوي نصياً عن الإتفاق السري بين الشاطر والعريان مُمثلين عن الإخوان والقيادة الأمريكية التي أطلقوا عليها «الأصدقاء» وفيه تعهدت الجماعة بعدم تغيير الخريطة السياسية للمنطقة والحفاظ علي المعاهدات الدولية وأمن إسرائيل مع ضمان دعم أمريكا للتحول الديمقراطي بالمنطقة فيما أعرب الأمريكان عن سعادتهم بجرأة الحوار مشددين علي عدم معاداة النظام الحاكم علناً وتكوين حزب سياسيي لا يخلخل شرعية النظام الحاكم بل يخالفه بالفرعيات. القصة تعود جذورها لسنوات قبل إندلاع ثورة كانت مسرحية لعبت بطولتها كل الأطراف وكانت الثورة دور الشعب وأداها بجدارة، تحالف الإخوان مع من رأوه الطاغوت الأكبر وأطلقوا عليه صديق فالغاية تبرر الوسيلة وأمريكا كما يراها محمود عزت هي الطاغوت الاكبر فهي لا تريد علو شأن الإسلام لأنه «لو حكمنا، سنقضي علي إسرائيل وقيادتها للعالم. فالإخوان سيقيمون دولة الإسلام ويحصلون علي أستاذية العالم وأمريكا تعلم ذلك لذا تُحرض علينا نظامها الكافر. فالأساس التمكين بالسيطرة علي الجيش والإعلام والفقهاء للوصول للحكم وهي الخطة التي قطع الإخوان أشواطاً لتنفيذها».



بين المسلم والإسلامي
لم يكن مصطلح الإسلاميين معروفاً بعهد الرسول ولا الصحابة وحتي القرن التاسع عشر بل كان الإجتهاد ينسب لصاحبه. أما تعبيرات المذاهب الإسلامية فحديثة فلا يوجد فقه إسلامي والصح فقه المسلمين والحضارة الإسلامية هي حضارة المسلمين لا الإسلام وتاريخ الإسلام هو تاريخ المسلمين لا الإسلام الذي كان فقط بعهد الرسول وما بعده هو تاريخ المسلمين لذا لا يجب الخلط بين الإسلام والمسلم ومن الخطأ إطلاق ألقاب كفقيه الإسلام وشيخ الإسلام فالغزالي ليس حُجة الإسلام فالحُجة هي الدليل وحُجة الإسلام هي القرآن وهي الرسول والمرتبة الوحيدة في الإسلام هي النُبوة والرسالة هي نبي الإسلام. وعندما وصف الإخواني محمد عبد الله البنا في كتابه حسن البنا الرجل وفكرته قائلاً «لم يكن رجلاً بل كان فكرة وإسلاماً وصاحب دعوة»، أخطأ فالأصل أن نُعلي من شأن من نحب دون النزول بالإسلام فلم يحدث أن قال أحد الصحابة أن الرسول هو الإسلام بل قال الرسول عن نفسه «إنما أنا بشر مثلكم». وعندما يقولون عن البنا صاحب دعوة فهم يضعونه بمرتبة النبوة ويخرجون به من الملة والأجدر أن يلقبوه بالداعية كيلا يبدو تعارضاً بين دعوة الإسلام وإسلام الرسول. غريب أن يرد حواراً عام 1999 واصفاً الجهاز الحاكم بالضعف والأجهزة الأمنية بدليل إستبداده فمبارك بتعبير د. سعد العشماوي "حاكم مُستبد منيع وليس قوي".

ما بين الإسلام والإسلاميين، ترسخت المصطلحات فمتي عارضت فأنت عدو الإسلام ومتي إجتهدت فأنت خارج عن الملة. وكان علماء الكلام قد إستخدموا مُصطلح «إسلامي» تاريخياً للتفرقة بين من وُلدوا بعصر الإسلام الأول ولم يشهدوا الجاهلية ومن وُلدوا وعاشوا بالجاهلية وماتوا قبل الإسلام. دخل المصطلح بقوة في القرن العشرين وأُلصقت به مدلولات نفسية تُشير لكون الإسلامي «هو من يُدين بالعبودية لله وحده في نظام حياته» كما وصفه سيد قطب قائلاً «يدخل في إطار المجتمع الجاهلي الكافر تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ولا لأنها تُقدم الشعائر التعبدية لغير الله ولكن لأنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تُدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها فيكون من لا يُدين بالعبودية لله في نظام حياته كافراً وهذا الكافر بطريق الإستقراء هو غير إسلامي».

"الإخوان يخططون لإزاحة مبارك ويعدون العدة، لو خرج الشعب بمظاهرات بميادين مصر لأيام متتالية لسقط نظام مبارك. الشعب سيكون له الدور الأول في إسقاط مبارك وأي محاولات أخري محكوم عليها بالفشل"

عن البنا وأيامه الأولي
كان البنا شاباً يتنفس أوكسجين الحماسة للإسلام، كان زعيماً بالفطرة لديه قوة الخطابة والإقناع، أخذ علي عاتقه العودة بالإسلام لجذوره الأولي وكان يشعر بأنه المهدي المنتظر. إلتمس في بداياته الطريقة الحصافية الصوفية للدعوة وإنخرط فيها علي يد الشيخ عبد الوهاب الحصافي الذي عاهده وأوكل إليه أدوار الحضرة بمسجد التوبة بدمنهور ومنها بدأت قناعات البنا بضرورة إقامة تنظيم قوي يُدين له بالولاء فالقوة كما رآها بالطاعة العمياء. إستمرت مسيرة البنا بدار العلوم حتي تعرف علي الشيخين رشيد ومُحب الدين الخطيب فشكلا مساره. كان رشيد شديد التأثر بالشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني فأصبح عالماً ثائراً إتجه للإصلاح الديني والسياسي فيما أسس الخطيب المكتبة السلفية. راهن كليهما علي عبد العزيز آل سعود ووجدا فيه خليفة المسلمين المنتظر ودعما مشروعه السياسي من وحي تجربة جيش الإخوان الوهابي وشعاره «الله أكبر ولله الحمد» الذي ساند عبد العزيز آل سعود حتي دانت له الجزيرة. إنتقلت الحمية للبنا وتمني أن يري نفسه قائداً لهذا الجيش ومنه لأستاذية العالم وكانت البداية بالإسماعيلية فتمكن من إستمالة الناس بغزوة المقاهي وأسس الجماعة عام 1928 للدعوة وكان الداعية البنا ذاته. ومن جيش الإخوان وعبارة التوحيد وصورة السيف، كان أصل إسم وشعار الجماعة لكن هذا التفسير لم يرد بكتاب البنا «الإخوان المسلمين.. أحداثاً صنعت التاريخ» إذ قام مصطفي مشهور بحذف تلك المقاطع كيلا تفتح علي الجماعة نيران جهنم علي حد تعبيره. إستند آل سعود الصغير لتحقيق حلمه علي «فكرة وجيش». نبعت الفكرة من الحركة الوهابية نسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب حليف جده الأكبر محمد بن سعود وهي الحركة التي أخذت تحارب البدع وقام بإستخدام الفكرة بإستمالة الأتباع وصناعة الرجال من البدو ممن ساروا علي نهجه ثم كانت الهجرة من البدوية للمدنية والوسيلة هي الجيش فكان جيش الإخوان الذي جمع بين الفكرة والقوة فالفكرة هي الراية والقوة هي الجيش. سيطرت تلك الأفكار علي البنا فجعل من السيف شعاراً للجماعة وأما الفكرة فوضع المصحف وبين السفين كتب كلمة «وأعدوا» في إشارة لضرورة الجهاد المسلح للوصول للهدف. سيطرت الفكرة علي البنا فخلط نفسه بها جاعلاً من الفكرة شخصه فهو الإمام والقائد والمرشد وصاحب الدعوة وأمست الدولة السعودية الدولة البروفة بمخيلة البنا فجعل منها النموذج وأخذ أتباعه من بعده المنهج الوهابي والعنف المسلح لتحقيق الهدف. ومنذ 1967، بدأ القطار في إستمالة الأتباع فإتسعت الجماعة وتزايد أعضاءها وبدأت بإختراق الدولة وتكوين خلايا سرية تخدم مصالحها.

مثلث برمودا الماسيو إخواكية وقلب الاخوان
انها حقيقة اللاشعور بداخل كل منا، مثلث مليء بالغموض وخلية مليئة بمباديء وأحاسيس وأفكار تملأ العقل الباطن وقد تتضارب مع ما نصدر من تصريحات وأفكار، مثلث ظاهره الدعوة وباطنه بيعة النظام الخاص حيث تُفني الروح ويذهب العقل ويُفني الجسد في سبيل الجهاد لرفعة الإسلام أو الموت لأجله. فيه يتنازل الفرد عن ذاته ويتجرد من هويته ليصبح أداة بيد فكرة أو مشروع فتتهاوي معتقداته ويشوبها التناقض فيقوم بتكفير الحكومات فهي كيانات معنوية ولا يُكَفِر أفرادها لكَون التكفير حراماً شرعاً في تناقض سحيق الأصل فيه عدم خلق هُوة بين أفراد النظام والجماعة. يجوز أيضاً إراقة الدماء وقتل النفس التي حرم الله قتلها متي إختلف صاحبها والجماعة والأمثلة عديدة فالأصل هو حلم التمكين وإحكام السيطرة علي العقول والأجساد والشعوب وسيادة دولة الإيمان بمجابهة دولة الكفر. هناك صلة نسب بين الجمعيات السرية في العالم فطريقتها واحدة ولو إختلفت الأفكار والتوجهات. لا تقوم جمعية سرية إلا لكونها تؤمن أنها مختلفة وتُعد نفسها ليوم مشهود لفرض أفكارها علي العالم. والماسونية إحدي تلك الجمعيات وكانت لها هيمنة علي المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين وحتي منتصفه وبعد أن ألغاها عبد الناصر، ظهرت بصور مختلفة لذا فلا شك في إختراقها للإخوان وجماعات أخري بل والقصر الرئاسي المصري وغيره من القصور الحاكمة العربية بل هي من أقامت أمريكا التي هي في الأساس قارة ماسونية. التشابه كبير فالإخوان جمعية عالمية والماسونية أيضاً والماسون أخوية وكذا الإخوان ومن غير المُستبعد أن يكون للماسون باع بتجنيد بعض قيادات وأعضاء الإخوان كما يفعل الإخوان مع من دونهم. كلاهما يلجأ لجهل الآخرين لتحقيق أهدافه مُعتمداً علي تجنيد العقول والقلوب وتشفير الأرواح والسيطرة عليها لإحكام السيطرة علي جماعات وشعوب وتحويل مسارها بما يخدم مصالح الجماعة وقادتها. حتي السجن له بكلا الجماعتين نفس التفسير فهو تمهيد لمهمة أكبر ومؤشراً للدنو من هدف أسمي حسبما يراه كهنة المعبد الماسيو إخوانكي. تشابه أورده الخرباوي بالأسس التي قام عليها الإخوان ومباديء الماسونية العالمية التي تسعي كسائر الجماعات السرية لأستاذية العالم وسيادته. إنها حقيقة تاريخية أشار اليها الكاتب الأمريكي جي كي في كتابه الأسطورة الماسونية مُتناولاً تجربته مع المحفل الماسوني عندما كان عضواً به. وكما تتشابه الأهداف والشعارات والوسائل بين الإخوان والماسونية، تتشابه أيضاً الألقاب. لقب الحاج مثلاً. من هو الحاج؟ تساءل الكاتب وأجابه أستاذه أحمد إبراهيم أبو غالي الذي أورد علي لسانه أغلب الخلفيات التاريخية للجماعة التي كان عضواً بها وجِده أحد مؤسسيها. الحاج هو مجرد لقب إستحدثه الإسلاميون مع مستهل القرن العشرين ليكون عُنواناً لهم في زمن كانت فيه الألقاب تنم عن مكانة إجتماعية أو ترتبط بمهنة ما.. سقطة جديدة من سقطات الإخوان فما العلاقة ما بين تأدية شعائر الحج ومناسكه وحياتنا اليومية ولقب يناديك الناس به.

«ما دام الجسد مُهيأ للحقن فكل الأفكار قابلة للنفاذ لذا كان جهد البنا الأكبر هو صنع الجسد القابل للحقن ما دام من يحقنونه هم القادة لذا إشترط بأركان البيعة السمع والطاعة والثقة بالقيادة».

مدينة التكفير.. شعب الله المختار.. الوثائق السرية.. الملفات السوداء.. مذبح المعبد والكاهن الأعظم.. قسم الوحدات الذي لا تعلم الغالبية بعودته للحياة من جديد.. إختراق الجيش والقضاء وأجهزة الدولة.. مفاوضات وإتفاقات والشعب يدفع الفاتورة الباهظة.. إغتيالات.. وجوه إرهابية تظهر وأخري تختفي.. خبايا الجماعة التي لا يعلمها سوي كبار القادة وكهنة المعبد وقيادات إخوانية تُهرول علي الساحة السياسية تحبو بجهلها بعالم النور بعد سنوات الظلام الدامس.. تحذيرات التلمساني.. كراهية الحياة.. الطاغوت والفكر الملوث ومحو الآدمية.. القطبية والجدل الإخواني.. الذئبة الحمراء وشعارات هدامة تهد الكون وتجرد الإنسانية من معانيها السامية.. الكل في قالب واحد.. حُلم التمكين وأستاذية العالم.. قطيع يُساق بإسم الدين والإنسانية.. حصان طروادة بين صفحات التاريخ وبينها الطرق الصوفية وخطة تمكين الإخوان تسير بسلاسة ويسر.. العميد حسنين إخواني أصيل.. الجيش مُخترق.. إسلاميون يخفون إسلامهم ليعملوا بهدوء والشعب بإنتظار المهدي المنتظر ودخول الإسلام أرض الكنانة. الغريب أن العمل تناول فصولاً كثيرة من تاريخ الإخوان بيد أن من سمعنا أسمائهم ورأيناهم علي الساحة لم يكن لهم باعاً طويلاً بالتاريخ الإخواني منذ بدايته بل أن القرضاوي ندد بهم عندما ظهر محمد مرسي مُعلقاً علي نقده لسيد قطب قائلاً «هؤلاء هم تنظيم العشرات الذين حذرنا منهم التلمساني أصبحوا قادة الإخوان إن لله وإنا إليه راجعون».

إنتهت صفحات العمل وإنتهت قدرتي علي ضبط النفس وسط خضم الحقائق التي جاء بها الكتاب. إذن لم تكن ثورة ولم يكن شعب ولم تكن الأمة بل كان الإخوان ورجاله بكل الأجهزة الأمنية ومراكز صناعة القرار وكانت أمريكا والماسونية العالمية، لم يكن ربيعاً عربياً بل كان خريفاً لشرق أوسطي مضي ليحل محله شرقاً أوسطياً جديداً بطولة الإسلاميين وإخراج أمريكا ومشاهدة الملايين عبر شاشات الفضائيات.

«حين دخلت التنظيم كنت أدخل تنظيماً دعوياً يري أن الدعوة هي أصل حركتها. كنت أعرف أن هذا التنظيم يمارس قدراً من السياسة بحسب أنه رأي أن طريق شمولية التنظيم هو الحل ولكن لم يرد في بالي أنني ألتحق بتنظيم سياسي له أفكاره الباطنية يمارس الدعوة حيناً والسياسة الغالبة أو المغالبة بأغلب الأحيان أو أنني ألتحق بجيش يتم إعداده ليكون جيش الإسلام الذي ينظر للآخرين نظرة الكاره للكاره والعدو للعدو، جيش الإسلام الذي عليه الحرب لرفع راية لا إله إلا الله التي سقطت. حين بايعت كنت أبايع جماعة مدنية دعوية منهجها الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة»                        
ثروت الخرباوي

أحدث المقالات

إعلن معنا

  • Thumb

الأكثر قراءة

فيسبوك

إنستجرام